6126 حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15304أبو معمر حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16501عبد الوارث حدثنا جعد بن دينار أبو عثمان حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12004أبو رجاء العطاردي عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما nindex.php?page=hadith&LINKID=656010عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه عز وجل قال قال إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة فإن هو هم بها فعملها كتبها الله له عنده عشر حسنات إلى سبع مائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة فإن هو هم بها فعملها كتبها الله له سيئة واحدة
[ ص: 331 ] قوله باب من هم بحسنة أو بسيئة الهم ترجيح قصد الفعل تقول هممت بكذا أي قصدته بهمتي وهو فوق مجرد خطور الشيء بالقلب
قوله حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15304أبو معمر هو عبد الله بن عمرو بن الحجاج المنقري بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف nindex.php?page=showalam&ids=16501وعبد الوارث هو ابن سعيد والسند كله بصريون وجعد بن دينار تابعي صغير وهو الجعد أبو عثمان الراوي عن أنس في أواخر النفقات وفي غيرها
قوله عن ابن عباس ) في رواية الحسن بن ذكوان عن أبي رجاء " حدثني ابن عباس " أخرجه أحمد
قوله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ) في رواية مسدد عند nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي " عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ولم أر في شيء من الطرق التصريح بسماع ابن عباس له من النبي - صلى الله عليه وسلم -
قوله فيما يروي عن ربه هذا من الأحاديث الإلهية ثم هو محتمل أن يكون مما تلقاه - صلى الله عليه وسلم - عن ربه بلا واسطة ويحتمل أن يكون مما تلقاه بواسطة الملك وهو الراجح وقال الكرماني : يحتمل أن يكون من الأحاديث القدسية ويحتمل أن يكون للبيان لما فيه من الإسناد الصريح إلى الله حيث قال " إن الله كتب " ويحتمل أن يكون لبيان الواقع وليس فيه أن غيره ليس كذلك لأنه - صلى الله عليه وسلم - لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى بل فيه أن غيره كذلك إذ قال " فيما يرويه " أي في جملة ما يرويه انتهى ملخصا .
والثاني لا ينافي الأول وهو المعتمد فقد أخرجه مسلم من طريق جعفر بن سليمان عن الجعد ولم يسق لفظه وأخرجه أبو عوانة من طريق عفان وأبو نعيم من طريق قتيبة كلاهما عن جعفر بلفظ " فيما يروي عن ربه قال إن ربكم رحيم من هم بحسنة " وسيأتي في التوحيد من طريق nindex.php?page=showalam&ids=13724الأعرج عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة بلفظ " عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يقول الله عز وجل إذا أراد عبدي أن يعمل " وأخرجه مسلم بنحوه من هذا الوجه ومن طرق أخرى منها عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : قال الله عز وجل إذا هم عبدي "
قوله إن الله عز وجل كتب الحسنات والسيئات يحتمل أن يكون هذا من قول الله - تعالى - فيكون التقدير قال الله إن الله كتب ويحتمل أن يكون من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - يحكيه عن فعل الله - تعالى - وفاعل " ثم بين ذلك " هو الله - تعالى - وقوله " فمن هم " شرح ذلك
