[ ص: 112 ] (
ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا ( 74 )
إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا ( 75 ) (
وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا ( 76 ) )
(
ولولا أن ثبتناك ) على الحق بعصمتنا (
لقد كدت تركن ) أي : تميل (
إليهم شيئا قليلا ) أي : قريبا من الفعل .
فإن قيل : كان النبي صلى الله عليه وسلم معصوما فكيف يجوز أن يقرب مما طلبوه وما طلبوه كفر؟
قيل : كان ذلك خاطر قلب ولم يكن عزما وقد غفر الله عز وجل عن حديث النفس .
قال
قتادة : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول بعد ذلك : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=815002اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين " .
والجواب الصحيح هو أن الله تعالى قال : (
ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا ) وقد ثبته الله ولم يركن وهذا مثل قوله تعالى : "
ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا " ( النساء - 83 ) [ وقد تفضل فلم يتبعوا ] . (
إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ) أي : لو فعلت ذلك لأذقناك ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات يعني : أضعفنا لك العذاب في الدنيا والآخرة .
وقيل : " الضعف " : هو العذاب سمي ضعفا لتضاعف الألم فيه .
(
ثم لا تجد لك علينا نصيرا ) أي : ناصرا يمنعك من عذابنا . قوله تعالى : (
وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها ) اختلفوا في معنى الآية فقال بعضهم : هذه الآية مدنية قال
الكلبي : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم
المدينة كره
اليهود مقامه
بالمدينة حسدا منهم فأتوه وقالوا : يا أبا القاسم لقد علمت ما هذه بأرض الأنبياء فإن أرض الأنبياء
الشام [ وهي الأرض المقدسة وكان بها
إبراهيم والأنبياء عليهم الصلاة والسلام فإن كنت نبيا مثلهم فأت
الشام ] وإنما يمنعك من الخروج إليها مخافتك
الروم وإن الله سيمنعك من
الروم إن كنت رسوله
[ ص: 113 ] فعسكر النبي صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أميال من
المدينة وفي رواية : إلى
ذي الحليفة حتى يجتمع إليه أصحابه ويخرج فأنزل الله هذه الآية و " الأرض " هاهنا هي
المدينة .
وقال
مجاهد وقتادة : " الأرض " أرض
مكة والآية مكية هم المشركون أن يخرجوه منها فكفهم الله عنه حتى أمره بالهجرة فخرج بنفسه وهذا أليق بالآية لأن ما قبلها خبر عن
أهل مكة والسورة مكية .
وقيل : هم الكفار كلهم أرادوا أن يستفزوه من أرض العرب باجتماعهم وتظاهرهم عليه فمنع الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم ولم ينالوا منه ما أملوا والاستفزاز هو الإزعاج بسرعة .
(
وإذا لا يلبثون خلافك ) أي بعدك وقرأ
ابن عامر وحمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي وحفص ويعقوب ( خلافك ) اعتبارا بقوله تعالى : "
فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله " ( التوبة - 81 ) ومعناهما واحد . ( إلا قليلا ) أي : لا يلبثون بعدك إلا قليلا حتى يهلكوا فعلى هذا القول الأول : مدة حياتهم وعلى الثاني : ما بين خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى
المدينة إلى أن قتلوا
ببدر .