[ ص: 109 ] (
وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم ( 118 )
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ( 119 )
ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين ( 120 ) .
قوله تعالى : ( وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ) اتسعت ، (
وضاقت عليهم أنفسهم ) غما وهما ، ( وظنوا ) أي : تيقنوا ، (
أن لا ملجأ من الله ) لا مفزع من الله ، (
إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا ) أي : ليستقيموا على التوبة فإن توبتهم قد سبقت . (
إن الله هو التواب الرحيم ) .
(
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) قال
نافع : مع
محمد وأصحابه . وقال
سعيد بن جبير : مع
أبي بكر وعمر رضي الله عنهما . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : مع
المهاجرين ، لقوله تعالى : "
للفقراء المهاجرين " إلى قوله "
أولئك هم الصادقون " ( الحشر - 8 ) . وقال
ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : مع الذين صدقت نياتهم واستقامت قلوبهم وأعمالهم وخرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
تبوك بإخلاص نية . وقيل : مع الذين صدقوا في الاعتراف بالذنب ولم يعتذروا بالأعذار الكاذبة .
وكان
ابن مسعود يقرأ : (
وكونوا مع الصادقين ) وقال
ابن مسعود : إن الكذب لا يصلح في جد ولا هزل ، ولا أن يعد أحدكم صبيه شيئا ثم لا ينجز له ، اقرءوا إن شئتم وقرأ هذه الآية .
قوله تعالى : (
ما كان لأهل المدينة ) ظاهره خبر ، ومعناه نهي ، كقوله تعالى : "
وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله " ( الأحزاب - 53 (
ومن حولهم من الأعراب ) سكان البوادي :
مزينة ،
وجهينة ،
وأشجع ،
وأسلم ،
وغفار . (
أن يتخلفوا عن رسول الله ) إذا غزا . (
ولا يرغبوا ) أي : ولا أن يرغبوا ، (
بأنفسهم عن نفسه ) في مصاحبته ومعاونته والجهاد معه . قال
الحسن : لا يرغبوا بأنفسهم أن يصيبهم
[ ص: 110 ] من الشدائد فيختاروا الخفض والدعة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في مشقة السفر ومقاساة التعب . (
ذلك بأنهم لا يصيبهم ) في سفرهم ، ( ظمأ ) عطش ، ( ولا نصب ) تعب ، ( ولا مخمصة ) مجاعة ، (
في سبيل الله ولا يطئون موطئا ) أرضا ، (
يغيظ الكفار ) وطؤهم إياه (
ولا ينالون من عدو نيلا ) أي : لا يصيبون من عدوهم قتلا أو أسرا أو غنيمة أو هزيمة ، (
إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين ) .
أخبرنا
عبد الواحد المليحي ، أخبرنا
أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا
محمد بن يوسف ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12070محمد بن إسماعيل ، حدثنا
علي بن عبد الله ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15500الوليد بن مسلم ، حدثنا
يزيد بن أبي مريم ، حدثنا
عباية بن رفاعة قال : أدركني
أبو عبس وأنا ذاهب إلى الجمعة فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=814835من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمهما الله على النار " .
واختلفوا في حكم هذه الآية ، قال
قتادة : هذه خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذا غزا بنفسه لم يكن لأحد أن يتخلف عنه إلا بعذر ، فأما غيره من الأئمة والولاة فيجوز لمن شاء من المسلمين أن يتخلف عنه إذا لم يكن بالمسلمين إليه ضرورة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15500الوليد بن مسلم : سمعت
الأوزاعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=16418وابن المبارك ،
وابن جابر ، nindex.php?page=showalam&ids=16673وعمر بن عبد العزيز يقولون في هذه الآية : إنها لأول هذه الأمة وآخرها .
وقال
ابن زيد : هذا حين كان أهل الإسلام قليلا فلما كثروا نسخها الله تعالى وأباح التخلف لمن يشاء ، فقال : (
وما كان المؤمنون لينفروا كافة ) .