قوله باب الصبر عن محارم الله يدخل في هذا المواظبة على فعل الواجبات والكف عن المحرمات وذلك ينشأ عن علم العبد بقبحها وأن الله حرمها صيانة لعبده عن الرذائل فيحمل ذلك العاقل على تركها ولو لم يرد على فعلها وعيد ومنها الحياء منه والخوف منه أن يوقع وعيده فيتركها لسوء عاقبتها وأن العبد منه بمرأى ومسمع فيبعثه ذلك على الكف عما نهي عنه ومنها مراعاة النعم فإن المعصية غالبا تكون سببا لزوال النعمة ومنها محبة الله فإن المحب يصير نفسه على مراد من يحب وأحسن ما وصف به الصبر أنه حبس النفس عن المكروه وعقد اللسان عن الشكوى والمكابدة في تحمله وانتظار الفرج وقد أثنى الله على الصابرين في عدة آيات وتقدم في أوائل كتاب الإيمان حديث nindex.php?page=hadith&LINKID=856638الصبر نصف الإيمان معلقا .
قال الراغب : الصبر الإمساك في ضيق صبرت الشيء حبسته فالصبر حبس النفس على ما يقتضيه العقل أو الشرع وتختلف معانيه بتعلقاته فإن كان عن مصيبة سمي صبرا فقط وإن كان في لقاء عدو سمي شجاعة وإن كان عن كلام سمي كتمانا وإن كان عن تعاطي ما نهي عنه سمي عفة قلت وهو المقصود هنا
قوله ( وقال عمر : وجدنا خير عيشنا بالصبر ) كذا للأكثر nindex.php?page=showalam&ids=15086وللكشميهني بحذف الموحدة وهو بالنصب على نزع الخافض والأصل في الصبر والباء بمعنى في ، وقد وصله أحمد في " كتاب الزهد " بسند صحيح عن مجاهد قال قال عمر " وجدنا خير عيشنا الصبر " وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " من طريق أحمد كذلك [ ص: 310 ] وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=16418عبد الله بن المبارك في " كتاب الزهد " من وجه آخر عن مجاهد به وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم من رواية مجاهد عن nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب عن عمر والصبر إن عدي بعن كان في المعاصي وإن عدي بعلى كان في الطاعات وهو في الآية والحديث وفي أثر عمر شامل للأمرين والترجمة لبعض ما دل عليه الحديث وذكر فيه حديثين أحدهما حديث nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري :
9673 قوله أن أناسا من الأنصار ) لم أقف على أسمائهم وتقدم في الزكاة من طريق مالك عن ابن شهاب الإشارة إلى أن منهم أبا سعيد ووقع عند أحمد من طريق أبي بشر عن nindex.php?page=showalam&ids=12179أبي نضرة عن أبي سعيد " إن رجلا كان ذا حاجة فقال له أهله ائت النبي - صلى الله عليه وسلم - فاسأله فأتاه " فذكر نحو المتن المذكور هنا ومن طريق عمارة بن غزية عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه قال " سرحتني أمي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسأله فأتيته فقال " الحديث فعرف المراد بقوله : أهله " ومن طريق هلال بن حصين قال " نزلت على أبي سعيد فحدث أنه أصبح وقد عصب على بطنه حجرا من الجوع فقالت له امرأته أو أمه ائت النبي - صلى الله عليه وسلم - فاسأله فقد أتاه فلان فسأله فأعطاه " الحديث ووقع عند البزار من حديث عبد الرحمن بن عوف أنه وقع له نحو ما وقع لأبي سعيد وأن ذلك حين افتتحت قريظة .
