[ ص: 507 ] قوله : ( باب الهجرة ) بكسر الهاء وسكون الجيم ، أي ترك الشخص مكالمة الآخر إذا تلاقيا ، وهي في الأصل الترك فعلا كان أو قولا ، وليس المراد بها مفارقة الوطن فإن تلك تقدم حكمها .
قوله : ( وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال ) قد وصله في الباب عن أبي أيوب ، وأراد هنا أن يبين أن عمومه مخصوص بمن هجر أخاه بغير موجب لذلك ، قال النووي قال العلماء تحرم الهجرة بين المسلمين أكثر من ثلاث ليال بالنص وتباح في الثلاث بالمفهوم ، وإنما عفي عنه في ذلك لأن الآدمي مجبول على الغضب ، فسومح بذلك القدر ليرجع ويزول ذلك العارض . وقال أبو العباس القرطبي : المعتبر ثلاث ليال ، حتى لو بدأ بالهجرة في أثناء النهار ألغي البعض وتعتبر ذلك ليلة اليوم ، وينقضي العفو بانقضاء الليلة الثالثة . قلت : وفي الجزم باعتبار الليالي دون الأيام جمود ، وقد مضى في " باب ما نهي عن التحاسد " في رواية شعيب في حديث أبي أيوب بلفظ ثلاثة أيام فالمعتمد أن المرخص فيه ثلاثة أيام بلياليها ، فحيث أطلقت الليالي أريد بأيامها وحيث أطلقت الأيام أريد بلياليها ، ويكون الاعتبار مضي ثلاثة أيام بلياليها ملفقة ، إذا ابتدئت مثلا من الظهر يوم السبت كان آخرها الظهر يوم الثلاثاء ، ويحتمل أن يلغى الكسر ، ويكون أول العدد من ابتداء اليوم أو الليلة ، والأول أحوط .
فيه عن ثلاثة من الصحابة شيء مرفوع وباقيه عنهم وعن رابع موقوف .
[ ص: 508 ] قوله : ( حدثني عوف بن الطفيل وهو ابن أخي عائشة ) كذا عند النسفي وأبي ذر ، وعند غيرهما وكذا أخرجه أحمد عن أبي اليمان شيخ nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري فيه فقال : " عوف بن مالك بن الطفيل ، وهو ابن أخي عائشة لأمها " وقد أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي من طريق nindex.php?page=showalam&ids=16604علي بن المديني من رواية الأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=16214وصالح بن كيسان ومعمر ثلاثتهم عن الزهري ، ففي رواية الأوزاعي عنه " حدثني الطفيل بن الحارث وكان من أزد شنوءة وكان أخا لها من أمها أم رومان " وفي رواية صالح عنه " حدثني عوف بن الطفيل بن الحارث وهو ابن أخي عائشة لأمها " وفي رواية معمر " عوف بن الحارث بن الطفيل " قال nindex.php?page=showalam&ids=16604علي بن المديني : هكذا اختلفوا والصواب عندي وهو المعروف عوف بن الحارث بن الطفيل بن سخبرة يعني بفتح المهملة والموحدة بينهما معجمة ساكنة ، قال : والطفيل أبوه هو الذي روى nindex.php?page=showalam&ids=16490عبد الملك بن عمير عن nindex.php?page=showalam&ids=15883ربعي بن حراش عنه ، يعني حديث nindex.php?page=hadith&LINKID=843127لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان أخرجه النسائي وابن ماجه ، وكذا أخرج أحمد من طريق معمر nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12352إبراهيم الحربي في " كتاب النهي عن الهجران " بعد أن أورد من طريق معمر وشعيب وصالح nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي كما تقدم ، ومن طريق عبد الرحمن بن خالد بن مسافر عن الزهري عن عوف بن الحارث بن الطفيل ، ومن طريق nindex.php?page=showalam&ids=114النعمان بن راشد عن الزهري عن عروة عن المسور : هذا وهم ، قال : وكذا وهم الأوزاعي في قوله الطفيل بن الحارث وصالح في قوله عوف بن الطفيل بن الحارث ، وأصاب معمر وعبد الرحمن