قوله باب بمن يبدأ في الكتاب ؟ أي بنفسه أو بالمكتوب إليه ؟ ذكر فيه طرفا من حديث الرجل من بني إسرائيل الذي اقترض ألف دينار وكأنه لما لم يجد فيه حديثا على شرطه مرفوعا اقتصر على هذا وهو على قاعدته في الاحتجاج بشرع من قبلنا إذا وردت حكايته في شرعنا ولم ينكر ولا سيما إذا سيق مساق المدح لفاعله والحجة فيه كون الذي عليه الدين كتب في الصحيفة من فلان إلى فلان وكان يمكنه أن يحتج بكتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى هرقل المشار إليه قريبا لكن قد يكون تركه لأن بداءة الكبير بنفسه إلى الصغير والعظيم إلى الحقير هو الأصل وإنما يقع التردد فيما هو بالعكس أو المساوي .
قال المهلب : السنة أن يبدأ الكاتب بنفسه وعن معمر عن أيوب : أنه كان ربما بدأ باسم الرجل قبله إذا كتب إليه . وسئل مالك عنه فقال لا بأس به وقال هو كما لو أوسع له في المجلس فقيل له إن أهل العراق يقولون : لا تبدأ بأحد قبلك ولو كان أباك أو أمك أو أكبر منك فعاب ذلك عليهم .
قلت والمنقول عن ابن عمر كان في أغلب أحواله وإلا فقد أخرج nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في الأدب المفرد " بسند صحيح عن نافع : كانت nindex.php?page=showalam&ids=12لابن عمر حاجة إلى معاوية فأراد أن يبدأ بنفسه فلم يزالوا به حتى كتب بسم الله الرحمن الرحيم إلى معاوية . وفي رواية زيادة أما بعد ، بعد البسملة وأخرج فيه أيضا من رواية nindex.php?page=showalam&ids=16430عبد الله بن دينار أن عبد الله بن عمر كتب إلى عبد الملك يبايعه بسم الله الرحمن الرحيم لعبد الملك أمير المؤمنين من عبد الله بن عمر سلام عليك . إلخ " وقد ذكر في كتاب الاعتصام طرفا منه ويأتي التنبيه عليه هناك - إن شاء الله تعالى
قوله وقال الليث ) تقدم في الكفالة بيان من وصله
قوله أنه ذكر رجلا من بني إسرائيل أخذ خشبة كذا أورده مختصرا وأورده في الكفالة وغيرها مطولا
قوله وقال nindex.php?page=showalam&ids=16659عمر بن أبي سلمة ) أي ابن عبد الرحمن بن عوف " وعمر هذا مدني قدم واسط وهو صدوق فيه ضعف ، وليس له عند nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري سوى هذا الموضع المعلق وقد وصله nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في " الأدب المفرد "
قال " حدثنا موسى بن إسماعيل : حدثنا أبو عوانة : حدثنا عمر . . فذكر مثل اللفظ المعلق هنا وقد رويناه في الجزء الثالث من " حديث nindex.php?page=showalam&ids=15183أبي طاهر المخلص " مطولا فقال " حدثنا البغوي : حدثنا أحمد بن منصور : حدثنا موسى : . . وقد ذكرت فوائده عند شرحه من كتاب الكفالة
قوله عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ) في رواية الكشميهني : " سمع nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة " وكذا للنسفي والأصيلي وكريمة .
قوله نجر كذا للأكثر بالجيم nindex.php?page=showalam&ids=15086وللكشميهني بالقاف قال ابن التين : قيل في قصة صاحب الخشبة إثبات كرامات الأولياء وجمهور الأشعرية على إثباتها وأنكرها الإمام أبو إسحاق الشيرازي من الشافعية والشيخان أبو محمد بن أبي زيد وأبو الحسن القابسي من المالكية .
