[ ص: 56 ] (
لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين ( 47 )
لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون ( 48 )
ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ( 49 )
إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون ( 50 )
قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون ( 51 )
قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون ( 52 )
قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم إنكم كنتم قوما فاسقين ( 53 )
وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون ( 54 ) .
(
لو خرجوا فيكم ) وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم بالجهاد لغزوة
تبوك ، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم عسكره على
ثنية الوداع ، وضرب
عبد الله بن أبي على [
ذي جدة ] أسفل من
ثنية الوداع ، ولم يكن بأقل العسكرين ، فلما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم تخلف عنه
عبد الله بن أبي فيمن تخلف من المنافقين وأهل الريب ، فأنزل الله تعالى يعزي نبيه صلى الله عليه وسلم (
لو خرجوا ) يعني المنافقين ( فيكم ) أي معكم ، (
ما زادوكم إلا خبالا ) أي : فسادا وشرا . ومعنى الفساد : إيقاع الجبن والفشل بين المؤمنين بتهويل الأمر ، (
ولأوضعوا ) أسرعوا ، (
خلالكم ) وسطكم بإيقاع العداوة والبغضاء بينكم بالنميمة ونقل الحديث من البعض إلى البعض . وقيل : (
ولأوضعوا خلالكم ) أي : أسرعوا فيما يخل بكم . (
يبغونكم الفتنة ) أي : يطلبون لكم ما تفتنون به ، يقولون : لقد جمع لكم كذا وكذا ، وإنكم مهزومون وسيظهر عليكم عدوكم ونحو ذلك . وقال
الكلبي : يبغونكم الفتنة يعني : العيب والشر . وقال
الضحاك : الفتنة الشرك ، ويقال : بغيته الشر والخير أبغيه بغاء إذا التمسته له ، يعني : بغيت له .
(
وفيكم سماعون لهم ) قال
مجاهد : معناه وفيكم محبون لهم يؤدون إليهم ما يسمعون منكم ، وهم الجواسيس . وقال
قتادة : معناه وفيكم مطيعون لهم ، أي : يسمعون كلامهم ويطيعونهم . (
والله عليم بالظالمين ) .
(
لقد ابتغوا الفتنة من قبل ) أي : طلبوا صد أصحابك عن الدين وردهم إلى الكفر ، وتخذيل الناس عنك قبل هذا اليوم ، كفعل
عبد الله بن أبي يوم
أحد حين انصرف عنك بأصحابه . (
وقلبوا لك الأمور ) وأجالوا فيك وفي إبطال دينك الرأي ، بالتخذيل عنك وتشتيت أمرك ، (
حتى جاء الحق ) النصر والظفر ، (
وظهر أمر الله ) دين الله ، (
وهم كارهون ) .
قوله تعالى : ( ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ) نزلت في
جد بن قيس المنافق ، وذلك
[ ص: 57 ] nindex.php?page=hadith&LINKID=814795أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تجهز لغزوة تبوك قال : يا أبا وهب هل لك في جلاد بني الأصفر؟ يعني الروم ، تتخذ منهم سراري ووصفاء ، فقال جد : يا رسول الله لقد عرف قومي أني رجل مغرم بالنساء ، وإني أخشى إن رأيت بنات بني الأصفر أن لا أصبر عنهن ، ائذن لي في القعود ولا تفتني بهن وأعينك بمالي . قال
ابن عباس : اعتل
جد بن قيس ولم تكن له علة إلا النفاق ، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : أذنت لك فأنزل الله عز وجل : ( ومنهم ) يعني من المنافقين (
من يقول ائذن لي ) في التخلف (
ولا تفتني ) ببنات الأصفر . قال
قتادة : ولا تؤثمني : (
ألا في الفتنة سقطوا ) أي : في الشرك والإثم وقعوا بنفاقهم وخلافهم أمر الله وأمر رسوله ، (
وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ) مطبقة بهم وجامعة لهم فيها .
(
إن تصبك حسنة ) نصرة وغنيمة ، (
تسؤهم ) تحزنهم ، يعني : المنافقين ، (
وإن تصبك مصيبة ) قتل وهزيمة ، (
يقولوا قد أخذنا أمرنا ) حذرنا ، أي : أخذنا بالحزم في القعود عن الغزو ، ( من قبل ) أي : من قبل هذه المصيبة ، (
ويتولوا ) ويدبروا (
وهم فرحون ) مسرورون بما نالك من المصيبة .
( قل ) لهم يا
محمد (
لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ) أي : علينا في اللوح المحفوظ (
هو مولانا ) ناصرنا وحافظنا . وقال
الكلبي : هو أولى بنا من أنفسنا في الموت والحياة ، (
وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) .
(
قل هل تربصون بنا ) تنتظرون بنا أيها المنافقون ، (
إلا إحدى الحسنيين ) إما النصر والغنيمة أو الشهادة والمغفرة . وروينا عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=814442 " تكفل الله لمن جاهد في [ ص: 58 ] سبيله لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيله ، وتصديق كلمته : أن يدخله الجنة ، أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه مع ما نال من أجر أو غنيمة " .
قوله عز وجل (
ونحن نتربص بكم ) إحدى السوأتين إما : (
أن يصيبكم الله بعذاب من عنده ) فيهلككم كما أهلك الأمم الخالية ، (
أو بأيدينا ) أي : بأيدي المؤمنين إن أظهرتم ما في قلوبكم ، (
فتربصوا إنا معكم متربصون ) قال
الحسن : فتربصوا مواعيد الشيطان إنا متربصون مواعيد الله من إظهار دينه واستئصال من خالفه .
(
قل أنفقوا طوعا أو كرها ) أمر بمعنى الشرط والجزاء ، أي : إن أنفقتم طوعا أو كرها . نزلت في
جد بن قيس حين استأذن في القعود ، قال أعينكم بمالي ، يقول : إن أنفقتم طوعا أو كرها (
لن يتقبل منكم إنكم ) أي : لأنكم ، (
كنتم قوما فاسقين ) .
(
وما منعهم أن تقبل منهم ) قرأ
حمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي : " يقبل " بالياء لتقدم الفعل ، وقرأ الباقون بالتاء لأن الفعل مسند إلى جمع مؤنث وهو النفقات ، فأنث الفعل ليعلم أن الفاعل مؤنث ، (
نفقاتهم ) صدقاتهم ، (
إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ) أي : المانع من قبول نفقاتهم كفرهم ، (
ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ) متثاقلون لأنهم لا يرجون على أدائها ثوابا ، ولا يخافون على تركها عقابا ، فإن قيل : كيف ذم الكسل في الصلاة ولا صلاة لهم أصلا؟ قيل : الذم واقع على الكفر الذي يبعث على الكسل ، فإن الكفر مكسل ، والإيمان منشط ، (
ولا ينفقون إلا وهم كارهون ) لأنهم يعدونها مغرما ومنعها مغنما .