(
وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون ( 202 )
وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ( 203 )
وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ( 204 ) )
قوله : (
وإخوانهم يمدونهم ) يعني إخوان الشياطين من المشركين يمدونهم ، أي : يمدهم الشيطان . قال
الكلبي : لكل كافر أخ من الشياطين . (
في الغي ) أي : يطلبون هم الإغواء حتى يستمروا عليه . وقيل : يزيدونهم في الضلالة . وقرأ
أهل المدينة : " يمدونهم " بضم الياء وكسر الميم ، من الإمداد ، والآخرون : بفتح الياء وضم الميم وهما لغتان بمعنى واحد . (
ثم لا يقصرون ) أي : لا يكفون . قال
ابن عباس رضي الله عنهما : لا الإنس يقصرون عما يعملون من السيئات ، ولا الشياطين يمسكون عنهم ، فعلى هذا قوله : "
ثم لا يقصرون " من فعل المشركين والشياطين جميعا . قال
الضحاك ومقاتل : يعني المشركين لا يقصرون عن الضلالة ولا يبصرونها ، بخلاف ما قال في المؤمنين : "
تذكروا فإذا هم مبصرون " .
(
وإذا لم تأتهم بآية ) يعني : إذا لم تأت المشركين بآية ، (
قالوا لولا اجتبيتها ) هلا افتعلتها وأنشأتها من قبل نفسك واختيارك؟ تقول العرب : اجتبيت الكلام إذا اختلقته . قال
الكلبي : كان
أهل مكة يسألون النبي - صلى الله عليه وسلم - الآيات تعنتا فإذا تأخرت اتهموه وقالوا : لولا اجتبيتها؟ أي : هلا أحدثتها وأنشأتها من عندك؟ ( قل ) لهم يا
محمد (
إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي ) ثم قال : ( هذا ) يعني : القرآن ( بصائر ) حجج وبيان وبرهان ( من ربكم ) واحدتها بصيرة ، وأصلها ظهور الشيء واستحكامه حتى يبصره الإنسان ، فيهتدي به ، يقول : هذه دلائل تقودكم إلى الحق . (
وهدى ورحمة لقوم يؤمنون )
قوله - عز وجل - : (
وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ) اختلفوا في سبب نزول هذه الآية فذهب جماعة إلى أنها في القراءة في الصلاة ، روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة كانوا يتكلمون
[ ص: 319 ] في الصلاة بحوائجهم فأمروا بالسكوت والاستماع إلى قراءة القرآن . وقال قوم : نزلت في ترك
الجهر بالقراءة خلف الإمام .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم عن أبيه عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : نزلت هذه الآية في رفع الأصوات وهم خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة .
وقال
الكلبي : كانوا يرفعون أصواتهم في الصلاة حين يسمعون ذكر الجنة والنار .
وعن
ابن مسعود رضي الله عنه أنه سمع ناسا يقرأون مع الإمام فلما انصرف قال : أما آن لكم أن تفقهوا
وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا كما أمركم الله ؟ وهذا قول
الحسن nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري والنخعي : أن الآية في القراءة في الصلاة .
وقال
سعيد بن جبير nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء ومجاهد : إن الآية في الخطبة ، أمروا
بالإنصات لخطبة الإمام يوم الجمعة .
وقال
سعيد بن جبير : هذا في الإنصات يوم الأضحى والفطر ويوم الجمعة ، وفيما يجهر به الإمام .
وقال
عمر بن عبد العزيز : يجب الإنصات لقول كل واعظ .
[ ص: 320 ] والأول أولاها ، وهو أنها في القراءة في الصلاة لأن الآية مكية والجمعة وجبت
بالمدينة . واتفقوا على أنه مأمور بالإنصات حالة ما يخطب الإمام .
أخبرنا
عبد الوهاب بن محمد الخطيب ثنا
عبد العزيز بن أحمد الخلال ثنا
أبو العباس الأصم ثنا
الربيع ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ثنا
مالك عن
nindex.php?page=showalam&ids=11863أبي الزناد عن
nindex.php?page=showalam&ids=13724الأعرج عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=814698 " إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب يوم الجمعة فقد لغوت " .
واختلف أهل العلم في
القراءة خلف الإمام في الصلاة : فذهب جماعة إلى إيحابها سواء جهر الإمام بالقراءة أو أسر . روي ذلك عن
عمر ،
وعثمان ،
وعلي ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ،
ومعاذ ، وهو قول
الأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي .
وذهب قوم إلى أنه
يقرأ فيما أسر الإمام فيه بالقراءة ولا يقرأ إذا جهر ، يروى ذلك عن
ابن عمر ، وهو قول
عروة بن الزبير ،
nindex.php?page=showalam&ids=14946والقاسم بن محمد ، وبه قال
الزهري nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=16418وابن المبارك وأحمد وإسحاق .
وذهب قوم إلى أنه
لا يقرأ سواء أسر الإمام أو جهر ، يروى ذلك عن
جابر ، وبه قال
الثوري وأصحاب الرأي ويتمسك من لا يرى القراءة خلف الإمام بظاهر هذه الآية ، ومن أوجبها قال : الآية في غير الفاتحة وإذا قرأ الفاتحة يتبع سكتات الإمام ولا ينازع الإمام في القراءة .
والدليل عليه : ما أخبرنا
أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبي ، ثنا
أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي ، ثنا
أبو العباس المحبوبي ، ثنا
أبو عيسى الترمذي ، ثنا
هناد ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16513عبدة بن سليمان ، عن
[ ص: 321 ] محمد بن إسحاق عن
مكحول ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=7820محمود بن الربيع ، عن
عبادة بن الصامت رضي الله عنه ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=814699صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - الصبح فثقلت عليه القراءة ، فلما انصرف قال : " إني أراكم تقرأون وراء إمامكم " ؟ قال : قلنا يا رسول الله إي والله ، قال : " لا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها " .