[ ص: 227 ] قوله : ( باب الكهانة ) وقع في ابن بطال هنا " والسحر " وليس هو في نسخ الصحيح فيما وقفت عليه ، بل ترجمة السحر في باب مفرد عقب هذه ، والكهانة - بفتح الكاف ويجوز كسرها - ادعاء علم الغيب كالإخبار بما سيقع في الأرض مع الاستناد إلى سبب ، والأصل فيها استراق السمع من كلام الملائكة ، فيلقيه في أذن الكاهن . والكاهن لفظ يطلق على العراف ، والذي يضرب بالحصى ، والمنجم ، ويطلق على من يقوم بأمر آخر ويسعى في قضاء حوائجه . وقال في " المحكم " : الكاهن القاضي بالغيب . وقال في " الجامع " : العرب تسمي كل من أذن بشيء قبل وقوعه كاهنا . وقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : الكهنة قوم لهم أذهان حادة ونفوس شريرة وطباع نارية ، فألفتهم الشياطين لما بينهم من التناسب في هذه الأمور ، وساعدتهم بكل ما تصل قدرتهم إليه . وكانت الكهانة في الجاهلية فاشية خصوصا في العرب لانقطاع النبوة فيهم . وهي على أصناف : منها ما يتلقونه من الجن ، فإن الجن كانوا يصعدون إلى جهة السماء فيركب بعضهم بعضا إلى أن يدنو الأعلى بحيث يسمع الكلام فيلقيه إلى الذي يليه ، إلى أن يتلقاه من يلقيه في أذن الكاهن فيزيد فيه ، فلما جاء الإسلام ونزل القرآن حرست السماء من الشياطين ، وأرسلت عليهم الشهب ، فبقي من استراقهم ما يتخطفه الأعلى فيلقيه إلى الأسفل قبل أن يصيبه الشهاب ، إلى ذلك الإشارة بقوله - تعالى - إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب . وكانت إصابة الكهان قبل الإسلام كثيرة جدا كما جاء في أخبار شق وسطيح ونحوهما ، وأما في الإسلام فقد ندر ذلك جدا حتى كاد يضمحل ولله الحمد . ثانيها ما يخبر الجني به من يواليه بما غاب عن غيره مما لا يطلع عليه الإنسان غالبا ، أو يطلع عليه من قرب منه لا من بعد . ثالثها ما يستند إلى ظن وتخمين وحدس ، وهذا قد يجعل الله فيه لبعض الناس قوة مع كثرة الكذب فيه . رابعها ما يستند إلى التجربة والعادة ، فيستدل على الحادث بما وقع قبل ذلك ، ومن هذا القسم الأخير ما يضاهي السحر ، وقد يعتضد بعضهم في ذلك بالزجر والطرق والنجوم ، وكل ذلك مذموم شرعا . وورد في ذم الكهانة ما أخرجه أصحاب السنن وصححه nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رفعه nindex.php?page=hadith&LINKID=842355 " من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد " وله شاهد من حديث جابر nindex.php?page=showalam&ids=40وعمران بن حصين أخرجهما البزار بسندين جيدين ولفظهما " من أتى كاهنا " وأخرجه مسلم من حديث امرأة من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 228 ] ومن الرواة من سماها حفصة - بلفظ " من أتى عرافا " وأخرجه أبو يعلى من حديث ابن مسعود بسند جيد ، لكن لم يصرح برفعه ، ومثله لا يقال بالرأي ، ولفظه " من أتى عرافا أو ساحرا أو كاهنا " واتفقت ألفاظهم على الوعيد بلفظ حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، إلا حديث مسلم فقال فيه " لم يقبل لهما صلاة أربعين يوما " . ووقع عند nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني من حديث أنس بسند لين مرفوعا بلفظ " nindex.php?page=hadith&LINKID=842356من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد برئ مما أنزل على محمد ، ومن أتاه غير مصدق له لم تقبل صلاته أربعين يوما " والأحاديث الأول مع صحتها وكثرتها أولى من هذا ، والوعيد جاء تارة بعدم قبول الصلاة وتارة بالتكفير ، فيحمل على حالين من الآتي أشار إلى ذلك القرطبي . والعراف بفتح المهملة وتشديد الراء من يستخرج الوقوف على المغيبات بضرب من فعل أو قول . ثم ذكر المصنف ثلاثة أحاديث : أحدها حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة .
قوله : ( عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ) وساقه بطوله ، كذا قال عبد الرحمن بن خالد بن مسافر من رواية الليث عنه عن ابن شهاب ، وفصل مالك عن ابن شهاب قصة ولي المرأة فجعله من رواية ابن شهاب عن nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب مرسلا كما بينه المصنف في الطريق التي تلي طريق ابن مسافر هذه ، وقد روى الليث عن ابن شهاب أصل الحديث بدون الزيادة عن nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة موصولا كما سيأتي في الديات ، وكذا أخرج هناك طريق يونس عن ابن شهاب عن أبي سلمة وسعيد معا عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة بأصل الحديث دون الزيادة ، ويأتي شرح ما يتعلق بالجنين والغرة هناك إن شاء الله - تعالى - .
