قوله : ( باب ما يقول إذا سمع المنادي ) هذا لفظ رواية nindex.php?page=showalam&ids=14724أبي داود الطيالسي عن ابن المبارك عن يونس عن الزهري في حديث الباب ، وآثر المصنف عدم الجزم بحكم ذلك لقوة الخلاف فيه كما سيأتي . ثم ظاهر صنيعه يقتضي ترجيح ما عليه الجمهور ، وهو أن يقول مثل ما يقول من الأذان إلا الحيعلتين ، لأن حديث أبي سعيد الذي بدأ به عام ، وحديث معاوية الذي تلاه به يخصصه ، والخاص مقدم على العام .
قوله : ( عن عطاء بن زيد ) في رواية ابن وهب عن مالك ويونس عن الزهري أن عطاء بن يزيد أخبره ، أخرجه أبو عوانة .
( فائدة : اختلف على الزهري في إسناد هذا الحديث ، وعلى مالك أيضا ، لكنه اختلاف لا يقدح في صحته ، فرواه عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سعيد عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12265أحمد بن صالح وأبو حاتم وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي : حديث مالك ومن تابعه أصح ، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=17293يحيى القطان عن مالك عن الزهري عن السائب بن يزيد أخرجه مسدد في مسنده عنه ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني : إنه خطأ والصواب الرواية الأولى ، وفيه اختلاف آخر دون ما ذكر لا نطيل به .
قوله : ( إذا سمعتم ) ظاهره اختصاص الإجابة بمن يسمع حتى لو رأى المؤذن على المنارة مثلا في الوقت وعلم أنه يؤذن لكن لم يسمع أذانه لبعد أو صمم لا تشرع له المتابعة ، قاله النووي في شرح المهذب .
[ ص: 109 ] قوله : ( فقولوا مثل ما يقول المؤذن ) ادعى ابن وضاح أن قول " المؤذن " مدرج ، وأن الحديث انتهى عند قوله " مثل ما يقول " . وتعقب بأن الإدراج لا يثبت بمجرد الدعوى ، وقد اتفقت الروايات في الصحيحين والموطأ على إثباتها ، ولم يصب صاحب العمدة في حذفها .
قوله : ( ما يقول ) قال الكرماني : قال " ما يقول " ولم يقل مثل ما قال ليشعر بأنه يجيبه بعد كل كلمة مثل كلمتها . قلت : والصريح في ذلك ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي من حديث أم حبيبة nindex.php?page=hadith&LINKID=842153أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقول كما يقول المؤذن حتى يسكت وأما أبو الفتح اليعمري فقال : ظاهر الحديث أنه يقول مثل ما يقول عقب فراغ المؤذن ، لكن الأحاديث التي تضمنت إجابة كل كلمة عقبها دلت على أن المراد المساوقة ، يشير إلى حديث nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب الذي عند مسلم وغيره ، فلو لم يجاوبه حتى فرغ استحب له التدارك إن لم يطل الفصل . قاله النووي في شرح المهذب بحثا . وقد قالوه فيما إذا كان له عذر كالصلاة ، وظاهر قوله مثل أنه يقول مثل قوله في جميع الكلمات ، لكن حديث عمر أيضا وحديث معاوية الآتي يدلان على أنه يستثنى من ذلك " حي على الصلاة وحي على الفلاح " فيقول بدلهما " لا حول ولا قوة إلا بالله " كذلك استدل به nindex.php?page=showalam&ids=13113ابن خزيمة وهو المشهور عند الجمهور ، وقال ابن المنذر يحتمل أن يكون ذلك من الاختلاف المباح فيقول تارة كذا وتارة كذا ، وحكى بعض المتأخرين عن بعض أهل الأصول أن الخاص والعام إذا أمكن الجمع بينهما وجب إعمالهما ، قال : فلم لا يقال يستحب للسامع أن يجمع بين الحيعلة والحوقلة ، وهو وجه عند الحنابلة .
أجيب عن المشهور من حيث المعنى بأن الأذكار الزائدة على الحيعلة يشترك السامع والمؤذن في ثوابها ، وأما الحيعلة فمقصودها الدعاء إلى الصلاة ، وذلك يحصل من المؤذن ، فعوض السامع عما يفوته من ثواب الحيعلة بثواب الحوقلة . ولقائل أن يقول : يحصل للمجيب الثواب لامتثاله الأمر ، ويمكن أن يزداد استيقاظا وإسراعا إلى القيام إلى الصلاة إذا تكرر على سمعه الدعاء إليها من المؤذن ومن نفسه . ويقرب من ذلك الخلاف في قول المأموم " سمع الله لمن حمده " كما سيأتي في موضعه . وقال الطيبي : معنى الحيعلتين هلم بوجهك وسريرتك إلى الهدى عاجلا والفوز بالنعيم آجلا ، فناسب أن يقول : هذا أمر عظيم لا أستطيع مع ضعفي القيام به إلا إذا وفقني الله بحوله وقوته . ومما لوحظت فيه المناسبة ما نقل عبد الرزاق عن ابن جريج قال : حدثت أن الناس كانوا ينصتون للمؤذن إنصاتهم للقراءة فلا يقول شيئا إلا قالوا مثله ، حتى إذا قال " حي على الصلاة " قالوا " لا حول ولا قوة إلا بالله " وإذا قال " حي على الفلاح " قالوا " ما شاء الله " . انتهى . وإلى هذا صار بعض الحنفية .