قلت أما الشيرازي فلا يحفظ عنه ذلك وإنما نقل ذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=11812أبي إسحاق الإسفراييني وأما الآخران فإنما أنكرا ما وقع معجزة مستقلة لنبي من الأنبياء كإيجاد ولد عن غير والد والإسراء إلى السماوات السبع بالجسد في اليقظة وقد صرح إمام الصوفية أبو القاسم القشيري في رسالته بذلك وبسط هذا يليق بموضع آخر وعسى أن يتيسر ذلك في كتاب الرقاق - إن شاء الله تعالى
[ ص: 52 ] قوله باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - قوموا إلى سيدكم هذه الترجمة معقودة لحكم قيام القاعد للداخل ولم يجزم فيها بحكم للاختلاف بل اقتصر على لفظ الخبر كعادته
قوله عن سعد بن إبراهيم عن nindex.php?page=showalam&ids=131أبي أمامة بن سهل ) تقدم بيان الاختلاف في ذلك في غزوة بني قريظة من كتاب المغازي مع شرح الحديث ومما لم يذكر هناك أن nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني حكى في " العلل " أن أبا معاوية رواه عن عياض بن عبد الرحمن عن سعد بن إبراهيم عن أبيه عن جده والمحفوظ عن سعد عن أبي أمامة عن أبي سعيد .
قوله ( على حكم nindex.php?page=showalam&ids=228سعد ) هو ابن معاذ كما وقع التصريح به فيما تقدم
قوله في آخره قال nindex.php?page=showalam&ids=12070أبو عبد الله ) هو البخاري أفهمني بعض أصحابي عن أبي الوليد ) يعني شيخه في هذا الحديث بسنده هذا من قول أبي سعيد إلى حكمك يعني من أول الحديث إلى قوله فيه " على حكمك " وصاحب nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في هذا الحديث يحتمل أن يكون nindex.php?page=showalam&ids=16965محمد بن سعد كاتب الواقدي فإنه أخرجه في الطبقات عن أبي الوليد بهذا السند أو ابن الضريس فقد أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في " الشعب من طريق nindex.php?page=showalam&ids=12798محمد بن أيوب الرازي عن أبي الوليد .
وشرحه الكرماني على وجه آخر فقال ، قوله " إلى حكمك " أي قال nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : سمعت أنا من أبي الوليد بلفظ : على حكمك " وبعض أصحابي نقلوا لي عنه بلفظ : إلى " بصيغة الانتهاء بدل حرف الاستعلاء كذا قال
قلت وحديث عائشة هذا أخرجه أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي وحسنه وصححه nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم وأصله في الصحيح كما مضى في المناقب وفي الوفاة النبوية لكن ليس فيه ذكر القيام وترجم له أبو داود " باب القيام " وأورد معه فيه حديث أبي سعيد ، وكذا صنع nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في " الأدب المفرد " وزاد معهما حديث nindex.php?page=showalam&ids=331كعب بن مالك في قصة توبته وفيه " فقام إلي nindex.php?page=showalam&ids=55طلحة بن عبيد الله يهرول " وقد أشار إليه في الباب الذي يليه وحديث أبي أمامة المبدأ به أخرجه أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه وحديث ابن بريدة أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم من رواية حسين المعلم عن عبد الله بن بريدة عن معاوية فذكره وفيه nindex.php?page=hadith&LINKID=3504089ما من رجل يكون على الناس فيقوم على رأسه الرجال يحب أن يكثر عنده الخصوم فيدخل الجنة .
وله طريق أخرى عن معاوية أخرجه أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي وحسنه والمصنف في " الأدب المفرد " من طريق أبي مجلز قال " خرج معاوية على ابن الزبير وابن عامر فقام ابن عامر وجلس ابن الزبير فقال [ ص: 53 ] معاوية لابن عامر : اجلس فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول nindex.php?page=hadith&LINKID=3504090من أحب أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار ، هذا لفظ أبي داود وأخرجه أحمد من رواية حماد بن سلمة عن حبيب بن الشهيد عن أبي مجلز وأحمد عن إسماعيل بن علية عن حبيب مثله وقال : العباد " بدل " الرجال " ومن رواية شعبة عن حبيب مثله وزاد فيه : ولم يقم ابن الزبير وكان أرزنهما قال فقال مه " فذكر الحديث وقال فيه : nindex.php?page=hadith&LINKID=3504091من أحب أن يتمثل له عباد الله قياما .
