قوله : ( باب لا يشمت العاطس إذا لم يحمد الله ) أورد فيه حديث أنس الماضي في " باب الحمد للعاطس " وكأنه أشار إلى أن الحكم عام وليس مخصوصا بالرجل الذي وقع له ذلك وإن كانت واقعة حال لا عموم فيها ، لكن [ ص: 626 ] ورد الأمر بذلك فيما أخرجه مسلم من حديث أبي موسى بلفظ nindex.php?page=hadith&LINKID=3504028إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه ، وإن لم يحمد الله فلا تشمتوه قال النووي : مقتضى هذا الحديث أن من لم يحمد الله لم يشمت . قلت : هو منطوقه ، لكن هل النهي فيه للتحريم أو للتنزيه ؟ الجمهور على الثاني ، قال : وأقل الحمد والتشميت أن يسمع صاحبه ، ويؤخذ منه أنه إذا أتى بلفظ آخر غير الحمد لا يشمت . وقد أخرج أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي وغيرهما من حديث سالم بن عبيد الأشجعي قال : " nindex.php?page=hadith&LINKID=3504029عطس رجل فقال السلام عليكم ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - عليك وعلى أمك ، وقال : إذا عطس أحدكم فليحمد الله " واستدل به على أنه يشرع التشميت لمن حمد إذا عرف السامع أنه حمد الله وإن لم يسمعه ، كما لو سمع العطسة ولم يسمع الحمد بل سمع من شمت ذلك العاطس فإنه يشرع له التشميت لعموم الأمر به لمن عطس فحمد . وقال النووي : المختار أنه يشمته من سمعه دون غيره ، وحكى nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي اختلافا فيه ورجح أنه يشمته . قلت : وكذا نقله ابن بطال وغيره عن مالك ، واستثنى ابن دقيق العيد من علم أن الذين عند العاطس جهلة لا يفرقون بين تشميت من حمد وبين من لم يحمد ، والتشميت متوقف على من علم أنه حمد فيمتنع تشميت هذا ولو شمته من عنده لأنه لا يعلم هل حمد أو لا ، فإن عطس وحمد ولم يشمته أحد فسمعه من بعد عنه استحب له أن يشمته حين يسمعه . وقد أخرج nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر بسند جيد عن أبي داود صاحب السنن إن كان في سفينة فسمع عاطسا على الشط حمد فاكترى قاربا بدرهم حتى جاء إلى العاطس فشمته ثم رجع ، فسئل عن ذلك فقال : لعله يكون مجاب الدعوة ، فلما رقدوا سمعوا قائلا يقول : يا أهل السفينة إن أبا داود اشترى الجنة من الله بدرهم . قال النووي : ويستحب لمن حضر من عطس فلم يحمد أن يذكره بالحمد ليحمد فيشمته ، وقد ثبت ذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي ، وهو من باب النصيحة والأمر بالمعروف . وزعم nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي أنه جهل من فاعله ، قال : وأخطأ فيما زعم بل الصواب استحبابه . قلت : احتج nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي لقوله بأنه إذا نبهه ألزم نفسه ما لم يلزمها ، قال : فلو جمع بينهما فقال الحمد لله يرحمك الله جمع جهالتين : ما ذكرناه أولا وإيقاعه التشميت قبل وجود الحمد من العاطس . وحكى ابن بطال عن بعض أهل العلم - وحكى غيره أنه الأوزاعي - أن رجلا عطس عنده فلم يحمد فقال له : كيف يقول من عطس ؟ قال : الحمد لله ، قال : يرحمك الله . قلت : وكأن nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي أخذ بظاهر حديث الباب لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يذكر الذي عطس فلم يحمد لكن تقدم في " باب الحمد للعاطس " احتمال أنه لم يكن مسلما ، فلعل ترك ذلك لذلك ، لكن يحتمل أن يكون كما أشار إليه ابن بطال أراد تأديبه على ترك الحمد بترك تشميته ، ثم عرفه الحكم وأن الذي يترك الحمد لا يستحق التشميت . وهذا الذي فهمه nindex.php?page=showalam&ids=110أبو موسى الأشعري ففعل بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل ما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ، شمت من حمد ولم يشمت من لم يحمد ، كما ساق حديثه مسلم .