وروى ابن أبي شيبة مثله عن عثمان ، وروي عن سعيد بن جبير قال : يقول في جواب الحيعلة : سمعنا وأطعنا . ووراء ذلك وجوه من الاختلاف أخرى ، قيل لا يجيبه إلا في التشهدين فقط ، وقيل هما والتكبير ، وقيل يضيف إلى ذلك الحوقلة دون ما في آخره ، وقيل مهما أتى به مما يدل على التوحيد والإخلاص كفاه وهو اختيار nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي ، وحكوا أيضا خلافا : هل يجيب في الترجيع أو لا ، وفيما إذا أذن مؤذن آخر هل يجيبه بعد إجابته للأول أو لا . قال النووي : لم أر فيه شيئا لأصحابنا . وقال ابن عبد السلام : يجيب كل واحد بإجابة لتعدد السبب ، وإجابة الأول أفضل ، إلا في الصبح والجمعة فإنهما سواء لأنهما [ ص: 110 ] مشروعان . وفي الحديث دليل على أن لفظ المثل لا يقتضي المساواة من كل جهة ، لأن قوله مثل ما يقول لا يقصد به رفع الصوت المطلوب من المؤذن ، كذا قيل وفيه بحث ، لأن المماثلة وقعت في القول لا في صفته ، والفرق بين المؤذن والمجيب في ذلك أن المؤذن مقصوده الإعلام فاحتاج إلى رفع الصوت ، والسامع مقصوده ذكر الله فيكتفي بالسر أو الجهر لا مع الرفع . نعم لا يكفيه أن يجريه على خاطره من غير تلفظ لظاهر الأمر بالقول . وأغرب ابن المنير فقال : حقيقة الأذان جميع ما يصدر عن المؤذن من قول وفعل وهيئة .
وتعقب بأن الأذان معناه الإعلام لغة ، وخصه الشرع بألفاظ مخصوصة في أوقات مخصوصة فإذا وجدت الأذان ، وما زاد على ذلك من قول أو فعل أو هيئة يكون من مكملاته - صلى الله عليه وسلم - ويوجد الأذان من دونها . ولو كان على ما أطلق لكان ما أحدث من التسبيح قبل الصبح وقبل الجمعة ومن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - من جملة الأذان ، وليس كذلك لا لغة ولا شرعا . واستدل به على جواز إجابة المؤذن في الصلاة عملا بظاهر الأمر ، ولأن المجيب لا يقصد المخاطبة ، وقيل يؤخر الإجابة حتى يفرغ لأن في الصلاة شغلا ، وقيل يجيب إلا في الحيعلتين لأنهما كالخطاب للآدميين والباقي من ذكر الله فلا يمنع . لكن قد يقال : من يبدل الحيعلة بالحوقلة لا يمنع ، لأنها من ذكر الله ، قاله ابن دقيق العيد . وفرق ابن عبد السلام في فتاويه بين ما إذا كان يقرأ الفاتحة فلا يجيب بناء على وجوب موالاتها وإلا فيجيب ، وعلى هذا إن أجاب في الفاتحة استأنف ، وهذا قاله بحثا ، والمشهور في المذهب كراهة الإجابة في الصلاة بل يؤخرها حتى يفرغ ، وكذا في حال الجماع والخلاء ، لكن إن أجاب بالحيعلة بطلت كذا أطلقه كثير منهم ، ونص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الأم على عدم فساد الصلاة بذلك ، واستدل به على مشروعية إجابة المؤذن في الإقامة ، قالوا : إلا في كلمتي الإقامة فيقول " أقامها الله وأدامها " وقياس إبدال الحيعلة بالحوقلة في الأذان أن يجيء هنا ، لكن قد يفرق بأن الأذان إعلام عام فيعسر على الجميع أن يكونوا دعاة إلى الصلاة ، والإقامة إعلام خاص وعدد من يسمعها محصور فلا يعسر أن يدعو بعضهم بعضا واستدل به على وجوب إجابة المؤذن ، حكاه nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي عن قوم من السلف وبه قال الحنفية وأهل الظاهر nindex.php?page=showalam&ids=16472وابن وهب ، واستدل للجمهور بحديث أخرجه مسلم وغيره nindex.php?page=hadith&LINKID=842154إنه - صلى الله عليه وسلم - سمع مؤذنا فلما كبر قال : على الفطرة ، فلما تشهد قال : خرج من النار قال : فلما قال - عليه الصلاة والسلام - غير ما قال المؤذن علمنا أن الأمر بذلك للاستحباب . وتعقب بأنه ليس في الحديث أنه لم يقل مثل ما قال ، فيجوز أن يكون قاله ولم ينقله الراوي اكتفاء بالعادة ونقل القول الزائد ، وبأنه يحتمل أن يكون ذلك وقع قبل صدور الأمر ، ويحتمل أن يكون الرجل لما أمر لم يرد أن يدخل نفسه في عموم من خوطب بذلك ، قيل ويحتمل أن يكون الرجل لم يقصد الأذان لكن يرد هذا الأخير أن في بعض طرقه أنه حضرته الصلاة