وأخرجه أيضا عن مروان بن معاوية عن حبيب بلفظ خرج معاوية فقاموا له وباقيه كلفظ حماد . وأما الترمذي فإنه أخرجه من رواية nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري عن حبيب ولفظه " خرج معاوية فقام عبد الله بن الزبير nindex.php?page=showalam&ids=13307وابن صفوان حين رأوه فقال اجلسا " فذكر مثل لفظ حماد وسفيان وإن كان من رجال الحفظ إلا أن العدد الكثير وفيهم مثل شعبة أولى بأن تكون روايتهم محفوظة من الواحد وقد اتفقوا على أن ابن الزبير لم يقم وأما إبدال ابن عامر بابن صفوان فسهل لاحتمال الجمع بأن يكونا معا وقع لهما ذلك
وترجم nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أيضا قيام الرجل للرجل تعظيما وأورد فيه حديث معاوية من طريق أبي مجلز ومحصل المنقول عن مالك إنكار القيام ما دام الذي يقام لأجله لم يجلس ولو كان في شغل نفسه فإنه سئل عن المرأة تبالغ في إكرام زوجها فتتلقاه وتنزع ثيابه وتقف حتى يجلس فقال أما التلقي فلا بأس به وأما القيام حتى يجلس فلا فإن هذا فعل الجبابرة ، وقد أنكره عمر بن عبد العزيز .
ورجح المنذري ما تقدم من الجمع عن nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري وأن القيام المنهي عنه أن يقام عليه وهو جالس وقد رد ابن القيم في " حاشية السنن " على هذا القول بأن سياق حديث معاوية يدل على خلاف ذلك وإنما يدل على أنه كره القيام له لما خرج تعظيما ولأن هذا لا يقال له القيام للرجل وإنما هو القيام على رأس الرجل أو عند الرجل قال والقيام ينقسم إلى ثلاث مراتب قيام على رأس الرجل وهو فعل الجبابرة وقيام إليه عند قدومه ولا بأس به وقيام له عند رؤيته وهو المتنازع فيه
قلت وورد في خصوص القيام على رأس الكبير الجالس ما أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في " الأوسط " عن أنس قال : إنما هلك من كان قبلكم بأنهم عظموا ملوكهم بأن قاموا وهم قعود ثم حكى المنذري قول الطبري ، وأنه قصر النهي على من سره القيام له لما في ذلك من محبة التعاظم ورؤية منزلة نفسه وسيأتي ترجيح النووي لهذا القول .
ثم نقل المنذري عن بعض من منع ذلك مطلقا أنه رد الحجة بقصة سعد بأنه - صلى الله عليه وسلم - إنما أمرهم بالقيام لسعد لينزلوه عن الحمار لكونه كان مريضا قال وفي ذلك نظر ، قلت كأنه لم يقف على مستند هذا القائل وقد وقع في مسند عائشة عند أحمد من طريق nindex.php?page=showalam&ids=16590علقمة بن وقاص عنها في قصة غزوة بني قريظة وقصة nindex.php?page=showalam&ids=307سعد بن معاذ ومجيئه مطولا وفيه
قال أبو سعيد فلما طلع قال النبي - صلى الله عليه وسلم - قوموا إلى سيدكم فأنزلوه وسنده حسن وهذه الزيادة تخدش في [ ص: 54 ] الاستدلال بقصة سعد على مشروعية القيام المتنازع فيه وقد احتج به النووي في كتاب القيام ونقل عن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم وأبي داود أنهم احتجوا به ولفظ مسلم : لا أعلم في قيام الرجل للرجل حديثا أصح من هذا
وقد اعترض عليه الشيخ أبو عبد الله بن الحاج فقال ما ملخصه لو كان القيام المأمور به لسعد هو المتنازع فيه لما خص به الأنصار فإن الأصل في أفعال القرب التعميم ولو كان القيام لسعد على سبيل البر والإكرام لكان هو - صلى الله عليه وسلم - أول من فعله وأمر به من حضر من أكابر الصحابة فلما لم يأمر به ولا فعله ولا فعلوه دل ذلك على أن الأمر بالقيام لغير ما وقع فيه النزاع وإنما هو لينزلوه عن دابته لما كان فيه من المرض كما جاء في بعض الروايات ولأن عادة العرب أن القبيلة تخدم كبيرها فلذلك خص الأنصار بذلك دون المهاجرين مع أن المراد بعض الأنصار لا كلهم وهم الأوس منهم لأن nindex.php?page=showalam&ids=307سعد بن معاذ كان سيدهم دون الخزرج .