قوله ثم بين ذلك أي فصله بقوله " فمن هم " والمجمل قوله : كتب الحسنات والسيئات " وقوله : كتب قال الطوفي أي أمر الحفظة أن تكتب أو المراد قدر ذلك في علمه على وفق الواقع منها وقال غيره المراد قدر [ ص: 332 ] ذلك وعرف الكتبة من الملائكة ذلك التقدير فلا يحتاج إلى الاستفسار في كل وقت عن كيفية الكتابة لكونه أمرا مفروغا منه انتهى وقد يعكر على ذلك ما أخرجه مسلم من طريق همام عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رفعه قال nindex.php?page=hadith&LINKID=855627قالت الملائكة رب ذاك عبدك يريد أن يعمل سيئة وهو أبصر به ، فقال ارقبوه فإن عملها فاكتبوها فهذا ظاهره وقوع المراجعة لكن ذلك مخصوص بإرادة عمل السيئة ويحتمل أن يكون ذلك وقع في ابتداء الأمر فلما حصل الجواب استقر ذلك فلا يحتاج إلى المراجعة بعده وقد وجدت عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ما يوافق ظاهر الخبر وأن المؤاخذة إنما تقع لمن هم على الشيء فشرع فيه . لا من هم به ولم يتصل به العمل فقال في صلاة الخوف لما ذكر العمل الذي يبطلها ما حاصله إن من أحرم بالصلاة وقصد القتال فشرع فيه بطلت صلاته ومن تحرم وقصد إلى العدو لو دهمه دفعه بالقتال لم تبطل
قوله فمن هم ) كذا في رواية ابن سيرين عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عند مسلم وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=13724الأعرج في التوحيد " إذا أراد " وأخرجه مسلم من هذا الوجه بلفظ " إذا هم " كذا عنده من رواية العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة فهما بمعنى واحد ووقع لمسلم أيضا من رواية همام عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة بلفظ " إذا تحدث " وهو محمول على حديث النفس لتوافق الروايات الأخرى ويحتمل أن يكون على ظاهره ولكن ليس قيدا في كتابة الحسنة بل بمجرد الإرادة تكتب الحسنة نعم ورد ما يدل على أن مطلق الهم والإرادة لا يكفي فعند أحمد وصححه nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم من حديث خريم بن فاتك رفعه ومن هم بحسنة يعلم الله أنه قد أشعر بها قلبه وحرص عليها وقد تمسك به nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان فقال بعد إيراد حديث الباب في صحيحه المراد بالهم هنا العزم ثم قال ويحتمل أن الله يكتب الحسنة بمجرد الهم بها وإن لم يعزم عليها زيادة في الفضل
قوله فلم يعملها يتناول نفي عمل الجوارح وأما عمل القلب فيحتمل نفيه أيضا إن كانت الحسنة تكتب بمجرد الهم كما في معظم الأحاديث لا إن قيدت بالتصميم كما في حديث خريم ويؤيد الأول حديث أبي ذر عند مسلم أن الكف عن الشر صدقة
قوله كتبها الله له أي للذي هم بالحسنة عنده أي عند الله حسنة كاملة ) كذا ثبت في حديث ابن عباس دون حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة وغيره وصف الحسنة بكونها كاملة وكذا قوله " عنده " وفيهما نوعان من التأكيد فأما العندية فإشارة إلى الشرف وأما الكمال فإشارة إلى رفع توهم نقصها لكونها نشأت عن الهم المجرد فكأنه قيل بل هي كاملة لا نقص فيها قال النووي : أشار بقوله : عنده " إلى مزيد الاعتناء به ، وبقوله " كاملة " إلى تعظيم الحسنة وتأكيد أمرها وعكس ذلك في السيئة فلم يصفها بكاملة بل أكدها بقوله : واحدة " إشارة إلى تخفيفها مبالغة في الفضل والإحسان ومعنى قوله " كتبها الله " أمر الحفظة بكتابتها بدليل حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة الآتي في التوحيد بلفظ إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها وفيه دليل على أن الملك يطلع على ما في قلب الآدمي إما بإطلاع الله إياه أو بأن يخلق له علما يدرك به ذلك ويؤيد الأول ما أخرجه ابن أبي الدنيا nindex.php?page=hadith&LINKID=855628عن nindex.php?page=showalam&ids=12107أبي عمران الجوني قال ينادى الملك اكتب لفلان كذا وكذا فيقول يا رب إنه لم يعمله فيقول إنه نواه وقيل بل يجد الملك للهم بالسيئة رائحة خبيثة وبالحسنة رائحة طيبة وأخرج ذلك الطبري عن nindex.php?page=showalam&ids=12158أبي معشر المدني وجاء مثله عن سفيان بن عيينة ورأيت في شرح مغلطاي أنه ورد مرفوعا قال الطوفي إنما كتبت الحسنة بمجرد الإرادة لأن إرادة الخير سبب إلى العمل وإرادة الخير خير لأن إرادة الخير من عمل القلب واستشكل بأنه إذا كان كذلك فكيف لا تضاعف لعموم قوله من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وأجيب بحمل الآية على [ ص: 333 ] عمل الجوارح والحديث على الهم المجرد واستشكل أيضا بأن عمل القلب إذا اعتبر في حصول الحسنة فكيف لم يعتبر في حصول السيئة ؟ وأجيب بأن ترك عمل السيئة التي وقع الهم بها يكفرها لأنه قد نسخ قصده السيئة وخالف هواه ثم إن ظاهر الحديث حصول الحسنة بمجرد الترك سواء كان ذلك لمانع أم لا ويتجه أن يقال يتفاوت عظم الحسنة بحسب المانع فإن كان خارجيا مع بقاء قصد الذي هم بفعل الحسنة فهي عظيمة القدر ولا سيما إن قارنها ندم على تفويتها واستمرت النية على فعلها عند القدرة وإن كان الترك من الذي هم من قبل نفسه فهي دون ذلك إلا إن قارنها قصد الإعراض عنها جملة والرغبة عن فعلها ولا سيما إن وقع العمل في عكسها كأن يريد أن يتصدق بدرهم مثلا فصرفه بعينه في معصية فالذي يظهر في الأخير أن لا تكتب له حسنة أصلا وأما ما قبله فعلى الاحتمال واستدل بقوله حسنة كاملة على أنها تكتب حسنة مضاعفة لأن ذلك هو الكمال لكنه مشكل يلزم منه مساواة من نوى الخير بمن فعله في أن كلا منهما يكتب له حسنة وأجيب بأن التضعيف في الآية يقتضي اختصاصه بالعامل لقوله - تعالى - : من جاء بالحسنة والمجيء بها هو العمل وأما الناوي فإنما ورد أنه يكتب له حسنة ومعناه يكتب له مثل ثواب الحسنة والتضعيف قدر زائد على أصل الحسنة والعلم عند الله - تعالى -
قوله فإن هم بها وعملها كتبها الله له عنده عشر حسنات ) يؤخذ منه رفع توهم أن حسنة الإرادة تضاف إلى عشرة التضعيف فتكون الجملة إحدى عشرة على ما هو ظاهر رواية جعفر بن سليمان عند مسلم ولفظه فإن عملها كتبت له عشر أمثالها وكذا في حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة وفي بعض طرقه احتمال ورواية عبد الوارث في الباب ظاهرة فيما قلته وهو المعتمد قال ابن عبد السلام في أماليه معنى الحديث إذا هم بحسنة فإن كتبت له حسنة عملها كملت له عشرة لأنا نأخذ بقيد كونها قد هم بها وكذا السيئة إذا عملها لا تكتب واحدة للهم وأخرى للعمل بل تكتب واحدة فقط .
