[ ص: 92 ] ( بسم الله الرحمن الرحيم - كتاب أبواب الأذان ) الأذان لغة الإعلام ، قال الله تعالى وأذان من الله ورسوله . واشتقاقه من الأذن بفتحتين وهو الاستماع . وشرعا الإعلام بوقت الصلاة بألفاظ مخصوصة . قال القرطبي وغيره : الأذان على قلة ألفاظه مشتمل على مسائل العقيدة لأنه بدأ بالأكبرية وهي تتضمن وجود الله وكماله ، ثم ثنى بالتوحيد ونفي الشريك ، ثم بإثبات الرسالة لمحمد - صلى الله عليه وسلم - ثم دعا إلى الطاعة المخصوصة عقب الشهادة بالرسالة لأنها لا تعرف إلا من جهة الرسول ، ثم دعا إلى الفلاح وهو البقاء الدائم وفيه الإشارة إلى المعاد ، ثم أعاد ما أعاد توكيدا . ويحصل من الأذان الإعلام بدخول الوقت ، والدعاء إلى الجماعة ، وإظهار شعائر الإسلام . والحكمة في اختيار القول له دون الفعل سهولة القول وتيسره لكل أحد في كل زمان ومكان ، واختلف أيما أفضل الأذان أو الإمامة ؟ ثالثها إن علم من نفسه القيام بحقوق الإمامة فهي أفضل وإلا فالأذان ، وفي كلام nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ما يومئ إليه . واختلف أيضا في الجمع بينهما فقيل يكره ، وفي nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي من حديث جابر مرفوعا النهي عن ذلك لكن سنده ضعيف ، وصح عن عمر " لو أطيق الأذان مع الخلافة لأذنت " رواه nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور وغيره . وقيل هو خلاف الأولى ، وقيل يستحب وصححه النووي .
[ ص: 93 ] : ( باب بدء الأذان ) أي ابتدائه . وسقط لفظ " باب " من رواية أبي ذر ، وكذلك سقطت البسملة من رواية القابسي وغيره .
قوله : : ( وقول الله عز وجل وإذا ناديتم إلى الصلاة ) الآية يشير بذلك إلى أن ابتداء الأذان كان بالمدينة ، وقد ذكر بعض أهل التفسير أن اليهود لما سمعوا الأذان قالوا : لقد ابتدعت يا محمد شيئا لم يكن فيما مضى ، فنزلت وإذا ناديتم إلى الصلاة الآية .
قوله : : ( وقوله تعالى : إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ) يشير بذلك أيضا إلى الابتداء ، لأن ابتداء الجمعة إنما كان بالمدينة كما سيأتي في بابه . واختلف في السنة التي فرض فيها : فالراجح أن ذلك كان في السنة الأولى ، وقيل بل كان في السنة الثانية ، وروي عن ابن عباس أن فرض الأذان نزل مع هذه الآية . أخرجه أبو الشيخ .
( تنبيه : الفرق بين ما في الآيتين من التعدية بإلى واللام أن صلات الأفعال تختلف بحسب مقاصد الكلام ، فقصد في الأولى معنى الانتهاء وفي الثانية معنى الاختصاص قاله الكرماني . ويحتمل أن تكون اللام بمعنى إلى أو العكس والله أعلم . وحديث ابن عمر المذكور في هذا الباب ظاهر في أن الأذان إنما شرع بعد الهجرة ، فإنه نفى النداء بالصلاة قبل ذلك مطلقا . وقوله في آخره nindex.php?page=hadith&LINKID=884109يا بلال قم فناد بالصلاة كان ذلك قبل رؤيا nindex.php?page=showalam&ids=113عبد الله بن زيد ، وسياق حديثه يدل على ذلك كما أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13113ابن خزيمة nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان من طريق محمد بن إسحاق قال : حدثني nindex.php?page=showalam&ids=16900محمد بن إبراهيم التيمي عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال حدثني nindex.php?page=showalam&ids=113عبد الله بن زيد ، فذكر نحو حديث ابن عمر ، وفي آخره " فبينما هم على ذلك أري عبد الله النداء " فذكر الرؤيا وفيها صفة الأذان لكن بغير ترجيع ، وفيه تربيع التكبير وإفراد الإقامة وتثنية " قد قامت الصلاة " وفي آخره nindex.php?page=hadith&LINKID=884110قوله - صلى الله عليه وسلم - إنها لرؤيا حق إن شاء الله تعالى ، فقم مع بلال فألقها عليه فإنه أندى صوتا منك وفيه مجيء عمر وقوله إنه رأى مثل ذلك ، وقد أخرج الترمذي في ترجمة بدء الأذان حديث nindex.php?page=showalam&ids=113عبد الله بن زيد مع حديث عبد الله بن عمر ، وإنما لم يخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري لأنه على غير شرطه .