وعلى تقدير تسليم أن القيام المأمور به حينئذ لم يكن للإعانة فليس هو المتنازع فيه بل لأنه غائب قدم والقيام للغائب إذا قدم مشروع قال ويحتمل أن يكون القيام المذكور إنما هو لتهنئته بما حصل له من تلك المنزلة الرفيعة من تحكيمه والرضا بما يحكم به والقيام لأجل التهنئة مشروع أيضا
ثم نقل عن أبي الوليد بن رشد أن القيام يقع على أربعة أوجه الأول محظور وهو أن يقع لمن يريد أن يقام إليه تكبرا وتعاظما على القائمين إليه ، والثاني مكروه وهو أن يقع لمن لا يتكبر ولا يتعاظم على القائمين لكن يخشى أن يدخل نفسه بسبب ذلك ما يحذر ولما فيه من التشبه بالجبابرة والثالث جائز وهو أن يقع على سبيل البر والإكرام لمن لا يريد ذلك ويؤمن معه التشبه بالجبابرة والرابع مندوب وهو أن يقوم لمن قدم من سفر فرحا بقدومه ليسلم عليه ، أو إلى من تجددت له نعمة فيهنئه بحصولها أو مصيبة فيعزيه بسببها
وقال التوربشتي في " شرح المصابيح " معنى قوله : قوموا إلى سيدكم ؛ أي إلى إعانته وإنزاله من دابته ولو كان المراد التعظيم لقال قوموا لسيدكم وتعقبه الطيبي بأنه لا يلزم من كونه ليس للتعظيم أن لا يكون للإكرام وما اعتل به من الفرق بين إلى واللام ضعيف لأن إلى في هذا المقام أفخم من اللام كأنه قيل قوموا وامشوا إليه تلقيا وإكراما وهذا مأخوذ من ترتب الحكم على الوصف المناسب المشعر بالعلية فإن قوله : سيدكم علة للقيام له وذلك لكونه شريفا علي القدر
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي : القيام على وجه البر والإكرام جائز كقيام الأنصار لسعد وطلحة لكعب ولا ينبغي لمن يقام له أن يعتقد استحقاقه لذلك حتى إن ترك القيام له حنق عليه أو عاتبه أو شكاه .
قال أبو عبد الله : وضابط ذلك أن كل أمر ندب الشرع المكلف بالمشي إليه فتأخر حتى قدم المأمور لأجله فالقيام إليه يكون عوضا عن المشي الذي فات واحتج النووي أيضا بقيام طلحة nindex.php?page=showalam&ids=331لكعب بن مالك . وأجاب ابن الحاج بأن طلحة إنما قام لتهنئته ومصافحته ولذلك لم يحتج به nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري للقيام وإنما أورده في المصافحة ولو كان قيامه محل النزاع لما انفرد به فلم ينقل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام له ولا أمر به ولا فعله أحد ممن حضر وإنما انفرد طلحة لقوة المودة بينهما على ما جرت به العادة أن التهنئة والبشارة ونحو ذلك تكون على قدر المودة والخلطة بخلاف السلام فإنه مشروع على من عرفت ومن لم تعرف
والتفاوت في المودة يقع بسبب التفاوت في الحقوق وهو أمر معهود قلت ويحتمل أن يكون من كان لكعب عنده من المودة مثل ما عند طلحة لم يطلع على وقوع الرضا عن كعب واطلع عليه طلحة ; لأن ذلك عقب منع الناس من كلامه مطلقا وفي قول كعب " لم يقم إلي من المهاجرين غيره إشارة إلى أنه قام إليه غيره من الأنصار ثم قال ابن الحاج : وإذا حمل فعل طلحة على محل النزاع لزم أن يكون من حضر من المهاجرين قد ترك المندوب ولا يظن بهم ذلك واحتج النووي بحديث عائشة المتقدم في حق فاطمة .
