قوله : " حوائج " هو جمع حاجة على غير القياس ، وذكر الأصمعي أنه مولد ، والجمع حاجات وحاج وقال ابن ولاد : الحوجاء الحاجة وجمعها حواجي بالتشديد ، ويجوز التخفيف ، قال : فلعل حوائج مقلوبة من حواجي مثل سوائع من سواعي . وقال أبو عبيد الهروي : قيل : الأصل حائجة فيصح الجمع على حوائج . قوله : ( ثم أتي بماء ) في رواية عمرو بن مرزوق عن شعبة عند nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي " فدعا بوضوء " nindex.php?page=showalam&ids=13948وللترمذي من طريق الأعمش عن عبد الملك بن ميسرة " ثم أتي علي بكوز من ماء " ومثله من رواية بهز بن أسد عن شعبة عند nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي ، وكذا لأبي داود الطيالسي في مسنده عن شعبة .
قوله : ( فشرب وغسل وجهه ويديه ، وذكر رأسه ورجليه ) كذا هنا ، وفي رواية بهز " فأخذ منه كفا فمسح وجهه وذراعيه ورأسه ورجليه " . وكذلك عند الطيالسي " فغسل وجهه ويديه ومسح على رأسه ورجليه " ومثله في رواية عمرو بن مرزوق عند nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي ، ويؤخذ منه أنه في الأصل " ومسح على رأسه ورجليه " وأن آدم توقف في سياقه فعبر بقوله " وذكر رأسه ورجليه " ووقع في رواية الأعمش " فغسل يديه ومضمض واستنشق ومسح بوجهه وذراعيه ورأسه " وفي رواية علي بن الجعد عن شعبة عند nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي " فمسح بوجهه ورأسه ورجليه " ومن رواية أبي الوليد عن شعبة ذكر الغسل والتثليث في الجميع ، وهي شاذة مخالفة لرواية أكثر أصحاب شعبة ، [ ص: 85 ] والظاهر أن الوهم فيها من الراوي عند أحمد بن إبراهيم الواسطي شيخ nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي فيها فقد ضعفه nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني ، والصفة التي ذكرها هي صفة إسباغ الوضوء الكامل ، وقد ثبت في آخر الحديث قول علي : هذا وضوء من لم يحدث كما سيأتي بيانه .
قوله : ( ثم قام فشرب فضله ) هذا هو المحفوظ في الروايات كلها ، والذي وقع هنا من ذكر الشرب مرة قبل الوضوء ومرة بعد الفراغ منه لم أره في غير رواية آدم ، والمراد بقوله : " فضله " بقية الماء الذي توضأ منه .
قوله : ( ثم قال : إن ناسا يكرهون الشرب قائما ) كذا للأكثر ، وكأن المعنى إن ناسا يكرهون أن يشرب كل منهم قائما ، ووقع في رواية الكشميهني " قياما " وهي واضحة ، وللطيالسي " أن يشربوا قياما " .
