[ ص: 170 ] قوله : ( كتاب العلم . بسم الله الرحمن الرحيم . باب فضل العلم ) هكذا في رواية الأصيلي وكريمة وغيرهما . وفي رواية أبي ذر تقديم البسملة ، وقد قدمنا توجيه ذلك في كتاب الإيمان . وليس في رواية المستملي لفظ باب ولا في رواية رفيقه لفظ كتاب العلم .
( فائدة ) : قال nindex.php?page=showalam&ids=12815القاضي أبو بكر بن العربي : بدأ المصنف بالنظر في فضل العلم قبل النظر في حقيقته ، وذلك لاعتقاده أنه في نهاية الوضوح فلا يحتاج إلى تعريف ، أو لأن النظر في حقائق الأشياء ليس من فن الكتاب ، وكل من القدرين ظاهر ; لأن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري لم يضع كتابة لحدود الحقائق وتصورها ، بل هو جار على أساليب العرب القديمة ، فإنهم يبدءون بفضيلة المطلوب للتشويق إليه إذا كانت حقيقته مكشوفة معلومة . وقد أنكر nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي في شرح الترمذي على من تصدى لتعريف العلم وقال : هو أبين من أن يبين . قلت : وهذه طريقة nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي وشيخه الإمام أن العلم لا يحد لوضوحه أو لعسره .
قوله : ( وقول الله عز وجل ) ضبطناه في الأصول بالرفع عطفا على كتاب أو على الاستئناف .
قوله : يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات قيل في تفسيرها : يرفع الله المؤمن العالم على المؤمن غير العالم . ورفعة الدرجات تدل على الفضل ، إذ المراد به كثرة الثواب ، وبها ترتفع الدرجات ، ورفعتها تشمل المعنوية في الدنيا بعلو المنزلة وحسن الصيت ، والحسية في الآخرة بعلو المنزلة في الجنة . وفي صحيح مسلم عن نافع بن عبد الحارث الخزاعي - وكان عامل عمر على مكة - أنه لقيه بعسفان فقال له : من استخلفت ؟ فقال : استخلفت ابن أبزى مولى لنا . فقال عمر : استخلفت مولى ؟ قال : إنه قارئ لكتاب الله ، عالم بالفرائض . فقال عمر : أما إن نبيكم قد قال nindex.php?page=hadith&LINKID=3502548إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين . وعن nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم في قوله تعالى نرفع درجات من نشاء قال بالعلم .
قوله : ( وقوله عز وجل : رب زدني علما ) واضح الدلالة في فضل العلم ; لأن الله تعالى لم يأمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - بطلب الازدياد من شيء إلا من العلم ، والمراد بالعلم العلم الشرعي الذي يفيد معرفة ما يجب [ ص: 171 ] على المكلف من أمر عباداته ومعاملاته ، والعلم بالله وصفاته ، وما يجب له من القيام بأمره ، وتنزيهه عن النقائص ، ومدار ذلك على التفسير والحديث والفقه ، وقد ضرب هذا الجامع الصحيح في كل من الأنواع الثلاثة بنصيب ، فرضي الله عن مصنفه ، وأعاننا على ما تصدينا له من توضيحه بمنه وكرمه . فإن قيل : لم لم يورد المصنف في هذا الباب شيئا من الحديث ؟ فالجواب أنه إما أن يكون اكتفى بالآيتين الكريمتين ، وإما بيض له ليلحق فيه ما يناسبه فلم يتيسر ، وإما أورد فيه حديث ابن عمر الآتي بعد باب رفع العلم ويكون وضعه هناك من تصرف بعض الرواة ، وفيه نظر على ما سنبينه هناك إن شاء الله تعالى .
