[ ص: 261 ] قوله : ( باب إذا وقع الذباب في الإناء ) الذباب بضم المعجمة وموحدتين وتخفيف ، قال أبو هلال العسكري : الذباب واحد والجمع ذبان كغربان ، والعامة تقول ذباب للجمع وللواحد ذبابة بوزن قرادة ، وهو خطأ ، وكذا قال nindex.php?page=showalam&ids=11971أبو حاتم السجستاني إنه خطأ ، وقال الجوهري : الذباب واحدة ذبابة ولا تقل ذبانة ، ونقل في " المحكم " عن أبي عبيدة عن خلف الأحمر تجويز ما زعم العسكري أنه خطأ ، وحكى nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه في الجمع ذب . وقرأته بخط البحتري مضبوطا بضم أوله والتشديد .
قوله : ( عن عتبة بن مسلم مولى بني تميم ) هو مدني ، وأبوه يكنى أبا عتبة ، وما لعتبة في nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري سوى هذا الموضع .
قوله : ( عن عبيد بن حنين ) مضى في بدء الخلق من طريق nindex.php?page=showalam&ids=16036سليمان بن بلال عن عتبة بن مسلم " أخبرني عبيد بن حنين " وهو بالمهملة والنونين مصغرا وكنيته أبو عبد الله .
قوله : ( مولى بني زريق ) بزاي ثم راء ثم قاف مصغرا ، وحكى الكلاباذي أنه مولى nindex.php?page=showalam&ids=3161زيد بن الخطاب ; وعن ابن عيينة أنه مولى العباس ، وهو خطأ كأنه ظن أنه أخو nindex.php?page=showalam&ids=16428عبد الله بن حنين وليس كذلك ، وما لعبيد أيضا في nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري سوى هذا الحديث قوله : ( إذا وقع الذباب ) قيل سمي ذبابا لكثرة حركته واضطرابه ، وقد أخرج أبو يعلى عن ابن عمر مرفوعا nindex.php?page=hadith&LINKID=842436عمر الذباب أربعون ليلة ، والذباب كله في النار إلا النحل وسنده لا بأس به ، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13357ابن عدي دون أوله من وجه آخر ضعيف ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13974الجاحظ : كونه في النار ليس تعذيبا له ، بل ليعذب أهل النار به . قال الجوهري : يقال إنه ليس شيء من الطيور يلغ إلا الذباب . وقال أفلاطون : الذباب أحرص الأشياء ، حتى إنه يلقي نفسه في كل شيء ولو كان فيه هلاكه . ويتولد من العفونة . ولا جفن للذبابة لصغر حدقتها ، والجفن يصقل الحدقة ، فالذبابة تصقل بيديها فلا تزال تمسح عينيها . ومن عجيب أمره أن رجيعه يقع على الثوب الأسود أبيض وبالعكس . وأكثر ما يظهر في أماكن العفونة ، ومبدأ خلقه منها ثم من التوالد . وهو من أكثر الطيور سفادا ، ربما بقي عامة اليوم على الأنثى . ويحكى أن بعض الخلفاء سأل nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : لأي علة خلق الذباب ؟ فقال : مذلة للملوك . وكانت ألحت عليه ذبابة ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : سألني ولم يكن عندي جواب فاستنبطته من الهيئة الحاصلة . وقال أبو محمد المالقي : ذباب الناس يتولد من الزبل . وإن أخذ الذباب الكبير فقطعت رأسها وحك بجسدها الشعرة التي في الجفن حكا شديدا أبرأته وكذا داء الثعلب . وإن مسح لسعة الزنبور بالذباب سكن الوجع .
قوله : ( في إناء أحدكم ) تقدم في بدء الخلق بلفظ شراب ووقع في حديث أبي سعيد عند nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه وصححه nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان إذا وقع في الطعام والتعبير بالإناء أشمل ، وكذا وقع في حديث أنس عند البزار .