قوله : ( صنع كما صنعت ) أي من الشرب قائما ، وصرح به nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي في روايته فقال : " شرب فضلة وضوئه قائما كما شربت " nindex.php?page=showalam&ids=12251ولأحمد ورأيته من طريقين آخرين " nindex.php?page=hadith&LINKID=848908عن علي أنه شرب قائما ، فرأى الناس كأنهم أنكروه فقال : ما تنظرون أن أشرب قائما ؟ فقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشرب قائما ، وإن شربت قاعدا فقد رأيته يشرب قاعدا " ووقع في رواية nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي nindex.php?page=showalam&ids=13779والإسماعيلي زيادة في آخر الحديث من طرق عن شعبة " وهذا وضوء من لم يحدث " وهي على شرط الصحيح ، وكذا ثبت في رواية الأعمش عند الترمذي . واستدل بهذا الحديث على جواز الشرب للقائم ، وقد عارض ذلك أحاديث صريحة في النهي عنه . ومنها عند مسلم عن أنس " nindex.php?page=hadith&LINKID=848909أن النبي - صلى الله عليه وسلم - زجر عن الشرب قائما " ومثله عنده عن أبي سعيد بلفظ " نهى " ومثله nindex.php?page=showalam&ids=13933للترمذي وحسنه من حديث الجارود ، ولمسلم من طريق أبي غطفان عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة بلفظ nindex.php?page=hadith&LINKID=848910لا يشربن أحدكم قائما ، فمن نسي فليستقئ وأخرجه أحمد من وجه آخر وصححه nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان من طريق أبي صالح عنه بلفظ nindex.php?page=hadith&LINKID=3503854لو يعلم الذي يشرب وهو قائم لاستقاء nindex.php?page=showalam&ids=12251ولأحمد من وجه آخر عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة nindex.php?page=hadith&LINKID=848911أنه - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلا يشرب قائما فقال : قه ، قال : لمه ؟ قال : أيسرك أن يشرب معك الهر ؟ قال : لا . قال : قد شرب معك من هو شر منه ، الشيطان وهو من رواية شعبة عن أبي زياد الطحان مولى الحسن بن علي عنه ، وأبو زياد لا يعرف اسمه ، وقد وثقه nindex.php?page=showalam&ids=17336يحيى بن معين . وأخرج مسلم من طريق قتادة عن أنس " nindex.php?page=hadith&LINKID=848912أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يشرب الرجل قائما ، قال قتادة فقلنا لأنس : فالأكل ؟ قال ذاك أشر وأخبث " قيل : وإنما جعل الأكل أشر لطول زمنه بالنسبة لزمن الشرب . فهذا ما ورد في المنع من ذلك . قال المازري : اختلف الناس في هذا ، فذهب الجمهور إلى الجواز ، وكرهه قوم ، فقال بعض شيوخنا : لعل النهي ينصرف لمن أتى أصحابه بماء فبادر لشربه قائما قبلهم استبدادا به وخروجا عن كون ساقي القوم آخرهم شربا . قال : وأيضا فإن الأمر في حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة بالاستقاء لا خلاف بين أهل العلم في أنه ليس على أحد أن يستقيء . قال وقال بعض الشيوخ : الأظهر أنه موقوف على nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة . قال : وتضمن حديث أنس الأكل أيضا ، ولا خلاف في جواز الأكل قائما . قال : والذي يظهر لي أن أحاديث شربه قائما تدل على الجواز ، وأحاديث النهي تحمل على الاستحباب والحث على ما هو أولى وأكمل . أو لأن في الشرب قائما ضررا فأنكره من أجله وفعله هو لأمنه ، قال : وعلى هذا الثاني يحمل قوله : فمن نسي فليستقئ على أن ذلك يحرك خلطا يكون القيء دواءه . ويؤيده قول nindex.php?page=showalam&ids=12354النخعي : إنما نهى عن ذلك لداء البطن . انتهى ملخصا . وقال عياض : لم يخرج مالك ولا nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أحاديث النهي ، وأخرجها مسلم من رواية قتادة عن أنس ومن روايته عن أبي عيسى عن أبي سعيد وهو معنعن ، وكان شعبة يتقي من حديث قتادة ما لا يصرح فيه بالتحديث ، وأبو عيسى غير مشهور ، واضطراب [ ص: 86 ] قتادة فيه مما يعله مع مخالفة الأحاديث الأخرى