وقد روي عن nindex.php?page=showalam&ids=113عبد الله بن زيد من طرق ، وحكى nindex.php?page=showalam&ids=13113ابن خزيمة عن الذهلي أنه ليس في طرقه أصح من هذه الطريق ، وشاهده حديث عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب مرسلا - ومنهم من وصله عن سعيد - عن nindex.php?page=showalam&ids=113عبد الله بن زيد ، والمرسل أقوى إسنادا . ووقع في الأوسط nindex.php?page=showalam&ids=14687للطبراني أن أبا بكر أيضا رأى الأذان ، ووقع في الوسيط nindex.php?page=showalam&ids=14847للغزالي أنه رآه بضعة عشر رجلا ، وعبارة الجيلي في شرح التنبيه أربعة عشر رجلا ، وأنكره ابن الصلاح ثم النووي ، [ ص: 94 ] ونقل مغلطاي أن في بعض كتب الفقهاء أنه رآه سبعة ، ولا يثبت شيء من ذلك إلا لعبد الله بن زيد ، وقصة عمر جاءت في بعض طرقه وفي مسند الحارث بن أبي أسامة بسند واه قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=884111أول من أذن بالصلاة جبريل في سماء الدنيا ، فسمعه عمر وبلال ، فسبق عمر بلالا فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ثم جاء بلال فقال له : سبقك بها عمر .
وقد حاول السهيلي في الروض الأنف 2 : 19 الجمع بينهما فتكلف وتعسف ، والأخذ بما صح أولى ، فقال بانيا على صحة كذا . وفيه سقط ولعل الصواب " بانيا على صحة ما ورد في ذلك " . الحكمة في مجيء الأذان على لسان الصحابي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمعه فوق سبع سموات وهو أقوى من الوحي ، فلما تأخر الأمر بالأذان عن فرض الصلاة وأراد إعلامهم بالوقت فرأى الصحابي المنام فقصها فوافقت ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - سمعه فقال إنها لرؤيا حق وعلم حينئذ أن مراد الله بما أراه في السماء أن يكون سنة في الأرض ، وتقوى ذلك بموافقة عمر لأن السكينة تنطق على لسانه ، والحكمة أيضا في إعلام الناس به على غير لسانه - صلى الله عليه وسلم - التنويه بقدره والرفع لذكره بلسان غيره ليكون أقوى لأمره وأفحم لشأنه . انتهى ملخصا .
والثاني : حسن بديع ، ويؤخذ منه عدم الاكتفاء برؤيا nindex.php?page=showalam&ids=113عبد الله بن زيد حتى أضيف عمر للتقوية التي ذكرها . لكن قد يقال : فلم لا أقتصر على عمر ؟ فيمكن أن يجاب ليصير في معنى الشهادة ، وقد جاء في رواية ضعيفة سبقت ما ظاهره أن بلالا أيضا رأى لكنها مؤولة فإن لفظها " سبقك بها بلال " فيحمل المراد بالسبق على مباشرة التأذين برؤيا nindex.php?page=showalam&ids=113عبد الله بن زيد . ومما كثر السؤال عنه هل باشر النبي - صلى الله عليه وسلم - الأذان بنفسه ؟ وقد [ ص: 95 ] وقع عند السهيلي nindex.php?page=hadith&LINKID=842131أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن في سفر وصلى بأصحابه وهم على رواحلهم السماء من فوقهم والبلة من أسفلهم أخرجه الترمذي من طريق تدور على عمر بن الرماح يرفعه إلى nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة اهـ .
