قوله : ( باب العين حق ) أي الإصابة بالعين شيء ثابت موجود ، أو هو من جملة ما تحقق كونه . قال المازري : أخذ الجمهور بظاهر الحديث ، وأنكره طوائف المبتدعة لغير معنى ، لأن كل شيء ليس محالا في [ ص: 214 ] نفسه ولا يؤدي إلى قلب حقيقة ولا إفساد دليل ، فهو من متجاوزات العقول ، فإذا أخبر الشرع بوقوعه لم يكن لإنكاره معنى ، وهل من فرق بين إنكارهم هذا وإنكارهم ما يخبر به من أمورالأخرة .
الأول : اقتصر النووي في " الأذكار " على قوله : الاستغسال أن يقال للعائن : اغسل داخلة إزارك مما يلي الجلد ، فإذا فعل صبه على المنظور إليه . وهذا يوهم الاقتصار على ذلك ، وهو عجيب ، ولا سيما وقد نقل في " شرح مسلم " كلام عياض بطوله . الثاني : قال المازري هذا المعنى مما لا يمكن تعليله ومعرفة وجهه من جهة العقل ، فلا يرد لكونه لا يعقل معناه . وقال nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : إن توقف فيه متشرع قلنا له : قل الله ورسوله أعلم ، وقد عضدته التجربة وصدقته المعاينة . أو متفلسف فالرد عليه أظهر لأن عنده أن الأدوية تفعل بقواها ، وقد تفعل بمعنى لا يدرك ، ويسمون ما هذا سبيله الخواص ، وقال ابن القيم : هذه الكيفية لا ينتفع بها من أنكرها ولا من سخر منها ولا من شك فيها أو فعلها مجربا غير معتقد ، وإذا كان في الطبيعة خواص لا يعرف الأطباء عللها بل هي عندهم خارجة عن القياس وإنما تفعل بالخاصية فما الذي تنكر جهلتهم من الخواص الشرعية ؟ هذا مع أن في المعالجة بالاغتسال مناسبة لا تأباها العقول الصحيحة ، فهذا ترياق سم الحية يؤخذ من لحمها ، وهذا علاج النفس الغضبية توضع اليد على بدن الغضبان فيسكن ، فكان أثر تلك العين كشعلة نار وقعت على جسد ، ففي الاغتسال إطفاء لتلك الشعلة . ثم لما كانت هذه الكيفية الخبيثة تظهر في المواضع الرقيقة من الجسد لشدة النفوذ فيها ، ولا شيء أرق من المغابن ، فكان في غسلها إبطال لعملها ، ولا سيما أن للأرواح الشيطانية في تلك المواضع اختصاصا . وفيه أيضا وصول أثر الغسل إلى القلب من أرق المواضع وأسرعها نفاذا ، فتنطفئ تلك النار التي أثارتها العين بهذا الماء . الثالث : هذا الغسل ينفع بعد استحكام النظرة ، فأما عند الإصابة وقبل الاستحكام فقد أرشد الشارع إلى ما يدفعه بقوله في قصة سهل بن حنيف المذكورة كما مضى " ألا بركت عليه " وفي رواية ابن ماجه " فليدع بالبركة " ومثله عند nindex.php?page=showalam&ids=12769ابن السني من حديث عامر بن ربيعة ، وأخرج البزار nindex.php?page=showalam&ids=12769وابن السني من حديث أنس رفعه " nindex.php?page=hadith&LINKID=842331من رأى شيئا فأعجبه فقال : ما شاء الله لا قوة إلا بالله ، لم يضره " . وفي الحديث من الفوائد أيضا أن العائن إذا عرف يقضى عليه بالاغتسال ، وأن الاغتسال من النشرة النافعة ، وأن العين تكون مع الإعجاب ولو بغير حسد ، ولو من الرجل المحب ، ومن الرجل الصالح ، وأن الذي يعجبه الشيء ينبغي أن يبادر إلى الدعاء للذي يعجبه بالبركة ، ويكون ذلك رقية منه ، وأن الماء المستعمل طاهر ، وفيه جواز الاغتسال بالفضاء ، وأن الإصابة بالعين قد تقتل . وقد اختلف في جريان القصاص بذلك فقال القرطبي : لو أتلف العائن شيئا ضمنه ، ولو قتل فعليه القصاص أو الدية إذا تكرر ذلك منه بحيث يصير عادة ، وهو في ذلك كالساحر [ ص: 216 ] عند من لا يقتله كفرا ، انتهى . ولم يتعرض الشافعية للقصاص في ذلك ، بل منعوه وقالوا : إنه لا يقتل غالبا ولا يعد مهلكا . وقال النووي في " الروضة : ولا دية فيه ولا كفارة . لأن الحكم إنما يترتب على منضبط عام دون ما يختص ببعض الناس في بعض الأحوال مما لا انضباط له ، كيف ولم يقع منه فعل أصلا ، وإنما غايته حسد وتمن لزوال نعمة . وأيضا فالذي ينشأ عن الإصابة بالعين حصول مكروه لذلك الشخص ، ولا يتعين ذلك المكروه في زوال الحياة ، فقد يحصل له مكروه بغير ذلك من أثر العين ا هـ . ولا يعكر على ذلك إلا الحكم بقتل الساحر فإنه في معناه ، والفرق بينهما فيه عسر . ونقل ابن بطال عن بعض أهل العلم فإنه ينبغي للإمام منع العائن إذا عرف بذلك من مداخلة الناس وأن يلزم بيته ، فإن كان فقيرا رزقه ما يقوم به ، فإن ضرره أشد من ضرر المجذوم الذي أمر عمر - رضي الله عنه - بمنعه من مخالطة الناس كما تقدم واضحا في بابه ، وأشد من ضرر الثوم الذي منع الشارع آكله من حضور الجماعة . قال النووي : وهذا القول صحيح متعين لا يعرف عن غيره تصريح بخلافه .