[ ص: 173 ] (
أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعلي إجرامي وأنا بريء مما تجرمون ( 35 )
وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون ( 36 )
واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون ( 37 ) .
( أم يقولون افتراه ) قال
ابن عباس رضي الله عنهما : يعني
نوحا عليه السلام . وقال
مقاتل : يعني
محمدا صلى الله عليه وسلم . (
قل إن افتريته فعلي إجرامي ) أي : إثمي ووبال جرمي . والإجرام : كسب الذنب . (
وأنا بريء مما تجرمون ) لا أؤاخذ بذنوبكم .
قوله تعالى : (
وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ) روى
الضحاك عن
ابن عباس : أن قوم
نوح عليه السلام كانوا يضربون
نوحا حتى يسقط ، فيلقونه في لبد ويلقونه في قعر بيت ، يظنون أنه قد مات فيخرج في اليوم الثاني ويدعوهم إلى الله عز وجل .
روي أن شيخا منهم جاء يتوكأ على عصا ، ومعه ابنه ، فقال : يا بني لا يغرنك هذا الشيخ المجنون ، فقال له : يا أبت أمكني من العصا ، فأخذ العصا من أبيه ، فضرب
نوحا حتى شجه شجة منكرة ، فأوحى الله عز وجل إليه (
أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ) ( فلا تبتئس ) أي : فلا تحزن ، ( بما كانوا يفعلون ) فإني مهلكهم ومنقذك منهم فحينئذ دعا
نوح عليهم : "
وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا " (
نوح - 26 ) .
وحكى
محمد بن إسحاق عن
nindex.php?page=showalam&ids=16531عبيد بن عمير الليثي أنه بلغه أنهم كانوا يبطشون به فيخنقونه حتى يغشى عليه ، فإذا أفاق قال : رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ، حتى إذا تمادوا في المعصية واشتد عليه منهم البلاء ، وانتظر الجيل بعد الجيل فلا يأتي قرن إلا كان أخبث من الذي قبله حتى إن كان الآخر منهم ليقول : قد كان هذا مع آبائنا وأجدادنا هكذا مجنونا لا يقبلون منه شيئا ، فشكا إلى الله تعالى فقال : "
رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا " إلى أن قال : "
رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا " ، فأوحى الله تعالى إليه :
( واصنع الفلك بأعيننا ) قال
ابن عباس بمرأى منا . وقال
مقاتل : بعلمنا . وقيل : بحفظنا .
[ ص: 174 ] ( ووحينا ) بأمرنا . (
ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون ) بالطوفان ، قيل : معناه لا تخاطبني في إمهال الكفار ، فإني قد حكمت بإغراقهم . وقيل : لا تخاطبني في ابنك
كنعان وامرأتك
واعلة فإنهما هالكان مع القوم .
وفي القصة أن
جبريل أتى
نوحا عليه السلام فقال : إن ربك عز وجل يأمرك أن تصنع الفلك ، قال : كيف أصنع ولست بنجار؟ فقال : إن ربك يقول اصنع فإنك بعيني ، فأخذ القدوم وجعل يصنع ولا يخطئ . وقيل : أوحى الله إليه أن يصنعها مثل جؤجؤ الطائر .