وليس هو من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة وإنما هو من حديث يعلى بن مرة ، وكذا جزم النووي بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن مرة في السفر وعزاه nindex.php?page=showalam&ids=13933للترمذي وقواه ، ولكن وجدناه في مسند أحمد من الوجه الذي أخرجه الترمذي ولفظه " فأمر بلالا فأذن " فعرف أن في رواية الترمذي اختصارا وأن معنى قوله " أذن " أمر بلالا به كما يقال أعطى الخليفة العالم الفلاني ألفا ، وإنما باشر العطاء غيره ونسب للخليفة لكونه آمرا به . ومن أغرب ما وقع في بدء الأذان ما رواه أبو الشيخ بسند فيه مجهول عن عبد الله بن الزبير قال : أخذ الأذان من أذان إبراهيم وأذن في الناس بالحج الآية . قال : فأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وما رواه أبو نعيم في الحلية بسند فيه مجاهيل أن جبريل نادى بالأذان لآدم حين أهبط من الجنة .
( الفائدة الثانية ) : قال الزين بن المنير : أعرض nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن التصريح بحكم الأذان لعدم إفصاح الآثار الواردة فيه عن حكم معين ، فأثبت مشروعيته وسلم من الاعتراض . وقد اختلف في ذلك ، ومنشأ الاختلاف أن مبدأ الأذان لما كان عن مشورة أوقعها النبي - صلى الله عليه وسلم - بين أصحابه حتى استقر برؤيا بعضهم فأقره كان ذلك بالمندوبات أشبه ، ثم لما واظب على تقريره ولم ينقل أنه تركه ولا أمر بتركه ولا رخص في تركه كان ذلك بالواجبات أشبه . انتهى . وسيأتي بقية الكلام على ذلك قريبا إن شاء الله تعالى .
قوله : : ( حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16501عبد الوارث ) هو ابن سعيد ، nindex.php?page=showalam&ids=15804وخالد هو الحذاء كما ثبت في رواية كريمة ، والإسناد كله بصريون .
قوله : : ( فأمر بلال ) هكذا في معظم الروايات على البناء للمفعول ، وقد اختلف أهل الحديث وأهل الأصول في اقتضاء هذه الصيغة للرفع ، والمختار عند محققي الطائفتين أنها تقتضيه ، لأن الظاهر أن المراد بالأمر من له الأمر الشرعي الذي يلزم اتباعه وهو الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ويؤيد ذلك هنا من حيث المعنى أن التقرير في العبادة إنما يؤخذ عن توقيف فيقوى جانب الرفع جدا . وقد وقع في رواية روح بن عطاء المذكورة " فأمر بلالا " بالنصب وفاعل أمر هو النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهو بين في سياقه . وأصرح من ذلك رواية nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي وغيره عن قتيبة عن عبد الوهاب بلفظ " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بلالا " قال nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم : [ ص: 96 ] صرح برفعه إمام الحديث بلا مدافعة قتيبة . قلت : ولم ينفرد به ، فقد أخرجه أبو عوانة من طريق مروان المروزي عن قتيبة nindex.php?page=showalam&ids=17336ويحيى بن معين كلاهما عن عبد الوهاب ، وطريق يحيى عند nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني أيضا ، ولم ينفرد به عبد الوهاب . وقد رواه nindex.php?page=showalam&ids=13898البلاذري من طريق ابن شهاب الحناط عن أبي قلابة : وقضية وقوع ذلك عقب المشاورة في أمر النداء إلى الصلاة ظاهر في أن الآمر بذلك هو النبي - صلى الله عليه وسلم - لا غيره كما استدل به ابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان ، واستدل بورود الأمر به من قال بوجوب الأذان . وتعقب بأن الأمر إذا ورد بصفة الأذان لا بنفسه ، وأجيب بأنه إذا ثبت الأمر بالصفة لزم أن يكون الأصل مأمورا به ، قاله ابن دقيق العيد . وممن قال بوجوبه مطلقا الأوزاعي وداود وابن المنذر وهو ظاهر قول مالك في الموطأ وحكى عن محمد بن الحسن ، وقيل واجب في الجمعة فقط وقيل فرض كفاية ، والجمهور على أنه من السنن المؤكدة ، وقد تقدم ذكر منشأ الخلاف في ذلك ، وأخطأ من استدل على عدم وجوبه بالإجماع لما ذكرناه والله أعلم .