قلت الثاني صريح في حديث هذا الباب وهو مقتضى كونها في جميع الطرق لا تكتب بمجرد الهم وأما حسنة الهم بالحسنة فالاحتمال قائم وقوله بقيد كونها قد هم بها يعكر عليه من عمل حسنة بغتة من غير أن يسبق له أنه هم بها فإن قضية كلامه أنه يكتب له تسعة وهو خلاف ظاهر الآية من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها فإنه يتناول من هم بها ومن لم يهم والتحقيق أن حسنة من هم بها تندرج في العمل في عشرة لعمل لكن تكون حسنة من هم بها أعظم قدرا ممن لم يهم بها والعلم عند الله - تعالى -
قوله إلى سبعمائة ضعف الضعف في اللغة المثل والتحقيق أنه اسم يقع على العدد بشرط أن يكون معه عدد آخر فإذا قيل ضعف العشرة فهم أن المراد عشرون ومن ذلك لو أقر بأن له عندي ضعف درهم لزمه درهمان أو ضعفي درهم لزمه ثلاثة
قوله إلى أضعاف كثيرة لم يقع في شيء من طرق حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة " إلى أضعاف كثيرة " إلا في حديثه الماضي في الصيام فإن في بعض طرقه عند مسلم " إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله " وله من حديث أبي ذر رفعه يقول الله من عمل حسنة فله عشر أمثالها وأزيد وهو بفتح الهمزة وكسر الزاي وهذا يدل على أن تضعيف حسنة العمل إلى عشرة مجزوم به وما زاد عليها جائز وقوعه بحسب الزيادة في الإخلاص وصدق العزم وحضور القلب وتعدي النفع كالصدقة الجارية والعلم النافع والسنة الحسنة وشرف العمل ونحو ذلك وقد قيل إن العمل الذي يضاعف إلى سبعمائة خاص بالنفقة في سبيل الله وتمسك قائله بما في حديث خريم بن فاتك المشار إليه قريبا رفعه " nindex.php?page=hadith&LINKID=855629من هم بحسنة فلم يعملها " فذكر الحديث وفيه ومن عمل حسنة كانت له بعشر أمثالها ، ومن
قوله ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة المراد بالكمال عظم القدر كما تقدم لا التضعيف إلى العشرة ولم يقع التقييد بكاملة في طرق حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة وظاهر الإطلاق كتابة الحسنة بمجرد الترك لكنه قيده في حديث nindex.php?page=showalam&ids=13724الأعرج عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة كما سيأتي في كتاب التوحيد ولفظه nindex.php?page=hadith&LINKID=848817إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها فإن عملها فاكتبوها له بمثلها وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة وأخرجه مسلم من هذا الوجه لكن لم يقع عنده " من أجلي " ووقع عنده من طريق همام عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة " وإن تركها فاكتبوها له حسنة إنما تركها من جراي " بفتح الجيم وتشديد الراء بعد الألف ياء المتكلم وهي بمعنى من أجلي ونقل عياض عن بعض العلماء أنه حمل حديث ابن عباس على عمومه ثم صوب حمل مطلقه على ما قيد في حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة .
قلت ويحتمل أن تكون حسنة من ترك بغير استحضار ما قيد به دون حسنة الآخر لما تقدم أن ترك المعصية كف عن الشر والكف عن الشر خير ويحتمل أيضا أن يكتب لمن هم بالمعصية ثم تركها حسنة مجردة فإن تركها من مخافة ربه سبحانه كتبت حسنة مضاعفة وقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : محل كتابة الحسنة على الترك أن يكون التارك قد قدر على الفعل ثم تركه لأن الإنسان لا يسمى تاركا إلا مع القدرة ويدخل فيه من حال بينه وبين حرصه على الفعل مانع كأن يمشي إلى امرأة ليزني بها مثلا فيجد الباب مغلقا ويتعسر فتحه ومثله من تمكن من الزنا مثلا فلم ينتشر أو طرقه ما يخاف من أذاه عاجلا ووقع في حديث أبي كبشة الأنماري ما قد يعارض ظاهر حديث الباب وهو ما أخرجه أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي وصححه بلفظ إنما الدنيا لأربعة فذكر الحديث وفيه nindex.php?page=hadith&LINKID=855631وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما فهو يعمل في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ولا يرى لله فيه حقا فهذا بأخبث المنازل ورجل لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان فهما في الوزر سواء فقيل الجمع بين الحديثين بالتنزيل على حالتين فتحمل الحالة الأولى على من هم بالمعصية هما مجردا من غير تصميم والحالة الثانية على من صمم على ذلك وأصر عليه .
