قوله : ( باب إذا تثاءب ) كذا للأكثر ، وللمستملي " تثاءب " بهمزة بدل الواو ، قال شيخنا في " شرح [ ص: 627 ] الترمذي " وقع في رواية المحبوبي عند الترمذي بالواو ، وفي رواية السنجي بالهمز ، ووقع عند nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وأبي داود بالهمز ، وكذا في حديث أبي سعيد عند أبي داود ، وأما عند مسلم فبالواو ، قال : وكذا هو في أكثر نسخ مسلم ، وفي بعضها بالهمز . وقد أنكر الجوهري كونه بالواو وقال : تقول تثاءبت على وزن تفاعلت ولا تقل تثاوبت ، قال : والتثاؤب أيضا مهموز ، وقد يقلبون الهمزة المضمومة واوا ، والاسم الثؤباء بضم ثم همز على وزن الخيلاء ، وجزم ابن دريد وثابت بن قاسم في " الدلائل " بأن الذي بغير واو بوزن تيممت فقال ثابت : لا يقال تثاءب بالمد مخففا بل يقال تثأب بالتشديد . وقال ابن دريد : أصله من ثئب فهو مثئوب إذا استرخى وكسل . وقال غير واحد : إنهما لغتان ، وبالهمز والمد أشهر .
قوله : ( فليضع يده على فيه ) أورد فيه حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة بلفظ فليرده ما استطاع . قال الكرماني : عموم الأمر بالرد يتناول وضع اليد على الفم فيطابق الترجمة من هذه الحيثية . قلت : وقد ورد في بعض طرقه صريحا أخرجه مسلم وأبو داود من طريق سهيل بن أبي صالح عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه بلفظ nindex.php?page=hadith&LINKID=3504030إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فمه ولفظ الترمذي مثل لفظ الترجمة .
قوله : ( إن الله يحب العطاس ) تقدم شرحه قريبا .
قوله : ( وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان ) قال ابن بطال إضافة التثاؤب إلى الشيطان بمعنى إضافة الرضا والإرادة ، أي إن الشيطان يحب أن يرى الإنسان متثائبا لأنها حالة تتغير فيها صورته فيضحك منه . لا أن المراد أن الشيطان فعل التثاؤب . وقال nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : قد بينا أن كل فعل مكروه نسبه الشرع إلى الشيطان لأنه واسطته ، وأن كل فعل حسن نسبه الشرع إلى الملك لأنه واسطته ، قال : والتثاؤب من الامتلاء وينشأ عنه التكاسل وذلك بواسطة الشيطان ، والعطاس من تقليل الغذاء وينشأ عنه النشاط وذلك بواسطة الملك . وقال النووي : أضيف التثاؤب إلى الشيطان لأنه يدعو إلى الشهوات إذ يكون عن ثقل البدن واسترخائه وامتلائه ، والمراد التحذير من السبب الذي يتولد منه ذلك وهو التوسع في المأكل .
قوله : ( فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع ) أي يأخذ في أسباب رده ، وليس المراد به أنه يملك دفعه لأن الذي وقع لا يرد حقيقة ، وقيل معنى إذا تثاءب إذا أراد أن يتثاءب ، وجوز الكرماني أن يكون الماضي فيه بمعنى المضارع .
