قوله ( باب المسك ) بكسر الميم الطيب المعروف ، قال الكرماني مناسبة ذكره في الذبائح أنه فضلة من الظبي . قلت : ومناسبته للباب الذي قبله وهو جلد الميتة إذا دبغ تطهر مما سأذكره ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13974الجاحظ : هو من دويبة تكون في الصين تصاد لنوافجها وسررها ، فإذا صيدت شدت بعصائب وهي مدلية يجتمع فيها دمها ، فإذا ذبحت قورت السرة التي عصبت ودفنت في الشعر حتى يستحيل ذلك الدم المختنق الجامد مسكا ذكيا بعد أن كان لا يرام من النتن ، ومن ثم قال القفال : إنها تندبغ بما فيها من المسك فتطهر كما يطهر غيرها من المدبوغات ، والمشهور أن غزال المسك كالظبي لكن لونه أسود وله نابان لطيفان أبيضان في فكه الأسفل ، وأن المسك دم يجتمع في سرته في وقت معلوم من السنة فإذا اجتمع ورم الموضع فمرض الغزال إلى أن يسقط منه ، ويقال إن أهل تلك البلاد يجعلون لها أوتادا في البرية تحتك بها ليسقط . ونقل ابن الصلاح في " مشكل الوسيط " أن النافجة في جوف الظبية كالإنفحة في جوف الجدي ، وعن علي بن مهدي الطبري nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أنها تلقيها من جوفها كما تلقي الدجاجة البيضة ، ويمكن الجمع بأنها تلقيها من سرتها فتتعلق بها إلى أن تحتك ، قال النووي : أجمعوا على أن المسك طاهر يجوز استعماله في البدن والثوب ، ويجوز بيعه .
ونقل أصحابنا عن الشيعة فيه مذهبا باطلا وهو مستثنى من القاعدة : ما أبين من حي فهو ميت اهـ ، وحكى ابن التين عن ابن شعبان من المالكية أن فأرة المسك إنما تؤخذ في حال الحياة أو بذكاة من لا تصح ذكاته من الكفرة ، وهي مع ذلك محكوم بطهارتها لأنها تستحيل عن كونها دما حتى تصير مسكا كما يستحيل الدم إلى اللحم فيطهر ويحل أكله ، وليست بحيوان حتى يقال نجست بالموت ، وإنما هي شيء يحدث بالحيوان كالبيض ، وقد أجمع المسلمون على طهارة المسك إلا ما حكي عن عمر من كراهته ، وكذا حكى ابن المنذر عن جماعة ثم قال : ولا يصح المنع فيه إلا عن عطاء بناء على أنه جزء منفصل ، وقد أخرج مسلم في أثناء حديث عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " nindex.php?page=hadith&LINKID=3503804المسك أطيب الطيب " وأخرجه أبو داود مقتصرا منه على هذا القدر .
[ ص: 578 ] قوله ( ما من مكلوم ) أي مجروح ( وكلمه ) بفتح الكاف وسكون اللام ( يدمى ) بفتح أوله وثالثه ، وقد تقدم شرح هذا الحديث في كتاب الجهاد ، قال النووي : ظاهر قوله " في سبيل الله " اختصاصه بمن وقع له ذلك في قتال الكفار ، لكن يلتحق به من قتل في حرب البغاة وقطاع الطريق وإقامة المعروف لاشتراك الجميع في كونهم شهداء ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر أصل الحديث في الكفار ويلتحق هؤلاء بهم بالمعنى ، لقوله صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=hadith&LINKID=3503805من قتل دون ماله فهو شهيد وتوقف بعض المتأخرين في دخول من قاتل دون ماله لأنه يقصد صون ماله بداعية الطبع ، وقد أشار في الحديث إلى اختصاص ذلك بالمخلص حيث قال " nindex.php?page=hadith&LINKID=3503806والله أعلم بمن يكلم في سبيله " والجواب أنه يمكن فيه الإخلاص مع إرادة صون المال ، كأن يقصد بقتال من أراد أخذه منه صون الذي يقاتله عن ارتكاب المعصية وامتثال أمر الشارع بالدفع ، ولا يمحض القصد لصون المال ، فهو كمن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا مع تشوفه إلى الغنيمة . قال ابن المنير : وجه استدلال nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري بهذا الحديث على طهارة المسك وكذا بالذي بعده وقوع تشبيه دم الشهيد به ، لأنه في سياق التكريم والتعظيم ، فلو كان نجسا لكان من الخبائث ولم يحسن التمثيل به في هذا المقام .