وهو موافق لما ذهب إليه الباقلاني وغيره ; قال المازري : ذهب ابن الباقلاني يعني ومن تبعه إلى أن من عزم على المعصية بقلبه ووطن عليها نفسه أنه يأثم وحمل الأحاديث الواردة في العفو عمن هم بسيئة ولم يعملها على الخاطر الذي يمر بالقلب ولا يستقر قال المازري : وخالفه كثير من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين ونقل ذلك عن نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ويؤيده قوله في حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة فيما أخرجه مسلم من طريق همام عنه بلفظ nindex.php?page=hadith&LINKID=855632فأنا أغفرها له ما لم يعملها فإن الظاهر أن المراد بالعمل هنا عمل الجارحة بالمعصية المهموم به وتعقبه عياض بأن عامة السلف وأهل العلم على ما قال ابن الباقلاني لاتفاقهم على المؤاخذة بأعمال القلوب لكنهم قالوا إن العزم على السيئة يكتب سيئة مجردة لا السيئة التي هم أن يعملها كمن يأمر بتحصيل معصية ثم لا يفعلها بعد حصولها فإنه يأثم بالأمر المذكور لا بالمعصية ومما يدل على ذلك حديث nindex.php?page=hadith&LINKID=855633إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار قيل هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال إنه كان حريصا على قتل صاحبه وسيأتي سياقه وشرحه في كتاب الفتن والذي يظهر أنه من هذا الجنس وهو أنه يعاقب على عزمه بمقدار ما يستحقه ولا يعاقب عقاب من باشر [ ص: 335 ] القتل حسا .
وهنا قسم آخر وهو من فعل المعصية ولم يتب منها ثم هم أن يعود إليها فإنه يعاقب على الإصرار كما جزم به ابن المبارك وغيره في تفسير قوله : - تعالى - ولم يصروا على ما فعلوا ويؤيده أن الإصرار معصية اتفاقا فمن عزم على المعصية وصمم عليها كتبت عليه سيئة فإذا عملها كتبت عليه معصية ثانية قال النووي : وهذا ظاهر حسن لا مزيد عليه وقد تظاهرت نصوص الشريعة بالمؤاخذة على عزم القلب المستقر كقوله - تعالى - إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة الآية وقوله : اجتنبوا كثيرا من الظن وغير ذلك وقال nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي : إذا حدث نفسه بالمعصية لم يؤاخذ فإن عزم وصمم زاد على حديث النفس وهو من عمل القلب قال والدليل على التفريق بين الهم والعزم أن من كان في الصلاة فوقع في خاطره أن يقطعها لم تنقطع فإن صمم على قطعها بطلت وأجيب عن القول الأول بأن المؤاخذة على أعمال القلوب المستقلة بالمعصية لا تستلزم المؤاخذة على عمل القلب بقصد معصية الجارحة إذا لم يعمل المقصود للفرق بين ما هو بالقصد وما هو بالوسيلة وقسم بعضهم ما يقع في النفس أقساما يظهر منها الجواب عن الثاني أضعفها أن يخطر له ثم يذهب في الحال وهذا من الوسوسة وهو معفو عنه وهو دون التردد وفوقه أن يتردد فيه فيهم به ثم ينفر عنه فيتركه ثم يهم به ثم يترك كذلك ولا يستمر على قصده وهذا هو التردد فيعفى عنه أيضا وفوقه أن يميل إليه ولا ينفر عنه لكن لا يصمم على فعله وهذا هو الهم فيعفى عنه أيضا وفوقه أن يميل إليه ولا ينفر منه بل يصمم على فعله فهذا هو العزم وهو منتهى الهم .