قوله : ( فليغمسه كله ) أمر إرشاد لمقابلة الداء بالدواء . وفي قوله : كله رفع توهم المجاز في الاكتفاء بغمس بعضه .
قوله : ( فإن في إحدى جناحيه ) في رواية أبي داود فإن في أحد والجناح يذكر ويؤنث وقيل : أنث باعتبار اليد ، وجزم الصغاني بأنه لا يؤنث وصوب رواية أحد وحقيقته للطائر ، ويقال لغيره على سبيل المجاز كما في قوله : واخفض لهما جناح الذل ووقع في رواية أبي داود وصححه nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان من طريق سعيد المقبري عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، وأنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء ، ولم يقع لي في شيء من الطرق تعيين الجناح الذي فيه الشفاء من غيره ، لكن ذكر بعض العلماء أنه تأمله فوجده يتقي بجناحه الأيسر فعرف أن الأيمن هو الذي فيه الشفاء ، والمناسبة في ذلك ظاهرة . وفي حديث أبي سعيد المذكور أنه يقدم السم ويؤخر الشفاء . ويستفاد من هذه الرواية تفسير الداء الواقع في حديث الباب وأن المراد به السم فيستغنى عن التخريج الذي تكلفه بعض الشراح فقال : إن في اللفظ مجازا وهو كون الداء في أحد الجناحين ، فهو إما من مجاز الحذف والتقدير فإن في جناحيه سبب داء ، إما مبالغة بأن يجعل كل الداء في أحد جناحيه لما كان سببا له . وقال آخر يحتمل أن يكون الداء ما يعرض في نفس المرء من التكبر عن أكله حتى ربما كان سببا لترك ذلك الطعام وإتلافه ، والدواء ما يحصل من قمع النفس وحملها على التواضع .
قوله : ( وفي الآخر شفاء ) في رواية أبي ذر وفي الأخرى وفي نسخة والأخرى بحذف حرف الجر ، وكذا وقع في رواية nindex.php?page=showalam&ids=16036سليمان بن بلال nindex.php?page=hadith&LINKID=842438في إحدى جناحيه داء والآخر شفاء واستدل به لمن يجيز العطف على معمولي عاملين كالأخفش ، وعلى هذا فيقرأ بخفض الآخر وبنصب شفاء فعطف الآخر على الأحد وعطف شفاء على داء ، والعامل في إحدى حرف في ، والعامل في داء إن ، وهما عاملان في الآخر وشفاء ، nindex.php?page=showalam&ids=16076وسيبويه لا يجيز ذلك ويقول : إن حرف الجر حذف وبقي العمل وقد وقع صريحا في الرواية الأخرى nindex.php?page=hadith&LINKID=842439وفي الأخرى شفاء ويجوز رفع شفاء على الاستئناف . واستدل بهذا الحديث على أن الماء القليل لا ينجس بوقوع ما لا نفس له سائلة فيه ووجه الاستدلال - كما رواه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - أنه - صلى الله عليه وسلم - لا يأمر بغمس ما ينجس الماء إذا مات فيه لأن ذلك إفساد . وقال بعض من خالف في ذلك : لا يلزم من غمس الذباب موته فقد يغمسه برفق فلا يموت ، والحي لا ينجس ما يقع فيه كما صرح البغوي باستنباطه من هذا الحديث . وقال أبو الطيب الطبري : لم يقصد النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا الحديث بيان النجاسة والطهارة ، وإنما قصد بيان التداوي من ضرر الذباب ، وكذا لم يقصد بالنهي عن الصلاة في معاطن الإبل والإذن في مراح الغنم طهارة ولا نجاسة وإنما أشار إلى أن الخشوع لا يوجد مع الإبل دون الغنم . قلت : وهو كلام صحيح ، إلا أنه لا يمنع أن يستنبط منه حكم آخر ، فإن الأمر بغمسه يتناول صورا منها أن يغمسه محترزا عن موته كما هو المدعى هنا ، وأن لا يحترز بل يغمسه سواء مات أو لم يمت . ويتناول