قوله : ( باب الدعاء برفع الوباء والحمى ) الوباء يهمز ولا يهمز ، وجمع المقصور بلا همز أوبية ، وجمع المهموز أوباء ، يقال أوبأت الأرض فهي مؤبئة ووبئت فهي وبئة ، ووبئت بضم الواو فهي موبوءة ، قال عياض : الوباء عموم الأمراض ، وقد أطلق بعضهم على الطاعون أنه وباء لأنه من أفراده ، لكن ليس كل وباء طاعونا ، وعلى ذلك يحمل قول الداودي لما ذكر الطاعون : الصحيح أنه الوباء ، وكذا جاء عن الخليل بن أحمد أن الطاعون هو الوباء ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12569ابن الأثير في النهاية : الطاعون المرض العام ، والوباء الذي يفسد له الهواء فتفسد به الأمزجة والأبدان . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13251ابن سيناء : الوباء ينشأ عن فساد جوهر الهواء الذي هو مادة الروح ومدده . قلت : ويفارق الطاعون الوباء بخصوص سببه الذي ليس هو في شيء من الأوباء ، وهو كونه من طعن الجن كما سأذكره مبينا في " باب ما يذكر من الطاعون " من كتاب الطب إن شاء الله - تعالى - .
وساق المصنف في الباب حديث عائشة " nindex.php?page=hadith&LINKID=847675لما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة وعك أبو بكر وبلال " ووقع فيه ذكر الحمى ولم يقع في سياقه لفظ الوباء ، لكنه ترجم بذلك إشارة إلى ما وقع في بعض طرقه ، وهو ما سبق في أواخر الحج من طريق أبي أسامة عن nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة في حديث الباب " قالت عائشة : فقدمنا المدينة وهي أوبأ أرض الله " وهذا مما يؤيد أن الوباء أعم من الطاعون ، فإن وباء [ ص: 139 ] المدينة ما كان إلا بالحمى كما هو مبين في حديث الباب ، فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ينقل حماها إلى الجحفة ، وقد سبق شرح الحديث في " باب مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة " في أوائل كتاب المغازي ، ويأتي شيء مما يتعلق به في كتاب الدعوات إن شاء الله - تعالى - . وقد استشكل بعض الناس الدعاء برفع الوباء لأنه يتضمن الدعاء برفع الموت والموت حتم مقضي فيكون ذلك عبثا ، وأجيب بأن ذلك لا ينافي التعبد بالدعاء لأنه قد يكون من جملة الأسباب في طول العمر أو رفع المرض ، وقد تواترت الأحاديث بالاستعاذة من الجنون والجذام وسيئ الأسقام ومنكرات الأخلاق والأهواء والأدواء ، فمن ينكر التداوي بالدعاء يلزمه أن ينكر التداوي بالعقاقير ولم يقل بذلك إلا شذوذ ، والأحاديث الصحيحة ترد عليهم ، وفي الالتجاء إلى الدعاء مزيد فائدة ليست في التداوي بغيره ، لما فيه من الخضوع والتذلل للرب سبحانه ، بل منع الدعاء من جنس ترك الأعمال الصالحة اتكالا على ما قدر ، فيلزم ترك العمل جملة ، ورد البلاء بالدعاء كرد السهم بالترس ، وليس من شرط الإيمان بالقدر أن لا يتترس من رمي السهم ، والله أعلم .
( خاتمة ) :
اشتمل كتاب المرضى من الأحاديث المرفوعة على ثمانية وأربعين حديثا ، المعلق منها سبعة والبقية موصولة ، المكرر منها فيه وفيما مضى أربعة وثلاثون طريقا والبقية خالصة ، وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة nindex.php?page=hadith&LINKID=847676من يرد الله به خيرا يصب منه وحديث عطاء أنه رأى أم زفر ، وحديث أنس في الحبيبتين ، وحديث عائشة أنها " قالت وارأساه - إلى قوله - بل أنا وارأساه فقط . وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم ثلاثة آثار ، والله أعلم .