قوله : ( باب الوصاة بالجار ) بفتح الواو وتخفيف الصاد المهملة مع المد لغة في الوصية ، وكذا الوصاية بإبدال الهمزة ياء وهما بمعنى ، لكن الأول من أوصيت والثاني من وصيت .
( تنبيه ) : وقع في شرح شيخنا ابن الملقن هنا بسملة وبعدها كتاب البر والصلة ولم أر ذلك في شيء من الروايات التي اتصلت لنا ، ويؤيد ما عندنا أن أحاديث صلة الرحم تقدمت وأحاديث بر الوالدين قبلها والوصية بالجار وما يتعلق بها ذكرت هنا وتلاها باقي أبواب الأدب وقوله هنا بعد الباب : واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا يؤيد ذلك لأنه بوب على ترتيب ما في هذه الآية ، فبدأ ببر الوالدين وثنى بذي القربى وثلث بالجار وربع بالصاحب . ولم يقع ذلك أيضا في مستخرج nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي ولا أبي نعيم .
قوله : ( وقول الله - تعالى - : واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا الآية ) كذا لأبي ذر وللباقين بعد قوله : إحسانا إلى قوله : مختالا فخورا وللنسفي وقوله - تعالى - : وبالوالدين إحسانا الآية ، والمراد من هذه الآية هنا قوله - تعالى - : والجار ذي القربى والجار الجنب وثبت للنسفي البسملة قبل الباب وكأنه للانتقال إلى نوع غير الذي قبله ، ورأيت في شرح شيخنا سراج الدين بن الملقن كتاب البر والصلة ولم أره لغيره ، والجار القريب من بينهما قرابة والجار الجنب بخلافه وهذا قول الأكثر ، وأخرجه الطبري بسند حسن عن ابن عباس ، وقيل الجار القريب المسلم والجار الجنب غيره وأخرجه أيضا الطبري عن نوف البكالي أحد التابعين ، وقيل : الجار القريب المرأة والجنب الرفيق في السفر . ثم ذكر فيه حديثين :
[ ص: 456 ] الأول حديث عائشة .
قوله : ( nindex.php?page=showalam&ids=11949أبو بكر بن محمد ) أي ابن عمرو بن حزم ، nindex.php?page=showalam&ids=16693وعمرة هي أمه ، والسند كله كوفيون ، وفيه ثلاثة من التابعين في نسق ، وقد سمع nindex.php?page=showalam&ids=17314يحيى بن سعيد وهو الأنصاري من عمرة كثيرا وربما دخل بينهما واسطة مثل هذا ، وروايته عن أبي بكر المذكور من الأقران .
قوله : ( ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ) أي يأمر عن الله بتوريث الجار من جاره . واختلف في المراد بهذا التوريث فقيل : يجعل له مشاركة في المال بفرض سهم يعطاه مع الأقارب ، وقيل : المراد أن ينزل منزلة من يرث بالبر والصلة ، والأول أظهر فإن الثاني استمر ، والخبر مشعر بأن التوريث لم يقع . ويؤيده ما أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري من حديث جابر نحو حديث الباب بلفظ nindex.php?page=hadith&LINKID=846857حتى ظننت أنه يجعل له ميراثا وقال ابن أبي جمرة : الميراث على قسمين حسي ومعنوي ، فالحسي هو المراد هنا ، والمعنوي ميراث العلم ، ويمكن أن يلحظ هنا أيضا فإن حق الجار على الجار أن يعلمه ما يحتاج إليه والله أعلم . واسم الجار يشمل المسلم والكافر والعابد والفاسق والصديق والعدو والغريب والبلدي والنافع والضار والقريب والأجنبي والأقرب دارا والأبعد ، وله مراتب بعضها أعلى من بعض ، فأعلاها من اجتمعت فيه الصفات الأول كلها ثم أكثرها وهلم جرا إلى الواحد ، وعكسه من اجتمعت فيه الصفات الأخرى كذلك ، فيعطى كل حقه بحسب حاله ، وقد تتعارض صفتان فأكثر فيرجح أو يساوي ، وقد حمله عبد الله بن عمرو أحد من روى الحديث على العموم ، فأمر لما ذبحت له شاة أن يهدى منها لجاره اليهودي ، أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في " الأدب المفرد " nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي وحسنه ، وقد وردت الإشارة إلى ما ذكرته في حديث مرفوع أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني من حديث جابر رفعه nindex.php?page=hadith&LINKID=846858الجيران ثلاثة : جار له حق وهو المشرك له حق الجوار ، وجار له حقان وهو المسلم له حق الجوار وحق الإسلام ، وجار له ثلاثة حقوق مسلم له رحم له حق الجوار والإسلام والرحم قال القرطبي : الجار يطلق ويراد به الداخل في الجوار ، ويطلق ويراد به المجاور في الدار وهو الأغلب ، والذي يظهر أنه المراد به في الحديث الثاني ; لأن الأول كان يرث ويورث ، فإن كان هذا الخبر صدر قبل نسخ التوريث بين المتعاقدين فقد كان ثابتا فكيف يترجى وقوعه ؟ وإن كان بعد النسخ فكيف يظن رجوعه بعد رفعه ؟ فتعين أن المراد به المجاور في الدار . وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة : حفظ الجار من كمال الإيمان ، وكان أهل الجاهلية يحافظون عليه ، ويحصل امتثال الوصية به بإيصال ضروب الإحسان إليه بحسب الطاقة كالهدية ، والسلام ، وطلاقة الوجه عند لقائه ، وتفقد حاله ، ومعاونته فيما يحتاج إليه إلى غير ذلك . وكف أسباب الأذى عنه على اختلاف أنواعه حسية كانت أو معنوية . وقد نفى - صلى الله عليه وسلم - الإيمان عمن لم يأمن جاره بوائقه كما في الحديث الذي يليه ، وهي مبالغة تنبئ عن تعظيم حق الجار وأن إضراره من الكبائر . قال : ويفترق الحال في ذلك بالنسبة للجار الصالح وغير الصالح . والذي يشمل الجميع إرادة الخير له ، وموعظته بالحسنى ، والدعاء له بالهداية ، وترك الإضرار له إلا في الموضع الذي يجب فيه الإضرار له بالقول والفعل ، والذي يخص الصالح هو جميع ما تقدم ، وغير الصالح كفه عن الذي يرتكبه بالحسنى على حسب مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ويعظ الكافر بعرض الإسلام عليه ويبين محاسنه والترغيب فيه برفق ، ويعظ الفاسق بما يناسبه بالرفق أيضا ويستر عليه زلله عن غيره ، وينهاه برفق ، فإن أفاد فبه وإلا فيهجره قاصدا تأديبه على ذلك مع إعلامه بالسبب ليكف ، وسيأتي القول في حد الجار في " باب حق الجوار " قريبا انتهى ملخصا .