ما لو كان الطعام حارا فإن الغالب أنه في هذه الصورة يموت بخلاف الطعام البارد ، فلما لم يقع التقييد حمل على العموم ، لكن فيه نظر لأنه مطلق يصدق بصورة فإذا قام الدليل على صورة معينة حمل عليها . واستشكل ابن دقيق العيد إلحاق غير الذباب به في الحكم المذكور بطريق آخر فقال : ورد النص في الذباب فعدوه إلى كل ما لا نفس له سائلة ، وفيه نظر ، لجواز أن تكون العلة في الذباب قاصرة وهي عموم البلوى ، وهذه مستنبطة . أو التعليل بأن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء ، وهذه منصوصة ، [ ص: 263 ] وهذان المعنيان لا يوجدان في غيره فيبعد كون العلة مجرد كونه لا دم له سائل ، بل الذي يظهر أنه جزء علة لا علة كاملة انتهى . وقد رجح جماعة من المتأخرين أن ما يعم وقوعه في الماء كالذباب والبعوض لا ينجس الماء ، وما لا يعم كالعقارب ينجس ، وهو قوي . وقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : تكلم على هذا الحديث من لا خلاق له فقال : كيف يجتمع الشفاء والداء في جناحي الذباب ، وكيف يعلم ذلك من نفسه حتى يقدم جناح الشفاء ، وما ألجأه إلى ذلك ؟ قال : وهذا سؤال جاهل أو متجاهل ، فإن كثيرا من الحيوان قد جمع الصفات المتضادة . وقد ألف الله بينها وقهرها على الاجتماع وجعل منها قوى الحيوان ، وإن الذي ألهم النحلة اتخاذ البيت العجيب الصنعة للتعسيل فيه ، وألهم النملة أن تدخر قوتها أوان حاجتها ، وأن تكسر الحبة نصفين لئلا تستنبت ، لقادر على إلهام الذبابة أن تقدم جناحا وتؤخر آخر . وقال nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي : ما نقل عن هذا القائل ليس بعجيب ، فإن النحلة تعسل من أعلاها وتلقي السم من أسفلها ، والحية القاتل سمها تدخل لحومها في الترياق الذي يعالج به السم ، والذبابة تسحق مع الإثمد لجلاء البصر . وذكر بعض حذاق الأطباء أن في الذباب قوة سمية يدل عليها الورم والحكة العارضة عن لسعه ، وهي بمنزلة السلاح له ، فإذا سقط الذباب فيما يؤذيه تلقاه بسلاحه ، فأمر الشارع أن يقابل تلك السمية بما أودعه الله - تعالى - في الجناح الآخر من الشفاء فتتقابل المادتان فيزول الضرر بإذن الله - تعالى - . واستدل بقوله : ثم لينزعه على أنها تنجس بالموت كما هو أصح القولين nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي ، والقول الآخر كقول أبي حنيفة ، أنها لا تنجس ، والله أعلم .
( خاتمة ) :
اشتمل كتاب الطب من الأحاديث المرفوعة على مائة حديث وثمانية عشر حديثا ، المعلق منها ثمانية عشر طريقا والبقية موصولة ، المكرر منها فيه وفيما مضى خمسة وثمانون طريقا والخالص ثلاثة وثلاثون ، وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة في نزول الداء والشفاء ، وحديث ابن عباس الشفاء في ثلاث ، وحديث عائشة في الحبة السوداء ، وحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة nindex.php?page=hadith&LINKID=840433فر من المجذوم وحديث أنس " nindex.php?page=hadith&LINKID=842440رخص لأهل بيت في الرقية " وحديثه أن أبا طلحة كواه ، وحديث عائشة في الصبر على الطاعون ، وحديث أنس nindex.php?page=hadith&LINKID=842441اشف وأنت الشافي وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم ستة عشر أثرا ، والله سبحانه و - تعالى - أعلم بالصواب .