قوله : ( فقال ولي المرأة ) هو حمل بفتح المهملة والميم الخفيفة ابن مالك ابن النابغة الهذلي ، بينه مسلم من طريق يونس عن ابن شهاب عن ابن المسيب وأبي سلمة معا عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، وكنية حمل المذكور أبو نضلة ، وهو صحابي نزل البصرة . وفي رواية مالك " فقال الذي قضي عليه " أي قضي على من هي منه بسبيل ، وفي رواية الليث عن ابن شهاب المذكورة أن المرأة من بني لحيان ، وبنو لحيان حي من هذيل ، وجاء تسمية الضرتين فيما أخرج أحمد من طريق عمرو بن تميم بن عويم عن أبيه عن جده قال " nindex.php?page=hadith&LINKID=842357كانت أختي مليكة وامرأة منا يقال لها أم عفيف بنت مسروح تحت حمل بن مالك بن النابغة ، فضربت أم عفيف مليكة بمسطح " الحديث ، لكن قال فيه " nindex.php?page=hadith&LINKID=842358فقال العلاء بن مسروح : يا رسول الله ، أنغرم من لا شرب ولا أكل " الحديث ، وفي آخره " nindex.php?page=hadith&LINKID=842359أسجع كسجع الجاهلية " ويجمع بينهما بأن كلا من زوج المرأة وهو حمل وأخيها وهو العلاء قال ذلك تواردا معا عليه ، لما تقرر عندهما أن الذي يودى هو الذي يخرج حيا ، وأما السقط فلا يودى ، فأبطل الشرع ذلك وجعل فيه غرة ، وسيأتي بيانه في كتاب الديات إن شاء الله - - تعالى - . ووقع في رواية nindex.php?page=showalam&ids=14687للطبراني أيضا أن الذي قال ذلك عمران بن عويم ، فلعلها قصة أخرى . وأم عفيف بمهملة وفاءين وزن عظيم ، ووقع في المبهمات للخطيب ، وأصله عند أبي داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي من طريق سماك عن عكرمة عن ابن عباس أنها أم غطيف بغين ثم طاء مهملة مصغرا ، فالله أعلم .
قوله : ( كيف أغرم يا رسول الله من لا شرب ولا أكل ) في رواية مالك " من لا أكل ولا شرب " والأول أولى لمناسبة السجع . ووقع في رواية الكشميهني في رواية مالك " ما لا " بدل " من لا " وهذا هو الذي في " الموطأ " . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13042أبو عثمان بن جني : معنى قوله لا أكل أي لم يأكل ، أقام الفعل الماضي مقام المضارع .
قوله : ( فمثل ذلك يطل ) للأكثر بضم المثناة التحتانية وفتح الطاء المهملة وتشديد اللام أي يهدر ، يقال دم فلان هدر إذا ترك الطلب بثأره ، وطل الدم بضم الطاء وبفتحها أيضا ، وحكي " أطل " ولم يعرفه الأصمعي : ووقع للكشميهني في رواية ابن مسافر " بطل " بفتح الموحدة والتخفيف من البطلان كذا رأيته في نسخة [ ص: 229 ] معتمدة من رواية أبي ذر ، وزعم عياض أنه وقع هنا للجميع بالموحدة ، قال : وبالوجهين في الموطأ ، وقد رجح nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي أنه من البطلان ، وأنكره ابن بطال فقال : كذا يقوله أهل الحديث ، وإنما هو طل الدم إذا هدر . قلت : وليس لإنكاره معنى بعد ثبوت الرواية ، وهو موجه ، راجع إلى معنى الرواية الأخرى .
قوله : ( إنما هذا من إخوان الكهان ) أي لمشابهة كلامه كلامهم ، زاد مسلم nindex.php?page=showalam&ids=13779والإسماعيلي من رواية يونس " من أجل سجعه الذي سجع " قال القرطبي : هو من تفسير الراوي ، وقد ورد مستند ذلك فيما أخرجه مسلم في حديث المغيرة بن شعبة " فقال رجل من عصبة القاتلة يغرم " فذكر نحوه وفيه " فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسجع كسجع الأعراب " ؟ والسجع هو تناسب آخر الكلمات لفظا ، وأصله الاستواء ، وفي الاصطلاح الكلام المقفى والجمع أسجاع وأساجيع ، قال ابن بطال : فيه ذم الكفار وذم من تشبه بهم في ألفاظهم ، وإنما لم يعاقبه لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان مأمورا بالصفح عن الجاهلين ، وقد تمسك به من كره السجع في الكلام ، وليس على إطلاقه ، بل المكروه منه ما يقع مع التكلف في معرض مدافعة الحق ، وأما ما يقع عفوا بلا تكلف في الأمور المباحة فجائز ، وعلى ذلك يحمل ما ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - ، وسيأتي مزيد لذلك في كتاب الدعوات . والحاصل أنه إن جمع الأمرين من التكلف وإبطال الحق كان مذموما ، وإن اقتصر على أحدهما كان أخف في الذم ، ويخرج من ذلك تقسيمه إلى أربعة أنواع : فالمحمود ما جاء عفوا في حق ، ودونه ما يقع متكلفا في حق أيضا ، والمذموم عكسهما . وفي الحديث من الفوائد أيضا رفع الجناية للحاكم ، ووجوب الدية في الجنين ولو خرج ميتا كما سيأتي تقريره في كتاب الديات مع استيفاء فوائده .