قوله : ( فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان ) في رواية ابن عجلان nindex.php?page=hadith&LINKID=3504031فإذا قال آه ضحك منه الشيطان وفي حديث أبي سعيد فإن الشيطان يدخل وفي لفظ له nindex.php?page=hadith&LINKID=3504032إذا تثاءب أحدكم في الصلاة فليكظم ما استطاع فإن الشيطان يدخل هكذا قيده بحالة الصلاة ، وكذا أخرجه الترمذي من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة بلفظ nindex.php?page=hadith&LINKID=3504033التثاؤب في الصلاة من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع nindex.php?page=showalam&ids=13948وللترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي من طريق محمد بن عجلان عن سعيد المقبري عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة نحوه ، ورواه ابن ماجه من طريق عبد الله بن سعيد المقبري عن أبيه بلفظ nindex.php?page=hadith&LINKID=3504034إذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه ولا يعوي ، فإن الشيطان يضحك منه قال شيخنا في " شرح الترمذي " : أكثر روايات الصحيحين فيها إطلاق التثاؤب ، ووقع في الرواية الأخرى تقييده بحالة الصلاة فيحتمل أن يحمل المطلق على المقيد ، وللشيطان غرض قوي في التشويش على المصلي في صلاته ، ويحتمل أن تكون كراهته في الصلاة أشد ، ولا يلزم من ذلك أن لا يكره في [ ص: 628 ] غير حالة الصلاة . وقد قال بعضهم : إن المطلق إنما يحمل على المقيد في الأمر لا في النهي ، ويؤيد كراهته مطلقا كونه من الشيطان ، وبذلك صرح النووي ، قال nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : ينبغي كظم التثاؤب في كل حالة ، وإنما خص الصلاة لأنها أولى الأحوال بدفعه لما فيه من الخروج عن اعتدال الهيئة واعوجاج الخلقة . وأما قوله في رواية أبي سعيد في ابن ماجه ولا يعوي فإنه بالعين المهملة ، شبه التثاؤب الذي يسترسل معه بعواء الكلب تنفيرا عنه واستقباحا له فإن الكلب يرفع رأسه ويفتح فاه ويعوي ، والمتثائب إذا أفرط في التثاؤب شابهه . ومن هنا تظهر النكتة في كونه يضحك منه ، لأنه صيره ملعبة له بتشويه خلقه في تلك الحالة . وأما قوله في رواية مسلم فإن الشيطان يدخل فيحتمل أن يراد به الدخول حقيقة ، وهو وإن كان يجري من الإنسان مجرى الدم لكنه لا يتمكن منه ما دام ذاكرا لله - تعالى - ، والمتثائب في تلك الحالة غير ذاكر فيتمكن الشيطان من الدخول فيه حقيقة . ويحتمل أن يكون أطلق الدخول وأراد التمكن منه ; لأن من شأن من دخل في شيء أن يكون متمكنا منه . وأما الأمر بوضع اليد على الفم فيتناول ما إذا انفتح بالتثاؤب فيغطى بالكف ونحوه وما إذا كان منطبقا حفظا له عن الانفتاح بسبب ذلك . وفي معنى وضع اليد على الفم وضع الثوب ونحوه مما يحصل ذلك المقصود ، وإنما تتعين اليد إذا لم يرتد التثاؤب بدونها ، ولا فرق في هذا الأمر بين المصلي وغيره ، بل يتأكد في حال الصلاة كما تقدم ويستثنى ذلك من النهي عن وضع المصلي يده على فمه . ومما يؤمر به المتثائب إذا كان في الصلاة أن يمسك عن القراءة حتى يذهب عنه لئلا يتغير نظم قراءته ، وأسند ابن أبي شيبة نحو ذلك عن مجاهد وعكرمة والتابعين المشهورين ، ومن الخصائص النبوية ما أخرجه ابن أبي شيبة nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري في " التاريخ " من مرسل يزيد بن الأصم قال " nindex.php?page=hadith&LINKID=3504035ما تثاءب النبي - صلى الله عليه وسلم - قط " وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي من طريق nindex.php?page=showalam&ids=17088مسلمة بن عبد الملك بن مروان قال nindex.php?page=hadith&LINKID=3504036ما تثاءب نبي قط ومسلمة أدرك بعض الصحابة وهو صدوق . ويؤيد ذلك ما ثبت أن التثاؤب من الشيطان . ووقع في " الشفاء لابن سبع " nindex.php?page=hadith&LINKID=3504037أنه - صلى الله عليه وسلم - كان لا يتمطى ، لأنه من الشيطان ، والله أعلم .