قوله : ( باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : الدين النصيحة ) هذا الحديث أورده المصنف هنا ترجمة باب ، ولم يخرجه مسندا في هذا الكتاب لكونه على غير شرطه ، ونبه بإيراده على صلاحيته في الجملة ، وما أورده من الآية وحديث جرير يشتمل على ما تضمنه ، وقد أخرجه مسلم : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16984محمد بن عباد حدثنا سفيان قال قلت nindex.php?page=showalam&ids=16068لسهيل بن أبي صالح : إن عمرا حدثنا عن القعقاع عن أبيك بحديث ، ورجوت أن تسقط عني رجلا - أي فتحدثني به عن أبيك - قال فقال : سمعته من الذي سمعه منه أبي ، كان صديقا له بالشام ، وهو [ ص: 167 ] عطاء بن يزيد عن nindex.php?page=showalam&ids=155تميم الداري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال nindex.php?page=hadith&LINKID=3502544 " الدين النصيحة . قلنا : لمن ؟ قال : لله عز وجل " الحديث رواه مسلم أيضا من طريق روح بن القاسم قال حدثنا سهيل عن عطاء بن يزيد أنه سمعه وهو يحدث أبا صالح فذكره ، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=13113ابن خزيمة من حديث جرير عن سهيل أن أباه حدث عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة بحديث " nindex.php?page=hadith&LINKID=3502545إن الله يرضى لكم ثلاثا " الحديث . قال فقال عطاء بن يزيد : سمعت nindex.php?page=showalam&ids=155تميما الداري يقول . . . فذكر حديث النصيحة . وقد روى حديث النصيحة عن سهيل عن أبيه عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، وهو وهم من سهيل أو ممن روى عنه لما بيناه ، قال nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في تاريخه : لا يصح إلا عن تميم . ولهذا الاختلاف على سهيل لم يخرجه في صحيحه ، بل لم يحتج فيه بسهيل أصلا . وللحديث طرق دون هذه في القوة ، منها ما أخرجه أبو يعلى من حديث ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=13863والبزار من حديث ابن عمر ، وقد بينت جميع ذلك في " تعليق التعليق " .
قوله : ( الدين : النصيحة ) يحتمل أن يحمل على المبالغة ، أي : معظم الدين النصيحة ، كما قيل في حديث " nindex.php?page=hadith&LINKID=3502546الحج عرفة " ، ويحتمل أن يحمل على ظاهره لأن كل عمل لم يرد به عامله الإخلاص فليس من الدين . وقال المازري : النصيحة مشتقة من نصحت العسل إذا صفيته ، يقال : نصح الشيء إذا خلص ، ونصح له القول إذا أخلصه له . أو مشتقة من النصح وهي الخياطة بالمنصحة وهي الإبرة ، والمعنى أنه يلم شعث أخيه بالنصح كما تلم المنصحة ، ومنه التوبة النصوح ، كأن الذنب يمزق الدين والتوبة تخيطه . قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : النصيحة كلمة جامعة معناها حيازة الحظ للمنصوح له ، وهي من وجيز الكلام ، بل ليس في الكلام كلمة مفردة تستوفى بها العبارة عن معنى هذه الكلمة . وهذا الحديث من الأحاديث التي قيل فيها إنها أحد أرباع الدين ، وممن عده فيها الإمام محمد بن أسلم الطوسي . وقال النووي : بل هو وحده محصل لغرض الدين كله ; لأنه منحصر في الأمور التي ذكرها : فالنصيحة لله وصفه بما هو له أهل ، والخضوع له ظاهرا وباطنا ، والرغبة في محابه بفعل طاعته ، والرهبة من مساخطه بترك معصيته ، والجهاد في رد العاصين إليه .
وروى الثوري عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي ثمامة صاحب علي قال : قال الحواريون لعيسى عليه السلام : يا روح الله من الناصح لله ؟ قال : الذي يقدم حق الله على حق الناس . والنصيحة لكتاب الله تعلمه ، وتعليمه ، وإقامة حروفه في التلاوة ، وتحريرها في الكتابة ، وتفهم معانيه ، وحفظ حدوده ، والعمل بما فيه ، وذب تحريف المبطلين عنه . والنصيحة لرسوله تعظيمه ، ونصره حيا وميتا ، وإحياء سنته بتعلمها وتعليمها ، والاقتداء به في أقواله وأفعاله ، ومحبته ومحبة أتباعه . والنصيحة لأئمة المسلمين إعانتهم على ما حملوا القيام به ، وتنبيههم عند الغفلة ، وسد خلتهم عند الهفوة ، وجمع الكلمة عليهم ، ورد القلوب النافرة إليهم ، ومن أعظم نصيحتهم دفعهم عن الظلم بالتي هي أحسن . ومن جملة أئمة المسلمين أئمة الاجتهاد ، وتقع النصيحة لهم ببث علومهم ، ونشر مناقبهم ، وتحسين الظن بهم . والنصيحة لعامة المسلمين الشفقة عليهم ، والسعي فيما يعود نفعه عليهم ، وتعليمهم ما ينفعهم ، وكف وجوه الأذى عنهم ، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه ، ويكره لهم ما يكره لنفسه . وفي الحديث فوائد أخرى : منها أن الدين يطلق على العمل لكونه سمى النصيحة دينا ، وعلى هذا المعنى بنى المصنف أكثر كتاب الإيمان ، ومنها جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب من قوله " قلنا لمن " ؟ ومنها رغبة السلف في طلب علو الإسناد ، وهو مستفاد من قصة سفيان مع سهيل .
قوله : ( عن nindex.php?page=showalam&ids=97جرير بن عبد الله ) هو البجلي بفتح الجيم ، وقيس الراوي عنه وإسماعيل الراوي عن قيس بجليان أيضا ، وكل منهم يكنى أبا عبد الله ، وكلهم كوفيون .
[ ص: 168 ] قوله : ( بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) قال القاضي عياض : اقتصر على الصلاة والزكاة لشهرتهما ، ولم يذكر الصوم وغيره لدخول ذلك في السمع والطاعة . قلت : زيادة السمع والطاعة وقعت عند المصنف في البيوع من طريق سفيان عن إسماعيل المذكور ، وله في الأحكام ، ولمسلم من طريق الشعبي عن جرير قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=3502547بايعت النبي - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة ، فلقنني " فيما استطعت والنصح لكل مسلم " ورواه nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان من طريق nindex.php?page=showalam&ids=12007أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن جده وزاد فيه : فكان جرير إذا اشترى شيئا أو باع يقول لصاحبه : اعلم أن ما أخذنا منك أحب إلينا مما أعطيناكه فاختر . وروى nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في ترجمته أن غلامه اشترى له فرسا بثلاثمائة ، فلما رآه جاء إلى صاحبه فقال : إن فرسك خير من ثلاثمائة ، فلم يزل يزيده حتى أعطاه ثمانمائة . قال القرطبي : كانت مبايعة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه بحسب ما يحتاج إليه من تجديد عهد أو توكيد أمر ، فلذلك اختلفت ألفاظهم . وقوله : فيما استطعت رويناه بفتح التاء وضمها ، وتوجيههما واضح ، والمقصود بهذا التنبيه على أن اللازم من الأمور المبايع عليها هو ما يطاق ، كما هو المشترط في أصل التكليف ، ويشعر الأمر بقول ذلك اللفظ حال المبايعة بالعفو عن الهفوة وما يقع عن خطأ وسهو . والله أعلم .