[ ص: 268 ] (
قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين ( 85 )
قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون ( 86 ) .
( قالوا ) يعني : أولاد
يعقوب (
تالله تفتأ تذكر يوسف ) أي : لا تزال تذكر
يوسف لا تفتر من حبه ، و " لا " محذوفة من قوله ( تفتأ ) يقال : ما فتئ يفعل كذا أي : ما زال ، كقول
امرئ القيس :
فقلت يمين الله أبرح قائما ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي
أي : لا أبرح . (
حتى تكون حرضا ) قال
ابن عباس : دفنا وقال
مجاهد : الحرض ما دون الموت ، يعني : قريبا من الموت . وقال
ابن إسحاق : فاسدا لا عقل لك .
والحرض : الذي فسد جسمه وعقله . وقيل : ذائبا من الهم . ومعنى الآية : حتى تكون دنف الجسم مخبول العقل .
وأصل الحرض : الفساد في الجسم والعقل من الحزن والهرم ، أو العشق ، يقال : رجل حرض وامرأة حرض ، ورجلان وامرأتان حرض ، ورجال ونساء كذلك ، يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع والمذكر والمؤنث ، لأنه مصدر وضع موضع الاسم . (
أو تكون من الهالكين ) أي : من الميتين .
( قال )
يعقوب عليه السلام عند ذلك لما رأى غلظتهم (
إنما أشكو بثي وحزني إلى الله ) والبث : أشد الحزن ، سمي بذلك لأن صاحبه لا يصبر عليه حتى يثبته أي يظهره ، قال
الحسن : بثي أي : حاجتي .
ويروى أنه دخل على
يعقوب جار له وقال : يا
يعقوب مالي أراك قد تهشمت وفنيت ولم تبلغ من السن ما بلغ أبوك قال : هشمني وأفناني ما ابتلاني الله به من هم
يوسف فأوحى الله إليه : يا
يعقوب [ ص: 269 ] أتشكوني إلى خلقي فقال : يا رب خطيئة أخطأتها فاغفرها لي . فقال : قد غفرتها لك ، فكان بعد ذلك إذا سئل قال : إنما أشكو بثي وحزني إلى الله .
وروي أنه قيل له : يا
يعقوب ما الذي أذهب بصرك وقوس ظهرك قال : أذهب بصري بكائي على
يوسف وقوس ظهري حزني على أخيه . فأوحى الله إليه : أتشكوني فوعزتي وجلالي لا أكشف ما بك حتى تدعوني .
فعند ذلك قالإنما أشكو بثي وحزني إلى الله ، فأوحى الله إليه : وعزتي وجلالي لو كانا ميتين لأخرجتهما لك ، وإنما وجدت عليكم لأنكم ذبحتم شاة فقام ببابكم مسكين فلم تطعموه منها شيئا ، وإن أحب خلقي إلي الأنبياء ، ثم المساكين ، فاصنع طعاما وادع إليه المساكين .
فصنع طعاما ثم قال : من كان صائما فليفطر الليلة عند
آل يعقوب .
وروي أنه كان بعد ذلك إذا تغدى أمر من ينادي : من أراد الغداء فليأت
يعقوب وإذا أفطر أمر من ينادي : من أراد أن يفطر فليأت
يعقوب فكان يتغدى ويتعشى مع المساكين . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه قال : أوحى الله تعالى إلى
يعقوب : أتدري لم عاقبتك وحبست عنك
يوسف ثمانين سنة قال : لا يا إلهي ، قال : لأنك قد شويت عناقا وقترت على جارك ، وأكلت ولم تطعمه .
وروي : أن سبب ابتلاء
يعقوب أنه ذبح عجلا بين يدي أمه وهي تخور . وقال
وهب ، nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي وغيرهما : أتى
جبريل يوسف عليه السلام في السجن فقال : هل تعرفني أيها الصديق
[ ص: 270 ]
قال : أرى صورة طاهرة وريحا طيبة .
قال : إني رسول رب العالمين وأنا الروح الأمين .
قال : فما أدخلك مدخل المذنبين وأنت أطيب الطيبين ورأس المقربين [ وأمين رب العالمين ؟ ?
قال : ألم تعلم يا
يوسف أن الله تعالى يطهر البيوت بطهر النبيين ، وأن الأرض التي يدخلونها هي أطهر الأرضين ، وأن الله تعالى قد طهر بك السجن وما حوله ، يا طهر الطاهرين وابن الصالحين المخلصين .
قال : وكيف لي باسم الصديقين ، وتعدني من المخلصين الطاهرين ، وقد أدخلت مدخل المذنبين وسميت باسم الفاسقين
قال
جبريل : لأنه لم يفتن قلبك ولم تطع سيدتك في معصية ربك لذلك سماك الله في الصديقين ، وعدك من المخلصين ، وألحقك بآبائك الصالحين .
قال
يوسف : هل لك علم
بيعقوب أيها الروح الأمين ؟
قال : نعم ، وهبه الله الصبر الجميل وابتلاه بالحزن عليك فهو كظيم .
قال : فكم قدر حزنه ؟
قال : حزن سبعين ثكلى .
قال : فما زاد له من الأجر يا
جبريل ؟
قال : أجر مائة شهيد .
قال : أفتراني لاقيه ؟
قال : نعم ، فطابت نفس
يوسف وقال : ما أبالي بما لقيت إن رأيته .
قوله تعالى : (
وأعلم من الله ما لا تعلمون ) يعني : أعلم من حياة
يوسف ما لا تعلمون .
روي أن ملك الموت زار
يعقوب فقال له : أيها الملك الطيب ريحه ، الحسن صورته ، هل قبضت روح ولدي في الأرواح قال : لا ، فسكن
يعقوب وطمع في رؤيته ، وقال : وأعلم أن رؤيا
يوسف صادقة وإني وأنتم سنسجد له .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : لما أخبره ولده بسيرة الملك أحست نفس
يعقوب وطمع وقال : لعله
يوسف فقال : يا بني اذهبوا فتحسسوا من
يوسف وأخيه .
[ ص: 271 ]
وروي عن
عبد الله بن يزيد بن أبي فروة : أن
يعقوب عليه السلام كتب كتابا إلى
يوسف عليه السلام حين حبس
بنيامين : من
يعقوب إسرائيل الله بن إسحاق ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله [ إلى ملك
مصر ] أما بعد : فإنا أهل بيت وكل بنا البلاء; أما جدي
إبراهيم فشدت يداه ورجلاه ، وألقي في النار ، فجعلها الله عليه بردا وسلاما ، وأما أبي فشدت يداه ورجلاه ووضع السكين على قفاه ، ففداه الله ، وأما أنا فكان لي ابن وكان أحب أولادي إلي فذهب به إخوته إلى البرية ، ثم أتوني بقميصه ملطخا بالدم ، فقالوا : قد أكله الذئب ، فذهبت عيناي [ من البكاء عليه ] ، ثم كان لي ابن وكان أخاه لأمه ، وكنت أتسلى به ، وإنك حبسته وزعمت أنه سرق ، وإنا أهل بيت لا نسرق ولا نلد سارقا ، فإن رددته علي وإلا دعوت عليك دعوة تدرك السابع من ولدك ، فلما قرأ
يوسف الكتاب لم يتمالك البكاء وعيل صبره ، فأظهر نفسه على ما نذكره إن شاء الله تعالى .