[ ص: 25 ] (
يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون ( 59 )
للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم ( 60 ) )
( يتوارى ) أي : يختفي ، (
من القوم من سوء ما بشر به ) من الحزن والعار ، ثم يتفكر : ( أيمسكه ) ذكر الكناية ردا على " ما " (
على هون ) أي : هوان ، (
أم يدسه في التراب ) أي : يخفيه منه ، فيئده .
وذلك : أن
مضر وخزاعة وتميما كانوا يدفنون البنات أحياء ، خوفا من الفقر عليهم ، وطمع غير الأكفاء فيهن ، وكان الرجل من العرب إذا ولدت له بنت وأراد أن يستحييها ألبسها جبة من صوف أو شعر ، وتركها ترعى له الإبل والغنم في البادية ، وإذا أراد أن يقتلها تركها حتى إذا صارت سداسية ، قال لأمها : زينيها حتى أذهب بها إلى أحمائها ، وقد حفر لها بئرا في الصحراء ، فإذا بلغ بها البئر قال لها : انظري إلى هذه البئر ، فيدفعها من خلفها في البئر ، ثم يهيل على رأسها التراب حتى يستوي البئر بالأرض ، فذلك قوله عز وجل : (
أيمسكه على هون أم يدسه في التراب )
وكان
صعصعة عم
nindex.php?page=showalam&ids=14899الفرزدق إذا أحس بشيء من ذلك وجه إلى والد البنت إبلا يحييها بذلك ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=14899الفرزدق يفتخر به .
وعمي الذي منع الوائدات فأحيا الوئيد فلم توأد
(
ألا ساء ما يحكمون ) بئس ما يقضون لله البنات ولأنفسهم البنين ، نظيره : "
ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى " ( النجم - 22 ) ، وقيل : بئس حكمهم وأد البنات . (
للذين لا يؤمنون بالآخرة ) يعني لهؤلاء الذين يصفون لله البنات ولأنفسهم البنين (
مثل السوء ) صفة السوء من الاحتياج إلى الولد ، وكراهية الإناث ، وقتلهن خوف الفقر ، (
ولله المثل الأعلى ) الصفة العليا ، وهي التوحيد وأنه لا إله إلا هو .
وقيل : جميع صفات الجلال والكمال ، من العلم ، والقدرة ، والبقاء ، وغيرها من الصفات .
قال
ابن عباس : "
مثل السوء " : النار ، و " المثل الأعلى " : شهادة أن لا إله إلا الله .
( وهو العزيز الحكيم )