قوله : ( ( باب من كره أن يقال للمغرب العشاء ) قال الزين بن المنير : عدل المصنف عن الجزم كأن يقول باب كراهية كذا لأن لفظ الخبر لا يقتضي نهيا مطلقا ، لكن فيه النهي عن غلبة الأعراب على ذلك ، فكأن المصنف رأى أن هذا القدر لا يقتضي المنع من إطلاق العشاء عليه أحيانا ، بل يجوز أن يطلق على وجه لا يترك له التسمية الأخرى كما ترك ذلك الأعراب وقوفا مع عادتهم ، قال : وإنما شرع لها التسمية بالمغرب لأنه اسم يشعر بمسماها أو بابتداء وقتها ، وكره إطلاق اسم العشاء عليها لئلا يقع الالتباس بالصلاة الأخرى ، وعلى هذا لا يكره أيضا أن تسمى العشاء بقيد كأن يقول العشاء الأولى ، ويؤيده قولهم العشاء الآخرة كما ثبت في الصحيح ، وسيأتي من حديث أنس في الباب الذي يليه ، ونقل ابن بطال عن غيره أنه لا يقال للمغرب العشاء الأولى ويحتاج إلى دليل خاص ، أما من حديث الباب فلا حجة له .
قوله : ( عبد الوارث ) هو ابن سعيد التنوري ، وقوله : ( ( عن الحسين ) هو المعلم .
قوله : ( ( حدثني عبد الله المزني ) كذا للأكثر لم يذكر اسم أبيه ، زاد في رواية كريمة هو ابن مغفل بالغين المعجمة والفاء المشددة ، وكذلك وقع منسوبا بذكر أبيه في رواية عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه عند nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي وغيره ، والإسناد كله بصريون .
قوله : ( ( لا تغلبنكم ) قال الطيبي : يقال غلبه على كذا غصبه منه أو أخذه منه قهرا ، والمعنى لا تتعرضوا لما هو من عادتهم من تسمية المغرب بالعشاء والعشاء بالعتمة فيغصب منكم الأعراب اسم العشاء التي سماها الله بها . قال : فالنهي على الظاهر للأعراب وعلى الحقيقة لهم . وقال غيره : معنى الغلبة أنكم تسمونها اسما وهم يسمونها اسما ، فإن سميتموها بالاسم الذي يسمونها به وافقتموهم ، وإذا وافق الخصم خصمه صار كأنه انقطع له حتى غلبه ، ولا يحتاج إلى تقدير غصب ولا أخذ . وقال التوربشتي : المعنى لا تطلقوا هذا الاسم على ما هو متداول بينهم فيغلب مصطلحهم على الاسم الذي شرعته لكم . وقال القرطبي : الأعراب من كان من أهل البادية وإن لم يكن عربيا ، والعربي من ينتسب إلى العرب ولو لم يسكن البادية .
قوله : ( ( على اسم صلاتكم ) التعبير بالاسم يبعد قول الأزهري أن المراد بالنهي عن ذلك أن لا تؤخر صلاتها عن وقت الغروب ، وكذا قول ابن المنير : السر في النهي سد الذريعة لئلا تسمى عشاء فيظن امتداد [ ص: 53 ] وقتها عن غروب الشمس أخذا من لفظ العشاء اهـ . وكأنه أراد تقوية مذهبه في أن وقت المغرب مضيق ، وفيه نظر ، إذ لا يلزم من تسميتها المغرب أن يكون وقتها مضيقا ، فإن الظهر سميت بذلك لأن ابتداء وقتها عند الظهيرة وليس وقتها مضيقا بلا خلاف .
قوله : ( ( قال وتقول الأعراب هي العشاء ) سر النهي عن موافقتهم على ذلك أن لفظ العشاء لغة هو أول ظلام الليل ، وذلك من غيبوبة الشفق ، فلو قيل للمغرب عشاء لأدى إلى أن أول وقتها غيبوبة الشفق ، وقد جزم الكرماني بأن فاعل قال هو عبد الله المزني راوي الحديث ، ويحتاج إلى نقل خاص لذلك وإلا فظاهر إيراد nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي أنه من تتمة الحديث ، فإنه أورده بلفظ " فإن الأعراب تسميها " والأصل في مثل هذا أن يكون كلاما واحدا حتى يقوم دليل على إدراجه .
( فائدة : لا يتناول النهي تسمية المغرب عشاء على سبيل التغليب كمن قال مثلا : صليت العشاءين ، إذا قلنا إن حكمة النهي عن تسميتها عشاء خوف اللبس لزوال اللبس في الصيغة المذكورة ، والله أعلم .
( تنبيه ) أورد nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي حديث الباب من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه واختلف عليه في لفظ المتن فقال هارون الحمال عنه كرواية nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري .
قلت : وكذلك رواه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل في مسنده nindex.php?page=showalam&ids=11997وأبو خيثمة زهير بن حرب عند أبي نعيم في مستخرجه وغير واحد عن عبد الصمد ، وكذلك رواه nindex.php?page=showalam&ids=13113ابن خزيمة في صحيحه عن عبد الوارث بن عبد الصمد عن أبيه اهـ . وقال أبو مسعود الرازي عن عبد الصمد nindex.php?page=hadith&LINKID=842042لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم فإن الأعراب تسميها عتمة قلت : وكذلك رواه nindex.php?page=showalam&ids=16628علي بن عبد العزيز البغوي عن أبي معمر شيخ nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري فيه أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني عنه ، وأخرجه أبو نعيم في مستخرجه عن nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني كذلك ، وجنح nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي إلى ترجيح رواية أبي مسعود لموافقته حديث ابن عمر - يعني الذي رواه مسلم - كما سنذكره في صدر الباب الذي يليه . والذي يتبين لي أنهما حديثان : أحدهما في المغرب ، والآخر في العشاء ، كانا جميعا عند عبد الوارث بسند واحد ، والله تعالى أعلم .