ونقل الكرماني عن بعض أهل الشام أن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري بوب الأبواب وترجم التراجم وكتب الأحاديث وربما بيض لبعضها ليلحقه . وعن بعض أهل العراق أنه تعمد بعد الترجمة عدم إيراد الحديث إشارة إلى أنه لم يثبت فيه شيء عنده على شرطه . قلت : والذي يظهر لي أن هذا محله حيث لا يورد فيه آية أو أثرا . أما إذا أورد آية أو أثرا فهو إشارة منه إلى ما ورد في تفسير تلك الآية ، وأنه لم يثبت فيه شيء على شرطه ، وما دلت عليه الآية كاف في الباب ، وإلى أن الأثر الوارد في ذلك يقوى به طريق المرفوع وإن لم يصل في القوة إلى شرطه . والأحاديث في فضل العلم كثيرة ، صحح مسلم منها حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رفعه nindex.php?page=hadith&LINKID=3502549من التمس طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة . ولم يخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري لأنه اختلف فيه على الأعمش ، والراجح أنه بينه وبين أبي صالح فيه واسطة . والله أعلم .
قوله : ( باب من سئل علما وهو مشتغل ) محصله التنبيه على أدب العالم والمتعلم ، أما العالم فلما تضمنه من ترك زجر السائل ، بل أدبه بالإعراض عنه أولا حتى استوفى ما كان فيه ، ثم رجع إلى جوابه فرفق به لأنه من الأعراب وهم جفاة . وفي العناية جواب سؤال السائل ولو لم يكن السؤال متعينا ولا الجواب ، وأما المتعلم فلما تضمنه من أدب السائل أن لا يسأل العالم وهو مشتغل بغيره لأن حق الأول مقدم . ويؤخذ منه أخذ الدروس على السبق ، وكذلك الفتاوى والحكومات ونحوها . وفيه مراجعة العالم إذا لم يفهم ما يجيب به حتى [ ص: 172 ] يتضح ، لقوله " كيف إضاعتها ، وبوب عليه nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان " إباحة إعفاء المسئول عن الإجابة على الفور " ولكن سياق القصة يدل على أن ذلك ليس على الإطلاق ، وفيه إشارة إلى أن العلم سؤال وجواب ، ومن ثم قيل حسن السؤال نصف العلم ، وقد أخذ بظاهر هذه القصة مالك وأحمد وغيرهما في الخطبة فقالوا : لا نقطع الخطبة لسؤال سائل ، بل إذا فرغ نجيبه . وفصل الجمهور بين أن يقع ذلك في أثناء واجباتها فيؤخر الجواب ، أو في غير الواجبات فيجيب . والأولى حينئذ التفصيل ، فإن كان مما يهتم به في أمر الدين ، ولا سيما إن اختص بالسائل فيستحب إجابته ثم يتم الخطبة ، وكذا بين الخطبة والصلاة ، وإن كان بخلاف ذلك فيؤخر ، وكذا قد يقع في أثناء الواجب ما يقتضي تقديم الجواب ، لكن إذا أجاب استأنف على الأصح ، ويؤخذ ذلك كله من اختلاف الأحاديث الواردة في ذلك ، فإن كان السؤال من الأمور التي ليست معرفتها على الفور مهمة فيؤخر كما في هذا الحديث ، ولا سيما إن كان ترك السؤال عن ذلك أولى . وقد وقع نظيره في الذي سأل عن الساعة وأقيمت الصلاة ، فلما فرغ من الصلاة قال : أين السائل ؟ فأجابه . أخرجاه . وإن كان السائل به ضرورة ناجزة فتقدم إجابته ، كما في حديث أبي رفاعة عند مسلم أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يخطب : رجل غريب لا يدري دينه جاء يسأل عن دينه ، فترك خطبته وأتى بكرسي فقعد عليه فجعل يعلمه ، ثم أتى خطبته فأتم آخرها . وكما في حديث سمرة عند أحمد أن أعرابيا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الضب . وكما في الصحيحين في قصة سالم >[1] لما دخل المسجد والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب فقال له : أصليت ركعتين ؟ الحديث ، وسيأتي في الجمعة . وفي حديث أنس : كانت الصلاة تقام فيعرض الرجل فيحدث النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى ربما نعس بعض القوم ، ثم يدخل في الصلاة ، وفي بعض طرقه وقوع ذلك بين الخطبة والصلاة .
