(
ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين ( 26 ) . (
ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والله غفور رحيم ( 27 )
يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم ( 28 ) .
(
ثم أنزل الله ) بعد الهزيمة ، (
سكينته ) يعني : الأمنة والطمأنينة ، وهي فعيلة من السكون (
على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها ) يعني : الملائكة . قيل : لا للقتال ، ولكن لتجبين الكفار وتشجيع المسلمين ، لأنه يروى : أن الملائكة لم يقاتلوا إلا يوم
بدر ، (
وعذب الذين كفروا ) بالقتل والأسر وسبي العيال وسلب الأموال ، (
وذلك جزاء الكافرين ) .
(
ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء ) فيهديه إلى الإسلام ، (
والله غفور رحيم ) .
قوله تعالى : (
يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس ) الآية ، قال
الضحاك وأبو عبيدة : نجس قذر . وقيل : خبيث . وهو مصدر يستوي فيه الذكر والأنثى والتثنية والجمع ، فأما النجس : بكسر النون وسكون الجيم ، فلا يقال على الانفراد ، إنما يقال : رجس نجس ، فإذا أفرد قيل : نجس ، بفتح النون وكسر الجيم ، وأراد به : نجاسة الحكم لا نجاسة العين ، سموا نجسا على الذم . وقال
قتادة : سماهم نجسا لأنهم يجنبون فلا يغتسلون ويحدثون فلا يتوضئون .
[ ص: 32 ] قوله تعالى : (
فلا يقربوا المسجد الحرام ) أراد منعهم من دخول الحرم لأنهم إذا دخلوا الحرم فقد قربوا من المسجد الحرام ، وأراد به الحرم وهذا كما قال الله تعالى : " سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام " [ الإسراء - 1 ] ، وأراد به الحرم لأنه أسري به من بيت أم هانئ .
قال الشيخ الإمام الأجل : وجملة
بلاد الإسلام في حق الكفار على ثلاثة أقسام :
أحدها : الحرم ، فلا يجوز للكافر أن يدخله بحال ، ذميا كان أو مستأمنا ، لظاهر هذه الآية ، وإذا جاء رسول من بلاد الكفار إلى الإمام والإمام في الحرم لا يأذن له في دخول الحرم ، بل يبعث إليه من يسمع رسالته خارج الحرم . وجوز
أهل الكوفة للمعاهد دخول الحرم .
والقسم الثاني من بلاد الإسلام :
الحجاز ، فيجوز للكافر دخولها بالإذن ولكن لا يقيم فيها أكثر من مقام السفر وهو ثلاثة أيام ، لما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=814774 " لئن عشت إن شاء الله تعالى لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع فيها إلا مسلما " . فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوصى فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=814775 " أخرجوا المشركين من جزيرة العرب " فلم يتفرغ لذلك
أبو بكر رضي الله عنه ، وأجلاهم
عمر رضي الله عنه في خلافته ، وأجل لمن يقدم منهم تاجرا ثلاثا . وجزيرة العرب من أقصى
عدن أبين إلى ريف
العراق في الطول ، وأما العرض فمن
جدة وما والاها من ساحل البحر إلى أطراف
الشام .
والقسم الثالث : سائر بلاد الإسلام ، يجوز للكافر أن يقيم فيها بذمة وأمان ، ولكن لا يدخلون المساجد إلا بإذن مسلم .
قوله : (
بعد عامهم هذا ) يعني : العام الذي حج فيه
أبو بكر رضي الله عنه بالناس ، ونادى
علي كرم الله وجهه ببراءة ، وهو سنة تسع من الهجرة .
قوله (
وإن خفتم عيلة ) وذلك أن
أهل مكة كانت معايشهم من التجارات وكان المشركون يأتون
مكة بالطعام ويتجرون ، فلما منعوا من دخول الحرم خافوا الفقر ، وضيق العيش ، وذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى : (
وإن خفتم عيلة ) فقرا وفاقة . يقال : عال يعيل عيلة ، (
فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم )
[ ص: 33 ] قال
عكرمة : فأغناهم الله عز وجل بأن أنزل عليهم المطر مدرارا فكثر خيرهم . وقال
مقاتل : أسلم أهل
جدة وصنعاء وجريش من
اليمن وجلبوا الميرة الكثيرة إلى
مكة فكفاهم الله ما كانوا يخافون . وقال
الضحاك وقتادة : عوضهم الله منها الجزية فأغناهم بها .