قوله باب إثم من فاتته صلاة العصر ) أشار المصنف بذكر الإثم إلى أن المراد بالفوات تأخيرها عن وقت الجواز بغير عذر ، لأن الإثم إنما يترتب على ذلك ، وسيأتي البحث في ذلك .
قوله ( الذي تفوته ) قال ابن بزيزة : فيه رد على من كره أن يقول فاتتنا الصلاة .
قلت : وسيأتي الكلام على ذلك في باب مفرد في صلاة الجماعة .
قوله : ( صلاة العصر فكأنما ) كذا للكشميهني ، وسقط للأكثر لفظ صلاة والفاء من قوله فكأنما .
قوله : ( وتر أهله ) هو بالنصب عند الجمهور على أنه مفعول ثان لوتر ، وأضمر في وتر مفعول لم يسم فاعله وهو عائد على الذي فاتته ، فالمعنى أصيب بأهله وماله . وهو متعد إلى مفعولين . ومثله قوله تعالى ولن يتركم أعمالكم ، وإلى هذا أشار المصنف فيما وقع في رواية المستملي قال : قال أبو عبد الله يتركم . انتهى . وقيل وتر هنا بمعنى نقص ، فعلى هذا يجوز نصبه ورفعه ، لأن من رد النقص إلى الرجل نصب وأضمر ما يقوم مقام الفاعل ، ومن رده إلى الأهل رفع . وقال القرطبي : يروى بالنصب على أن وتر بمعنى سلب وهو يتعدى إلى مفعولين ، وبالرفع على أن وتر بمعنى أخذ فيكون أهله هو المفعول الذي لم يسم فاعله . ووقع في رواية المستملي أيضا وترت الرجل إذا قتلت له قتيلا أو أخذت ماله ، وحقيقة الوتر كما قال الخليل هو الظلم في الدم ، فعلى هذا فاستعماله في المال مجاز ، لكن قال الجوهري : الموتور هو الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه ، تقول منه وتر وتقول أيضا وتره حقه أي نقصه .
وقيل الموتور من أخذ أهله أو ماله وهو ينظر إليه وذلك أشد لغمه ، فوقع التشبيه بذلك لمن فاتته الصلاة لأنه يجتمع عليه غمان : غم الإثم وغم فقد الثواب . كما يجتمع على الموتور غمان : غم السلب ، وغم الطلب بالثأر . وقيل : معنى وتر أخذ أهله وماله فصار وترا أي فردا ، ويؤيد الذي قبله رواية nindex.php?page=showalam&ids=15061أبي مسلم الكجي من طريق حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع فذكر نحو هذا الحديث وزاد في آخره " وهو قاعد " ، وظاهر الحديث التغليظ على من تفوته العصر ، وأن ذلك مختص بها . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : يحتمل أن يكون هذا الحديث خرج جوابا لسائل سأل عن صلاة العصر فأجيب ، [ ص: 38 ] فلا يمنع ذلك إلحاق غيرها من الصلوات بها . وتعقبه النووي بأنه إنما يلحق غير المنصوص بالمنصوص إذا عرفت العلة واشتركا فيها . قال : والعلة في هذا الحكم لم تتحقق فلا يلتحق غير العصر بها . انتهى . وهذا لا يدفع الاحتمال . وقد احتج nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر بما رواه ابن أبي شيبة وغيره من طريق أبي قلابة عن nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء مرفوعا " من ترك صلاة مكتوبة حتى تفوته " الحديث .
قلت : وفي إسناده انقطاع لأن أبا قلابة لم يسمع من nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء . وقد رواه أحمد من حديث nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء بلفظ " من ترك العصر " فرجع حديث nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء إلى تعيين العصر . وروى nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان وغيره من حديث نوفل بن معاوية مرفوعا nindex.php?page=hadith&LINKID=842024من فاتته الصلاة فكأنما وتر أهله وماله وهذا ظاهره العموم في الصلوات المكتوبات . وأخرجه عبد الرزاق من وجه آخر عن نوفل بلفظ nindex.php?page=hadith&LINKID=842025لأن يوتر أحدكم أهله وماله خير له من أن يفوته وقت صلاة وهذا أيضا ظاهره العموم . ويستفاد منه أيضا ترجيح توجيه رواية النصب المصدر بها ، لكن المحفوظ من حديث نوفل بلفظ nindex.php?page=hadith&LINKID=842026من الصلوات صلاة من فاتته فكأنما وتر أهله وماله أخرجه المصنف في علامات النبوة ومسلم أيضا nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني وغيرهم ، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني من وجه آخر وزاد فيه عن الزهري : قلت لأبي بكر - يعني ابن عبد الرحمن وهو الذي حدثه به - ما هذه الصلاة ؟ قال : العصر .
ورواه nindex.php?page=showalam&ids=12211ابن أبي خيثمة من وجه آخر فصرح بكونها العصر في نفس الخبر ، والمحفوظ أن كونها العصر من تفسير nindex.php?page=showalam&ids=11947أبي بكر بن عبد الرحمن ، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي من وجه آخر وفيه أن التفسير من قول ابن عمر ، فالظاهر اختصاص العصر بذلك ، وسيأتي تقريره في الكلام على الحديث الذي بعده . ومما يدل على أن المراد بتفويتها إخراجها عن وقتها ما وقع في رواية عبد الرزاق فإنه أخرج هذا الحديث عن nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن نافع فذكر نحوه وزاد " قلت لنافع : حين تغيب الشمس ؟ قال : نعم " وتفسير الراوي إذا كان فقيها أولى من غيره ، لكن روى أبو داود عن الأوزاعي أنه قال في هذا الحديث " وفواتها أن تدخل الشمس صفرة " ولعله مبني على مذهبه في خروج وقت العصر . ونقل عن ابن وهب أن المراد إخراجها عن الوقت المختار . وقال المهلب ومن تبعه من الشراح : إنما أراد فواتها في الجماعة لا فواتها باصفرار الشمس أو بمغيبها . قال : ولو كان لفوات وقتها كله لبطل اختصاص العصر ، لأن ذهاب الوقت موجود في كل صلاة ونوقض بعين ما ادعاه ، لأن فوات الجماعة موجود في كل صلاة لكن في صدر كلامه أن العصر اختصت بذلك لاجتماع المتعاقبين من الملائكة فيها ، وتعقبه ابن المنير بأن الفجر أيضا فيها اجتماع المتعاقبين فلا يختص العصر بذلك ، قال : والحق أن الله تعالى يختص ما شاء من الصلوات بما شاء من الفضيلة . انتهى .
وبوب الترمذي على حديث الباب " ما جاء في السهو عن وقت العصر " فحمله على الساهي ، وعلى هذا فالمراد بالحديث أنه يلحقه من الأسف عند معاينة الثواب لمن صلى ما يلحق من ذهب منه أهله وماله ، وقد روي بمعنى ذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=15959سالم بن عبد الله بن عمر ، ويؤخذ منه التنبيه على أن أسف العامد أشد ، لاجتماع فقد الثواب وحصول الإثم . قال nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : في هذا الحديث إشارة إلى تحقير الدنيا وأن قليل العمل خير من كثير منها . وقال ابن بطال : لا يوجد حديث يقوم مقام هذا الحديث ، لأن الله تعالى قال حافظوا على الصلوات وقال : ولا يوجد حديث فيه تكييف المحافظة غير هذا الحديث .