قوله : ( nindex.php?page=showalam&ids=16799فليح ) بصيغة التصغير هو ابن سليمان أبو يحيى المدني ، من طبقة مالك وهو صدوق ، تكلم بعض الأئمة في حفظه ، ولم يخرج nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري من حديثه في الأحكام إلا ما توبع عليه ، وأخرج له في المواعظ والآداب وما شاكلها طائفة من أفراده وهذا منها . وإنما أورده عاليا عن فليح بواسطة محمد بن سنان فقط ثم أورده نازلا بواسطة محمد بن فليح nindex.php?page=showalam&ids=12366وإبراهيم بن المنذر عن محمد لأنه أورده في كتاب الرقاق عن محمد بن سنان فقط ، فأراد أن يعيد هنا طريقا أخرى ، ولأجل نزولها قرنها بالرواية الأخرى . وهلال بن علي يقال له هلال بن أبي ميمونة وهلال بن أبي هلال ، فقد يظن ثلاثة وهو واحد ، وهو من صغار التابعين ، وشيخه في هذا الحديث من أوساطهم .
قوله : ( يحدث ) هو خبر المبتدأ وحذف مفعوله الثاني لدلالة السياق عليه . والقوم الرجال . وقد يدخل فيه النساء تبعا .
قوله : ( جاء أعرابي ) لم أقف على تسميته .
قوله : ( فمضى ) أي : استمر يحدثه ، كذا في رواية المستملي والحموي بزيادة هاء ، وليست في رواية الباقين ، وإن ثبتت فالمعنى يحدث القوم الحديث الذي كان فيه وليس الضمير عائدا على الأعرابي .
قوله : ( فقال بعض القوم سمع ما قال ) إنما حصل لهم التردد في ذلك لما ظهر من عدم التفات النبي صلى [ ص: 173 ] الله عليه وسلم إلى سؤاله وإصغائه نحوه ; ولكونه كان يكره السؤال عن هذه المسألة بخصوصها ، وقد تبين عدم انحصار ترك الجواب في الأمرين المذكورين ، بل احتمل كما تقدم أن يكون أخره ليكمل الحديث الذي هو فيه ، أو أخر جوابه ليوحي إليه به .
قوله : ( قال أين أراه السائل ) بالرفع على الحكاية ، وأراه بالضم أي : أظنه ، والشك من محمد بن فليح . ورواه الحسن بن سفيان وغيره عن nindex.php?page=showalam&ids=16544عثمان بن أبي شيبة عن يونس بن محمد عن فليح ولفظه " أين السائل " ولم يشك .
قوله : ( إذا وسد ) أي : أسند ، وأصله من الوسادة ، وكان من شأن الأمير عندهم إذا جلس أن تثنى تحته وسادة ، فقوله وسد أي : جعل له غير أهله وسادا ، فتكون إلى بمعنى اللام وأتى بها ليدل على تضمين معنى أسند . ولفظ محمد بن سنان في الرقاق " إذا أسند " وكذا رواه يونس بن محمد وغيره عن فليح .
ومناسبة هذا المتن لكتاب العلم أن إسناد الأمر إلى غير أهله إنما يكون عند غلبة الجهل ورفع العلم ، وذلك من جملة الأشراط ومقتضاه أن العلم ما دام قائما ففي الأمر فسحة . وكأن المصنف أشار إلى أن العلم إنما يؤخذ عن الأكابر ، تلميحا لما روي عن أبي أمية الجمحي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال " nindex.php?page=hadith&LINKID=3502550من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر " وسيأتي بقية الكلام على هذا الحديث في الرقاق إن شاء الله تعالى .