بن خالد في قولهما عوف بن الحارث بن الطفيل ، كذا قال ، ثم قال : الذي عندي أن الحارث بن سخبرة الأزدي قدم مكة ومعه امرأته أم رومان بنت عامر الكنانية فحالف nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر الصديق ، ثم مات فخلف أبو بكر على أم رومان فولدت له عبد الرحمن nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة وكان لها من الحارث الطفيل بن الحارث فهو أخو عائشة لأمها ، وولد الطفيل بن الحارث عوفا ، وله عن عائشة رواية غير هذه ، وهو الذي حدث عنه الزهري انتهى . فعلى هذا يكون الذي أصاب في تسميته ونسبه صالح بن كيسان ، وأما معمر وعبد الرحمن بن خالد فقلباه ، والأول هو الذي صوبه nindex.php?page=showalam&ids=16604علي بن المديني . وقد اختلف على الأوزاعي ، فالرواية التي ذكرها الحربي عنه هي رواية nindex.php?page=showalam&ids=15500الوليد بن مسلم ، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي من رواية ابن كثير عن الأوزاعي على وفق رواية معمر وابن خالد ، وأما شعيب في رواية أحمد فقلب الحارث أيضا فسماه مالكا ، وحذفه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في رواية أبي ذر فأصاب وسكت عن تسمية جده ، وقد أخرج nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في " الأدب المفرد " رواية عبد الرحمن بن خالد كذلك . وإذا تحرر ذلك ظهر أن الذي جزم به nindex.php?page=showalam&ids=12569ابن الأثير في " جامع الأصول " من أنه عوف بن مالك بن الطفيل ليس بجيد ، والاختلاف المذكور كله في تحرير اسم الراوي هنا عن عائشة ونسبه إلا رواية nindex.php?page=showalam&ids=114النعمان بن راشد فإنها شاذة ; لأنه قلب شيخ الزهري فجعله عروة بن الزبير والمحفوظ رواية الجماعة ، على أن للخبر من رواية عروة أصلا كما تقدم في أوائل مناقب قريش لكنه من غير رواية الزهري عنه .
قوله : ( إن عائشة حدثت ) كذا للأكثر بضم أوله وبحذف المفعول ، ووقع في رواية الأصيلي " حدثته " والأول أصح ، ويؤيده أن في رواية الأوزاعي " أن عائشة بلغها " ، ووقع في رواية معمر على الوجهين ، ووقع في رواية صالح أيضا " حدثته " .
قوله : ( في بيع أو عطاء أعطته عائشة ) في رواية الأوزاعي " في دار لها باعتها ، فسخط عبد الله بن الزبير بيع تلك الدار " .
قوله : ( لتنتهين عائشة ) زاد في رواية الأوزاعي " فقال : أما والله لتنتهين عائشة عن بيع رباعها " وهذا مفسر لما [ ص: 509 ] أبهم في رواية غيره ، وكذا لما تقدم في مناقب قريش من طريق عروة قال " كانت عائشة لا تمسك شيئا ، فما جاءها من رزق الله تصدقت به " وهذا لا يخالف الذي هنا لأنه يحتمل أن تكون باعت الرباع لتتصدق بثمنها ، وقوله " لتنتهين أو لأحجرن عليها " هذا أيضا يفسر قوله في رواية عروة " ينبغي أن يؤخذ على يدها " .
قوله : ( لله علي نذر أن لا أكلم ابن الزبير أبدا ) في رواية عبد الرحمن بن خالد " كلمة أبدا " وفي رواية معمر " بكلمة " وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي من طريق الأوزاعي بدل قوله أبدا " حتى يفرق الموت بيني وبينه " قال ابن التين : قولها " أن لا أكلم " تقديره علي نذر إن كلمته اهـ . ووقع في بعض الروايات بحذف " لا " وشرح عليها الكرماني وضبطها بالكسر بصيغة الشرط قال : وهو الموافق للرواية المتقدمة في مناقب قريش بلفظ " لله علي نذر إن كلمته " فعلى هذا يكون النذر معلقا على كلامه لا أنها نذرت ترك كلامه ناجزا .