وأجاب عنه ابن الحاج باحتمال أن يكون القيام لها لأجل إجلاسها [ ص: 55 ] في مكانه إكراما لها لا على وجه القيام المنازع فيه ولا سيما ما عرف من ضيق بيوتهم وقلة الفرش فيها فكانت إرادة إجلاسه لها في موضعه مستلزمة لقيامه وأمعن في بسط ذلك
واعترضه ابن الحاج بأن هذا القيام لو كان محل النزاع لكان الوالدان أولى به من الأخ وإنما قام للأخ إما لأن يوسع له في الرداء أو في المجلس واحتج النووي أيضا بما أخرجه مالك في قصة nindex.php?page=showalam&ids=28عكرمة بن أبي جهل : أنه لما فر إلى اليمن يوم الفتح ورحلت امرأته إليه حتى أعادته إلى مكة مسلما فلما رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - وثب إليه فرحا وما عليه رداء وبقيام النبي - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=hadith&LINKID=3504094لما قدم جعفر من الحبشة فقال ما أدري بأيهما أنا أسر بقدوم جعفر أو بفتح خيبر .
والذي يظهر لي في الجواب أن يقال لعل سبب تأخيرهم حتى يدخل لما يحتمل عندهم من أمر يحدث له حتى لا يحتاج إذا تفرقوا أن يتكلف استدعاءهم ثم راجعت سنن أبي داود فوجدت في آخر الحديث ما يؤيد ما قلته وهو قصة الأعرابي الذي جبذ رداءه - صلى الله عليه وسلم - فدعا رجلا فأمره أن يحمل له على بعيره تمرا وشعيرا وفي آخره " ثم التفت إلينا فقال انصرفوا - رحمكم الله تعالى " .
ثم احتج النووي بعمومات تنزيل الناس منازلهم وإكرام ذي الشيبة وتوقير الكبير واعترضه ابن الحاج بما حاصله أن القيام على سبيل الإكرام داخل في العمومات المذكورة لكن محل النزاع قد ثبت النهي عنه فيخص من العمومات .
واستدل النووي أيضا بقيام المغيرة بن شعبة على رأس النبي - صلى الله عليه وسلم - بالسيف واعترضه ابن الحاج بأنه كان بسبب الذب عنه في تلك الحالة من أذى من يقرب منه من المشركين فليس هو من محل النزاع .
ثم ذكر النووي حديث معاوية وحديث أبي أمامة المتقدمين وقدم قبل ذلك ما أخرجه الترمذي عن أنس قال " nindex.php?page=hadith&LINKID=3504097لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك . قال الترمذي : حسن صحيح غريب وترجم له باب كراهية قيام الرجل للرجل ، وترجم لحديث معاوية " باب كراهية القيام للناس قال النووي : وحديث أنس أقرب ما يحتج به والجواب عنه من وجهين أحدهما أنه خاف عليهم الفتنة إذا أفرطوا في تعظيمه فكره قيامهم له لهذا المعنى كما قال لا تطروني ولم يكره قيام بعضهم لبعض فإنه قد قام لبعضهم وقاموا لغيره بحضرته فلم ينكر عليهم بل أقره وأمر به .
ثانيهما أنه كان بينه وبين أصحابه من الأنس وكمال الود والصفاء ما لا يحتمل زيادة بالإكرام بالقيام فلم يكن في القيام مقصود وإن فرض للإنسان صاحب بهذه الحالة لم يحتج إلى القيام .
