(
قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين ( 13 )
قال أنظرني إلى يوم يبعثون ( 14 )
قال إنك من المنظرين ( 15 )
قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم ( 16 )
ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين ( 17 ) )
قوله تعالى : (
قال فاهبط منها ) أي : من الجنة ، وقيل : من السماء إلى الأرض وكان له ملك الأرض فأخرجه منها إلى جزائر البحر ، وعرشه في البحر الأخضر ، فلا يدخل الأرض إلا خائفا على هيئة السارق مثل شيخ عليه أطمار يروع فيها حتى يخرج منها .
قوله تعالى : ( فما يكون لك أن تتكبر ) بمخالفة الأمر ، (
فيها ) أي : في الجنة ، فلا ينبغي أن يسكن في الجنة ولا السماء متكبر مخالف لأمر الله تعالى : (
فاخرج إنك من الصاغرين ) من الأذلاء ، والصغار : الذل والمهانة .
(
قال ) إبليس عند ذلك ، (
أنظرني ) أخرني وأمهلني فلا تمتني ، (
إلى يوم يبعثون ) من قبورهم وهو النفخة الأخيرة عند قيام الساعة ، أراد الخبيث أن لا يذوق الموت .
[ ص: 218 ]
(
قال ) الله تعالى ، (
إنك من المنظرين ) المؤخرين ، وبين مدة النظر والمهلة في موضع آخر فقال : (
إلى يوم الوقت المعلوم ) ، ( الحجر 38 ) وهو النفخة الأولى حين يموت الخلق كلهم .
( قال فبما أغويتني ) اختلفوا في " ما " قيل : هو استفهام يعني فبأي شيء أغويتني ؟ ثم ابتدأ فقال : (
لأقعدن لهم ) وقيل : " ما " الجزاء ، أي : لأجل أنك أغويتني لأحقدن لهم . وقيل : هو " ما " المصدرية موضع القسم تقديره : فبإغوائك إياي لأقعدن لهم ، كقوله "
بما غفر لي ربي " ( يس ، 27 ) ، يعني : لغفران ربي .
والمعنى بقدرتك علي ونفاذ سلطانك في . وقال
ابن الأنباري : أي فبما أوقعت في قلبي من الغي الذي كان سبب هبوطي من السماء ، أغويتني : أضللتني عن الهدى . وقيل : أهلكتني ، وقيل : خيبتني ، (
لأقعدن لهم صراطك المستقيم ) أي : لأجلسن لبني آدم على طريقك القويم ، وهو الإسلام .
(
ثم لآتينهم من بين أيديهم ) قال
علي بن أبي طلحة عن
ابن عباس : من بين أيديهم أي من قبل الآخرة فأشككهم فيها ، (
ومن خلفهم ) أرغبهم في دنياهم ، (
وعن أيمانهم ) أشبه عليهم أمر دينهم . (
وعن شمائلهم ) أشهي لهم المعاصي ، وروى
عطية عن
ابن عباس : (
من بين أيديهم ) من قبل دنياهم ، يعني أزينها في قلوبهم ، (
ومن خلفهم ) من قبل الآخرة فأقول : لا بعث ، ولا نشور ، ولا جنة ، ولا نار . (
وعن أيمانهم ) من قبل حسناتهم ، (
وعن شمائلهم ) من قبل سيئاتهم .
وقال
الحكم : من بين أيديهم : من قبل الدنيا يزينها لهم ، ومن خلفهم : من قبل الآخرة يثبطهم عنها ، وعن أيمانهم : من قبل الحق يصدهم عنه ، وعن شمائلهم : من قبل الباطل يزينه لهم . وقال
قتادة : أتاهم من بين أيديهم فأخبرهم أنه لا بعث ولا جنة ولا نار . ومن خلفهم : من أمور الدنيا يزينها لهم ويدعوهم إليها ، وعن أيمانهم : من قبل حسناتهم بطأهم عنها ، وعن شمائلهم : زين لهم السيئات والمعاصي ودعاهم إليها أتاك يا ابن آدم من كل وجه غير أنه لم يأتك من فوقك لم يستطع أن يحول بينك وبين رحمة الله . وقال
مجاهد : من بين أيديهم وعن أيمانهم من حيث يبصرون ، ومن خلفهم وعن شمائلهم حيث لا يبصرون . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : معنى قوله حيث لا يبصرون أي لا يخطئون وحيث لا يبصرون أي لا يعلمون أنهم يخطئون .
(
ولا تجد أكثرهم شاكرين ) مؤمنين ، فإن قيل : كيف علم الخبيث ذلك ؟ قيل : قاله ظنا فأصاب ، قال الله تعالى "
ولقد صدق عليهم إبليس ظنه " ( سبأ 20 ) .