قوله : ( فاستشفع ابن الزبير إليها حين طالت الهجرة ) كذا للأكثر ، ووقع في رواية السرخسي nindex.php?page=showalam&ids=15230والمستملي " حتى " بدل " حين " والأول الصواب ، ووقع في رواية معمر على الصواب ، زاد في رواية الأوزاعي " فطالت هجرتها إياه فنقصه الله بذلك في أمره كله ، فاستشفع بكل جدير أنها تقبل عليه " في الرواية الأخرى عنه " فاستشفع عليها بالناس فلم تقبل " وفي رواية عبد الرحمن بن خالد " فاستشفع ابن الزبير بالمهاجرين " وقد أخرج nindex.php?page=showalam&ids=12352إبراهيم الحربي من طريق حميد بن قيس بن عبد الله بن الزبير قال فذكر نحو هذه القصة قال " فاستشفع إليها nindex.php?page=showalam&ids=16531بعبيد بن عمير فقال لها : أين حديث أخبرتنيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن الصوم فوق ثلاث " .
قوله : ( فقالت لا ولله لا أشفع ) بكسر الفاء الثقيلة .
قوله : ( فيه أحدا ) في رواية الكشميهني " أبدا " بدل قوله " أحدا " وجمع بين اللفظين في رواية عبد الرحمن بن خالد وكذا في رواية معمر .
قوله : ( ولا أتحنث إلى نذري ) في رواية معمر " ولا أحنث في نذري " وفي رواية الأوزاعي " فقالت والله لا آثم فيه " أي في نذرها أو في ابن الزبير وتكون " في " سببية .
قوله : ( فلما طال ذلك على ابن الزبير كلم المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث وهما من بني زهرة ) أما nindex.php?page=showalam&ids=83المسور فهو ابن مخرمة بن نوفل بن أهيب بن زهرة بن كلاب ، وأما عبد الرحمن فجده يغوث بفتح التحتانية وضم المعجمة وسكون الواو بعدها مثلثة وهو ابن وهيب بن عبد مناف بن زهرة ، يجتمع مع المسور في عبد مناف بن زهرة ، ووهيب وأهيب أخوان ، ومات الأسود قبل الهجرة ولم يسلم ، ومات النبي - صلى الله عليه وسلم - وعبد الرحمن صغير فذكر في الصحابة ، وله في nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري غير هذا الموضع حديث عن أبي بن كعب سيأتي قريبا ، ووقع في رواية عروة المتقدمة " فاستشفع إليها برجال من قريش وبأخوال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاصة " وقد بينت هناك معنى هذه الخئولة وصفة قرابة بني زهرة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قبل أبيه وأمه .
قوله : ( أنشدكما بالله لما ) بالتخفيف و " ما " زائدة ويجوز التشديد حكاه عياض ، يعني ألا ، أي لا أطلب إلا الإدخال عليها ، ونظره بقوله - تعالى - : لما جميع لدينا محضرون وقوله : لما عليها حافظ فقد قرئا بالوجهين ، وفي رواية الكشميهني " ألا أدخلتماني " زاد الأوزاعي فسألهما أن يشتملا عليه بأرديتهما .
[ ص: 510 ] قوله : ( فإنها ) في رواية الكشميهني " فإنه " والهاء ضمير الشأن .
قوله : ( لا يحل لها أن تنذر قطيعتي ) لأنه كان ابن أختها وهي التي كانت تتولى تربيته غالبا .
قوله : ( فقالا السلام عليك ورحمة الله وبركاته ) في رواية معمر " فقالا السلام على النبي ورحمة الله " فيحتمل أن تكون الكاف في الأول مفتوحة .
