(
ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ( 37 ) .
قوله عز وجل : ( ربنا إني أسكنت من ذريتي ) أدخل " من " للتبعيض ، ومجاز الآية : أسكنت من ذريتي ولدا (
بواد غير ذي زرع ) وهو
مكة; لأن
مكة واد بين جبلين (
عند بيتك المحرم ) سماه محرما لأنه يحرم عنده ما لا يحرم عند غيره .
أخبرنا
عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا
أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا
محمد بن يوسف ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12070محمد بن إسماعيل ، حدثنا
عبد الله بن محمد ، حدثنا
عبد الرزاق ، أنبأنا
معمر ، عن
أيوب السختياني وكثير بن [ أبي كثير بن ] المطلب بن أبي وداعة - يزيد أحدهما على الآخر - عن
سعيد بن جبير [ قال ] قال
ابن عباس : أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل
أم إسماعيل ، اتخذت منطقا لتعفي أثرها على
سارة ، ثم جاء بها
إبراهيم عليه السلام ، وبابنها
إسماعيل ، وهي ترضعه ، حتى وضعهما عند
البيت عند دوحة فوق
زمزم في أعلى المسجد ، وليس
بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء ، فوضعهما هنالك ، ووضع عندهما جرابا فيه تمر ، وسقاء فيه ماء ، ثم قفل
إبراهيم منطلقا ، فتبعته
أم إسماعيل فقالت : يا
إبراهيم ، أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء ؟ فقالت له ذلك مرارا
[ ص: 356 ] وجعل لا يلتفت إليها ، فقالت له : آلله أمرك بهذا ؟ قال : نعم ، قالت : إذن لا يضيعنا ، ثم رجعت ، فانطلق
إبراهيم حتى إذا كان عند
الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه
البيت ، ثم دعا بهؤلاء الدعوات فرفع يديه ، فقال : (
ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع ) حتى بلغ " يشكرون " .
وجعلت
أم إسماعيل ترضع
إسماعيل وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت وعطش ابنها ، وجعلت تنظر إليه يتلبط أو قال يتلوى ، وانطلقت كراهية أن تنظر إليه ، فوجدت
الصفا أقرب جبل في الأرض يليها ، فقامت عليه ، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا ، فلم تر أحدا ، فهبطت من
الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها ، ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي ، ثم أتت
المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدا ، فلم تر أحدا ، ففعلت ذلك سبع مرات .
قال
ابن عباس : قال النبي صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=814918فلذلك سعى الناس بينهما " .
فلما أشرفت على
المروة سمعت صوتا فقالت : صه - تريد نفسها - ثم تسمعت فسمعت أيضا فقالت : قد أسمعت إن كان عندك غواث ، فإذا هي بالملك عند موضع
زمزم ، فبحث بعقبه - أو قال بجناحه - حتى ظهر الماء فجعلت تخوضه وتقول بيدها هكذا ، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعدما تغرف .
قال
ابن عباس : قال النبي صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=814919يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم " أو قال : " لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينا معينا " .
قال : فشربت وأرضعت ولدها ، فقال لها الملك : لا تخافوا الضيعة فإن هاهنا بيت الله ، يبنيه هذا الغلام وأبوه ، وإن الله لا يضيع أهله .
وكان موضع
البيت مرتفعا من الأرض كالرابية ، تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وشماله فكانت كذلك ، حتى مرت بهم رفقة من
جرهم - أو أهل بيت من
جرهم - مقبلين من طريق
كداء ، فنزلوا في أسفل
مكة ، فرأوا طائرا عائفا ، فقالوا : إن هذا الطائر ليدور على ماء ، ولعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء ، فأرسلوا جريا أو جريين فإذا هم بالماء ، فرجعوا فأخبروهم بالماء ، فأقبلوا
وأم إسماعيل عند الماء ، فقالوا : أتأذنين لنا أن ننزل عندك ؟ فقالت : نعم ، ولكن لا حق لكم في الماء ، قالوا : نعم .
قال
ابن عباس : قال النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=814920فألفى ذلك أم إسماعيل وهي تحب الأنس ، فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم وشب الغلام وتعلم العربية منهم ، وأنفسهم وأعجبهم حين شب ، فلما أدرك زوجوه امرأة منهم . وماتت أم إسماعيل فجاء إبراهيم بعدما تزوج [ ص: 357 ] إسماعيل يطالع تركته . . . ذكرنا تلك القصة في سورة البقرة .
قوله تعالى : (
ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس ) الأفئدة : جمع الفؤاد (
تهوي إليهم ) تشتاق وتحن إليهم .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : معناه أمل قلوبهم إلى هذا الموضع .
قال
مجاهد : لو قال أفئدة الناس لزاحمتكم
فارس ، والروم ، والترك ، والهند .
وقال
سعيد بن جبير : لحجت
اليهود والنصارى والمجوس ، ولكنه قال : "
أفئدة من الناس " وهم المسلمون .
(
وارزقهم من الثمرات ) ما رزقت سكان القرى ذوات الماء ( لعلهم يشكرون ) .