(
ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون ( 195 )
إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين ( 196 )
والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون ( 197 )
وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون ( 198 )
خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ( 199 ) )
(
ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها ) قرأ
أبو جعفر بضم الهاء هنا وفي القصص والدخان ، وقرأ الآخرون بكسر الطاء ، (
أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها ) أراد أن قدرة المخلوقين تكون بهذه الجوارح والآلات ، وليست للأصنام هذه الآلات ، فأنتم مفضلون عليها بالأرجل الماشية والأيدي الباطشة والأعين الباصرة والآذان السامعة ، فكيف تعبدون من أنتم أفضل وأقدر منهم؟ (
قل ادعوا شركاءكم ) يا معشر المشركين ، (
ثم كيدون ) أنتم وهم ، (
فلا تنظرون ) أي : لا تمهلوني واعجلوا في كيدي .
قوله : (
إن وليي الله الذي نزل الكتاب ) يعني القرآن ، أي أنه يتولاني وينصرني كما أيدني بإنزال الكتاب ، (
وهو يتولى الصالحين ) قال
ابن عباس رضي الله عنهما : يريد الذين لا يعدلون
[ ص: 316 ] بالله شيئا فالله يتولاهم بنصره فلا يضرهم عداوة من عاداهم
(
وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا ) يعني الأصنام ، ( وتراهم ) يا
محمد (
ينظرون إليك ) يعني الأصنام ، (
وهم لا يبصرون ) وليس المراد من النظر حقيقة النظر ، إنما المراد منه : المقابلة ، تقول العرب : داري تنظر إلى دارك ، أي : تقابلها . وقيل : وتراهم ينظرون إليك أي : كأنهم ينظرون إليك ، كقوله تعالى : "
وترى الناس سكارى " ( الحج 2 ) ، أي : كأنهم سكارى هذا قول أكثر المفسرين . وقال
الحسن : "
وإن تدعوهم إلى الهدى " يعني : المشركين لا يسمعوا ولا يعقلوا ذلك بقلوبهم ، وتراهم ينظرون إليك بأعينهم وهم لا يبصرون بقلوبهم .
قوله تعالى : (
خذ العفو ) قال
عبد الله بن الزبير :
أمر الله نبيه عليه الصلاة والسلام أن يأخذ العفو من أخلاق الناس . وقال
مجاهد :
خذ العفو يعني العفو من أخلاق الناس وأعمالهم من غير تجسس ، وذلك مثل قبول الاعتذار والعفو والمساهلة وترك البحث عن الأشياء ونحو ذلك .
وروي أنه لما نزلت هذه الآية
nindex.php?page=hadith&LINKID=814695قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لجبريل : " ما هذا؟ قال لا أدري حتى أسأله ، ثم رجع فقال : إن ربك يأمرك أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك " .
وقال
ابن عباس رضي الله عنهما
nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي والضحاك والكلبي : يعني خذ ما عفا لك من الأموال وهو الفضل عن العيال ، وذلك معنى قوله : "
يسألونك ماذا ينفقون قل العفو " ( البقرة - 219 ) ، ثم نسخت هذه بالصدقات المفروضات . قوله تعالى : (
وأمر بالعرف ) أي : بالمعروف ، وهو كل ما يعرفه الشرع . وقال
عطاء : وأمر بالعرف يعني بلا إله إلا الله . (
وأعرض عن الجاهلين )
أبي جهل وأصحابه ، نسختها آية السيف . وقيل : إذا تسفه عليك الجاهل فلا تقابله بالسفه ، وذلك مثل قوله : "
وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما " ( الفرقان - 63 ) ، وذلك سلام المتاركة . قال
جعفر الصادق : أمر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - بمكارم الأخلاق ، وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من هذه الآية .
[ ص: 317 ]
أخبرنا
عبد الله بن عبد الصمد الجرجاني ثنا
أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي ، ثنا
الهيثم بن كليب ، ثنا
أبو عيسى الترمذي ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار ، ثنا
محمد بن جعفر ، ثنا
شعبة ، عن
أبي إسحاق ، عن
أبي عبد الله الجدلي عن
عائشة رضي الله عنها أنها قالت : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=814696لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاحشا ولا متفحشا ولا سخابا في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح " .
ثنا
أبو الفضل زياد بن محمد الحنفي ثنا
أبو سعيد عبد الملك بن أبي عثمان الواعظ ثنا
عماد بن محمد البغدادي ثنا
أحمد بن محمد عن
سعيد الحافظ ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12070محمد بن إسماعيل ثنا
عمر بن إبراهيم يعني الكوفي ثنا
يوسف بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن
جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3502422 " إن الله بعثني لتمام مكارم الأخلاق وإتمام محاسن الأفعال " .