قوله أن ناسا في بعض النسخ " أن أناسا " والمعنى واحد
قوله فلم يسأله أحد منهم كذا للكشميهني ولغيره بحذف الضمير وتقدم في الزكاة بلفظ " سألوا فأعطاهم ثم سألوه فأعطاهم " وفي رواية معمر عن الزهري عند أحمد " فجعل لا يسأله أحد منهم إلا أعطاه "
قوله حتى نفد بفتح النون وكسر الفاء أي فرغ . قوله فقال لهم حين نفد كل شيء أنفق بيديه يحتمل أن تكون هذه الجملة حالية أو اعتراضية أو استئنافية والباء تتعلق بقوله : شيء " ويحتمل أن تتعلق بقوله " أنفق " ووقع في رواية معمر " فقال لهم حين أنفق كل شيء بيده " وسقطت هذه الزيادة من رواية مالك .
قوله ما يكون عندي من خير أي مال وما موصولة متضمنة معنى الشرط وفي رواية صوبها الدمياطي " ما يكن " وما حينئذ شرطية وليست الأولى خطأ
قوله لا أدخره عنكم بالإدغام وبغيره وفي رواية مالك " فلم " وعنه " فلن أدخره عنكم " أي أجعله ذخيرة لغيركم معرضا عنكم وداله مهملة وقيل معجمة
قوله ومن يستغن يغنه الله ) قدم في رواية مالك الاستغناء على التصبر ووقع في رواية عبد الرحمن بن أبي سعيد بدل التصبر ومن استكفى كفاه الله وزاد ومن سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف وزاد في رواية هلال ومن سألنا إما أن نبذل له وإما أن نواسيه ومن يستعف أو يستغن أحب إلينا ممن يسألنا .
قوله ولن تعطوا عطاء في رواية مالك " وما أعطي أحد عطاء " وأعطي بضم أوله على البناء للمجهول
قوله خيرا وأوسع من الصبر ) كذا بالنصب في هذه الرواية وهو متجه ووقع في رواية مالك " هو خير " بالرفع ولمسلم " عطاء خير " قال النووي : كذا في نسخ مسلم خير بالرفع وهو صحيح والتقدير هو خير كما في [ ص: 311 ] رواية nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري يعني من طريق مالك . وفي الحديث الحض على الاستغناء عن الناس والتعفف عن سؤالهم بالصبر والتوكل على الله وانتظار ما يرزقه الله وأن الصبر أفضل ما يعطاه المرء لكون الجزاء عليه غير مقدر ولا محدود وقال القرطبي : معنى قوله : من يستعف " أي يمتنع عن السؤال ، وقوله " يعفه الله " أي إنه يجازيه على استعفافه بصيانة وجهه ودفع فاقته وقوله " ومن يستغن " أي بالله عمن سواه ، وقوله " يغنه " أي فإنه يعطيه ما يستغني به عن السؤال ويخلق في قلبه الغنى فإن الغنى غنى النفس كما تقدم تقريره وقوله : ومن يتصبر " أي يعالج نفسه على ترك السؤال ويصبر إلى أن يحصل له الرزق وقوله : يصبره الله " أي فإنه يقويه ويمكنه من نفسه حتى تنقاد له ويذعن لتحمل الشدة فعند ذلك يكون الله معه فيظفره بمطلوبه وقال nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي : لما كان التعفف يقتضي ستر الحال عن الخلق وإظهار الغنى عنهم فيكون صاحبه معاملا لله في الباطن فيقع له الربح على قدر الصدق في ذلك وإنما جعل الصبر خير العطاء لأنه حبس النفس عن فعل ما تحبه وإلزامها بفعل ما تكره في العاجل مما لو فعله أو تركه لتأذى به في الآجل وقال الطيبي : معنى قوله من يستعفف يعفه الله أي إن عف عن السؤال ولو لم يظهر الاستغناء عن الناس لكنه إن أعطي شيئا لم يتركه يملأ الله قلبه غنى بحيث لا يحتاج إلى سؤال ومن زاد على ذلك فأظهر الاستغناء فتصبر ولو أعطي لم يقبل فذاك أرفع درجة فالصبر جامع لمكارم الأخلاق وقال ابن التين : معنى قوله : يعفه الله " إما أن يرزقه من المال ما يستغني به عن السؤال وإما أن يرزقه القناعة والله أعلم