واعترض ابن الحاج بأنه لا يتم الجواب الأول إلا لو سلم أن الصحابة لم يكونوا يقومون لأحد أصلا فإذا خصوه بالقيام له دخل في الإطراء لكنه قرر أنهم يفعلون ذلك لغيره فكيف يسوغ لهم أن يفعلوا مع غيره ما لا يؤمن معه الإطراء ويتركوه في حقه فإن كان فعلهم ذلك للإكرام فهو أولى بالإكرام لأن المنصوص على الأمر بتوقيره فوق غيره فالظاهر أن قيامهم لغيره إنما كان لضرورة قدوم أو تهنئة أو نحو ذلك من الأسباب المتقدمة لا على صورة محل النزاع وأن كراهته لذلك إنما هي في [ ص: 56 ] صورة محل النزاع أو للمعنى المذموم في حديث معاوية .
قال والجواب عن الثاني أنه لو عكس فقال إن كان الصاحب لم تتأكد صحبته له ولا عرف قدره فهو معذور بترك القيام بخلاف من تأكدت صحبته له وعظمت منزلته منه وعرف مقداره لكان متجها فإنه يتأكد في حقه مزيد البر والإكرام والتوقير أكثر من غيره .
قال ويلزم على قوله أن من كان أحق به وأقرب منه منزلة كان أقل توقيرا له ممن بعد لأجل الأنس وكمال الود والواقع في صحيح الأخبار خلاف ذلك كما وقع في قصة السهو وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه وقد كلمه ذو اليدين مع بعد منزلته منه بالنسبة إلى أبي بكر وعمر .
قال ويلزم على هذا أن خواص العالم والكبير والرئيس لا يعظمونه ولا يوقرونه لا بالقيام ولا بغيره بخلاف من بعد منه وهذا خلاف ما عليه عمل السلف والخلف انتهى كلامه .
وقال النووي في الجواب عن حديث معاوية : إن الأصح والأولى بل الذي لا حاجة إلى ما سواه أن معناه زجر المكلف أن يحب قيام الناس له قال وليس فيه تعرض للقيام بمنهي ولا غيره وهذا متفق عليه .
قال والمنهي عنه محبة القيام فلو لم يخطر بباله فقاموا له أو لم يقوموا فلا لوم عليه فإن أحب ارتكب التحريم سواء قاموا أو لم يقوموا قال فلا يصح الاحتجاج به لترك القيام فإن قيل فالقيام سبب للوقوع في المنهي عنه قلنا هذا فاسد لأنا قدمنا أن الوقوع في المنهي عنه يتعلق بالمحبة خاصة انتهى ملخصا ولا يخفى ما فيه .
واعترضه ابن الحاج بأن الصحابي الذي تلقى ذلك من صاحب الشرع قد فهم منه النهي عن القيام الموقع للذي يقام له في المحذور فصوب فعل من امتنع من القيام دون من قام وأقروه على ذلك وكذا قال ابن القيم في حواشي السنن في سياق حديث معاوية رد على من زعم أن النهي إنما هو في حق من يقوم الرجال بحضرته لأن معاوية إنما روى الحديث حين خرج فقاموا له .
ثم ذكر ابن الحاج من المفاسد التي تترتب على استعمال القيام أن الشخص صار لا يتمكن فيه من التفصيل بين من يستحب إكرامه وبره كأهل الدين والخير والعلم أو يجوز كالمستورين وبين من لا يجوز كالظالم المعلن بالظلم أو يكره كمن لا يتصف بالعدالة وله جاه فلولا اعتياد القيام ما احتاج أحد أن يقوم لمن يحرم إكرامه أو يكره بل جر ذلك إلى ارتكاب النهي لما صار يترتب على الترك من الشر .
قلت ويلتحق بذلك ما تقدم في أجوبة ابن الحاج كالتهنئة لمن حدثت له نعمة أو لإعانة العاجز أو لتوسيع المجلس أو غير ذلك والله أعلم وقد قال nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي : القيام على سبيل الإعظام مكروه وعلى سبيل الإكرام لا يكره ، وهذا تفصيل حسن .
قال ابن التين : قوله في هذه الرواية حكمت فيهم بحكم الملك ضبطناه في رواية القابسي بفتح اللام أي جبريل فيما أخبر به عن الله وفي رواية الأصيلي بكسر اللام أي بحكم الله أي صادفت حكم الله