قوله : ( أندخل ؟ قالت : نعم . قالوا : كلنا ؟ قالت : نعم ) في رواية الأوزاعي " قالا : ومن معنا ؟ قالت : ومن معكما " .
قوله : ( فاعتنق عائشة وطفق يناشدها ويبكي ) في رواية الأوزاعي " فبكى إليها وبكت إليه وقبلها " وفي روايته الأخرى عند nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي " وناشدها ابن الزبير الله والرحم " .
قوله : ( ويقولان إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد نهى عما قد علمت من الهجرة وإنه لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال ) في رواية معمر " أنه لا يحل " بحذف الواو وهو كالتفسير لما قبله ويؤيد ذلك ورود الحديث مرفوعا من طريق أخرى كحديثي أنس وأبي أيوب اللذين بعده ، وهذا القدر هو المرفوع من الحديث ، وهو هنا من مسند المسور nindex.php?page=showalam&ids=16333وعبد الرحمن بن الأسود nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة جميعا فإنها أقرتهما على ذلك ، وقد غفل أصحاب الأطراف عن ذكره في مسند nindex.php?page=showalam&ids=16333عبد الرحمن بن الأسود لكونه مرسلا ، ولكن ذكروا أنظاره فيلزمهم من هذه الحيثية ، وله عن عائشة طريق أخرى تقدم بيانها وأنها من رواية حميد بن قيس عن nindex.php?page=showalam&ids=16531عبيد بن عمير عنها ، وأخرجه أيضا أبو داود من طريق أخرى عن عائشة ، وجاء المتن عن جماعة كثيرة من الصحابة يزيد بعضهم على بعض كما سأبينه بعد .
( تنبيه ) : ادعى المحب الطبري أن الهجران المنهي عنه ترك السلام إذا التقيا ، ولم يقع ذلك من عائشة في حق ابن الزبير ، ولا يخفى ما فيه ، فإنها حلفت أن لا تكلمه والحالف يحرص على أن لا يحنث ، وترك السلام داخل في ترك الكلام ، وقد ندمت على سلامها عليه فدل على أنها اعتقدت أنها حنثت ، ويؤيده ما كانت تعتقه في نذرها ذلك .
قوله : ( فلما أكثروا على عائشة من التذكرة ) أي التذكير بما جاء في فضل صلة الرحم والعفو وكظم الغيظ .
قوله : ( والتحريج ) بحاء مهملة ثم الجيم أي الوقوع في الحرج وهو الضيق لما ورد في القطيعة من النهي ، وفي رواية معمر " التخويف " .
قوله : ( فلم يزالا بها حتى كلمت ابن الزبير ) في رواية الأوزاعي " فكلمته بعد ما خشي أن لا تكلمه ، وقبلت منه بعد أن كادت أن لا تقبل منه " .
قوله : ( وأعتقت في نذرها ذلك أربعين رقبة ) في رواية الأوزاعي " ثم بعثت إلى اليمن بمال فابتيع لها به أربعون رقبة فأعتقتها كفارة لنذرها " ووقع في رواية عروة المتقدمة " فأرسل إليها بعشر رقاب فأعتقتهم " وظاهره أن عبد الله بن الزبير أرسل إليها بالعشرة أولا ، ولا ينافي رواية الباب أن تكون هي اشترت بعد ذلك تمام الأربعين فأعتقتهم ، وقد وقع في الرواية الماضية " ثم لم تزل حتى بلغت أربعين " .
[ ص: 511 ] قوله : ( وكانت تذكر نذرها ) في رواية الأوزاعي " قال عوف بن الحارث ثم سمعتها بعد ذلك تذكر نذرها ذلك " ووقع في رواية عروة أنها قالت : " وددت أني جعلت حين حلفت عملا فأعمله فأفرغ منه " ، وبينت هناك ما يحتمله كلامها هذا .