والأئمة له . وأما حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ففي سنده عمر بن حمزة ولا يحتمل منه مثل هذا لمخالفة غيره له ، والصحيح أنه موقوف . انتهى ملخصا . ووقع للنووي ما ملخصه : هذه الأحاديث أشكل معناها على بعض العلماء حتى قال فيها أقوالا باطلة ، وزاد حتى تجاسر ورام أن يضعف بعضها ، ولا وجه لإشاعة الغلطات ، بل يذكر الصواب ويشار إلى التحذير عن الغلط ، وليس في الأحاديث إشكال ولا فيها ضعيف ، بل الصواب أن النهي فيها محمول على التنزيه ، وشربه قائما لبيان الجواز ، وأما من زعم نسخا أو غيره فقد غلط ، فإن النسخ لا يصار إليه مع إمكان الجمع لو ثبت التاريخ ، وفعله - صلى الله عليه وسلم - لبيان الجواز لا يكون في حقه مكروها أصلا ، فإنه كان يفعل الشيء للبيان مرة أو مرات ، ويواظب على الأفضل ، والأمر بالاستقاءة محمول على الاستحباب ، فيستحب لمن شرب قائما أن يستقيء لهذا الحديث الصحيح الصريح ، فإن الأمر إذا تعذر حمله على الوجوب حمل على الاستحباب . وأما قول عياض : لا خلاف بين أهل العلم في أن من شرب قائما ليس عليه أن يتقيأ ، وأشار به إلى تضعيف الحديث ، فلا يلتفت إلى إشارته ، وكون أهل العلم لم يوجبوا الاستقاءة لا يمنع من استحبابه ، فمن ادعى منع الاستحباب بالإجماع فهو مجازف ، وكيف تترك السنة الصحيحة بالتوهمات ، والدعاوى والترهات ؟ ا هـ وليس في كلام عياض التعرض للاستحباب أصلا ، بل ونقل الاتفاق المذكور إنما هو كلام المازري كما مضى ، وأما تضعيف عياض للأحاديث فلم يتشاغل النووي بالجواب عنه . وطريق الإنصاف أن لا تدفع حجة العالم بالصدر ، فأما إشارته إلى تضعيف حديث أنس بكون قتادة مدلسا وقد عنعنه فيجاب عنه بأنه صرح في نفس السند بما يقتضي سماعه له من أنس ، فإن فيه " قلنا لأنس : فالأكل " وأما تضعيفه حديث أبي سعيد بأن أبا عيسى غير مشهور فهو قول سبق إليه ابن المديني لأنه لم يرو عنه إلا قتادة ، لكن وثقه الطبري nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان ، ومثل هذا يخرج في الشواهد ، ودعواه اضطرابة مردودة لأن لقتادة فيه إسنادين وهو حافظ ، وأما تضعيفه لحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة بعمر بن حمزة فهو مختلف في توثيقه ومثله يخرج له مسلم في المتابعات ، وقد تابعه الأعمش عن أبي صالح عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة كما أشرت إليه عند أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان ، فالحديث بمجموع طرقه صحيح والله أعلم . قال النووي وتبعه شيخنا في " شرح الترمذي " : إن قوله فمن نسي لا مفهوم له ، بل يستحب ذلك للعامد أيضا بطريق الأولى ، وإنما خص الناسي بالذكر لكون المؤمن لا يقع ذلك منه بعد النهي غالبا إلا نسيانا . قلت : وقد يطلق النسيان ويراد به الترك فيشمل السهو والعمد ، فكأنه قيل من ترك امتثال الأمر وشرب قائما فليستقئ . وقال القرطبي في " المفهم " : لم يصر أحد إلى أن النهي فيه للتحريم وإن كان جاريا على أصول الظاهرية والقول به ، وتعقب بأن nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم منهم جزم بالتحريم ، وتمسك من لم يقل بالتحريم بحديث علي المذكور في الباب ، وصحح الترمذي من حديث ابن عمر " nindex.php?page=hadith&LINKID=848913كنا نأكل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن نمشي ، ونشرب ونحن قيام " وفي الباب عن nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص أخرجه الترمذي أيضا وعن عبد الله بن أنيس أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني وعن أنس أخرجه البزار والأثرم وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أخرجه الترمذي وحسنه وعن عائشة أخرجه البزار وأبو علي الطوسي في " الأحكام " وعن أم سليم نحوه أخرجه ابن شاهين وعن عبد الله بن السائب عن خباب عن أبيه عن جده أخرجه ابن أبي حاتم ، وعن كبشة قالت : nindex.php?page=hadith&LINKID=848914 " دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - فشرب من قربة معلقة " أخرجه الترمذي وصححه ، وعن كلثم نحوه أخرجه أبو موسى بسند حسن . وثبت الشرب قائما عن عمر أخرجه الطبري ، وفي " الموطأ " أن عمر وعثمان وعليا كانوا يشربون قياما وكان سعد nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة لا يرون بذلك بأسا ، وثبتت الرخصة عن جماعة من التابعين . وسلك العلماء في ذلك مسالك : أحدها : الترجيح وأن أحاديث الجواز أثبت من أحاديث النهي ، وهذه طريقة أبي بكر الأثرم فقال : حديث أنس - يعني [ ص: 87 ] في النهي - جيد الإسناد ولكن قد جاء عنه خلافه ، يعني في الجواز ، قال : ولا يلزم من كون الطريق إليه في النهي أثبت من الطريق إليه في الجواز أن لا يكون الذي يقابله أقوى لأن الثبت قد يروي من هو دونه الشيء فيرجح عليه ، فقد رجح نافع على سالم في بعض الأحاديث عن ابن عمر وسالم مقدم على نافع في الثبت ، وقدم شريك على الثوري في حديثين وسفيان مقدم عليه في جملة أحاديث . ثم أسند عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : " لا بأس بالشرب قائما " قال الأثرم : فدل على أن الرواية عنه في النهي ليست ثابتة ، وإلا لما قال لا بأس به ، قال : ويدل على وهاء أحاديث النهي أيضا اتفاق العلماء على أنه ليس على أحد شرب قائما أن يستقيء . المسلك الثاني : دعوى النسخ ، وإليها جنح الأثرم وابن شاهين فقررا على أن أحاديث النهي - على تقدير ثبوتها - منسوخة بأحاديث الجواز بقرينة عمل الخلفاء الراشدين ومعظم الصحابة والتابعين بالجواز ، وقد عكس ذلك nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم فادعى نسخ أحاديث الجواز بأحاديث النهي متمسكا بأن الجواز على وفق الأصل وأحاديث النهي مقررة لحكم الشرع . فمن ادعى الجواز بعد النهي فعليه البيان ، فإن النسخ لا يثبت بالاحتمال . وأجاب بعضهم بأن أحاديث الجواز متأخرة لما وقع منه - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع كما سيأتي ذكره في هذا الباب من حديث ابن عباس ، وإذا كان ذلك الأخير من فعله - صلى الله عليه وسلم - دل على الجواز ، ويتأيد بفعل الخلفاء الراشدين بعده . المسلك الثالث : الجمع بين الخبرين بضرب من التأويل ، فقال أبو الفرج الثقفي في نصره الصحاح : والمراد بالقيام هنا المشي ، يقال قام في الأمر إذا مشى فيه ، وقمت في حاجتي إذا سعيت فيها وقضيتها ، ومنه قوله - تعالى - : إلا ما دمت عليه قائما أي مواظبا بالمشي عليه . وجنح nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي إلى تأويل آخر وهو حمل النهي على من لم يسم عند شربه ، وهذا إن سلم له في بعض ألفاظ الأحاديث لم يسلم له في بقيتها . وسلك آخرون في الجمع حمل أحاديث النهي على كراهة التنزيه وأحاديث الجواز على بيانه ، وهي طريقة nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي nindex.php?page=showalam&ids=12997وابن بطال في آخرين ، وهذا أحسن المسالك وأسلمها وأبعدها من الاعتراض ، وقد أشار الأثرم إلى ذلك أخيرا فقال : إن ثبتت الكراهة حملت على الإرشاد والتأديب لا على التحريم ، وبذلك جزم الطبري وأيده بأنه لو كان جائزا ثم حرمه أو كان حراما ثم جوزه لبين النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك بيانا واضحا ، فلما تعارضت الأخبار بذلك جمعنا بينها بهذا . وقيل إن النهي عن ذلك إنما هو من جهة الطب مخافة وقوع ضرر به ، فإن الشرب قاعدا أمكن وأبعد من الشرق وحصول الوجع في الكبد أو الحلق ، وكل ذلك قد لا يأمن منه من شرب قائما . وفي حديث علي من الفوائد أن على العالم إذا رأى الناس اجتنبوا شيئا وهو يعلم جوازه أن يوضح لهم وجه الصواب فيه خشية أن يطول الأمر فيظن تحريمه ، وأنه متى خشي ذلك فعليه أن يبادر للإعلام بالحكم ولو لم يسأل ، فإن سئل تأكد الأمر به ، وأنه إذا كره من أحد شيئا لا يشهر باسمه لغير غرض بل يكني عنه كما كان - صلى الله عليه وسلم - يفعل في مثل ذلك . الحديث الثاني .