وهو على قسمين القسم الأول أن يكون من أعمال القلوب صرفا كالشك في الوحدانية أو النبوة أو البعث فهذا كفر ويعاقب عليه جزما ودونه المعصية التي لا تصل إلى الكفر كمن يحب ما يبغض الله ويبغض ما يحبه الله ويحب للمسلم الأذى بغير موجب لذلك فهذا يأثم ويلتحق به الكبر والعجب والبغي والمكر والحسد وفي بعض هذا خلاف فعن nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري أن سوء الظن بالمسلم وحسده معفو عنه وحملوه على ما يقع في النفس مما لا يقدر على دفعه لكن من يقع له ذلك مأمور بمجاهدته النفس على تركه والقسم الثاني أن يكون من أعمال الجوارح كالزنا والسرقة فهو الذي وقع فيه النزاع فذهبت طائفة إلى عدم المؤاخذة بذلك أصلا عن نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ويؤيده ما وقع في حديث خريم بن فاتك المنبه عليه قبل فإنه حيث ذكر الهم بالحسنة قال علم الله أنه أشعرها قلبه وحرص عليها وحيث ذكر الهم بالسيئة لم يقيد بشيء بل قال فيه ومن هم بسيئة لم تكتب عليه والمقام مقام الفضل فلا يليق التحجير فيه .
وذهب كثير من العلماء إلى المؤاخذة بالعزم المصمم وسأل ابن المبارك nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري : أيؤاخذ العبد بما يهم به ؟ قال إذا جزم بذلك واستدل كثير منهم بقوله - تعالى - ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم وحملوا حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة الصحيح المرفوع nindex.php?page=hadith&LINKID=855634إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم على الخطرات كما تقدم ثم افترق هؤلاء فقالت طائفة يعاقب عليه صاحبه في الدنيا خاصة بنحو الهم والغم وقالت طائفة بل يعاقب عليه يوم القيامة لكن بالعتاب لا بالعذاب وهذا قول nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج nindex.php?page=showalam&ids=14354والربيع بن أنس وطائفة ونسب ذلك إلى ابن عباس أيضا واستدلوا بحديث النجوى الماضي شرحه في " باب ستر المؤمن على نفسه " من كتاب الأدب واستثنى جماعة ممن ذهب إلى عدم مؤاخذة من وقع منه الهم بالمعصية ما يقع في الحرم المكي ولو لم يصمم لقوله - تعالى - ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم ذكره nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي في تفسيره عن مرة عن ابن مسعود وأخرجه أحمد من طريقه مرفوعا ومنهم من رجحه موقوفا ويؤيد ذلك أن الحرم يجب اعتقاد تعظيمه فمن هم بالمعصية فيه خالف الواجب بانتهاك حرمته وتعقب هذا البحث بأن تعظيم الله آكد من تعظيم الحرم ومع ذلك فمن هم بمعصيته لا يؤاخذه فكيف يؤاخذ بما دونه ؟ ويمكن أن يجاب عن هذا بأن انتهاك حرمة الحرم بالمعصية تستلزم انتهاك حرمة الله لأن تعظيم الحرم من تعظيم الله [ ص: 336 ] فصارت المعصية في الحرم أشد من المعصية في غيره وإن اشترك الجميع في ترك تعظيم الله - تعالى - نعم من هم بالمعصية قاصدا الاستخفاف بالحرم عصى ومن هم بمعصية الله قاصدا الاستخفاف بالله كفر وإنما المعفو عنه من هم بمعصية ذاهلا عن قصد الاستخفاف وهذا تفصيل جيد ينبغي أن يستحضر عند شرح حديث لا يزني الزاني وهو مؤمن .
وقال السبكي الكبير : الهاجس لا يؤاخذ به إجماعا والخاطر وهو جريان ذلك الهاجس وحديث النفس لا يؤاخذ بهما للحديث المشار إليه والهم وهو قصد فعل المعصية مع التردد لا يؤاخذ به لحديث الباب والعزم - وهو قوة ذلك القصد أو الجزم به ورفع التردد - قال المحققون يؤاخذ به وقال بعضهم لا واحتج بقول أهل اللغة هم بالشيء عزم عليه وهذا لا يكفي ، قال ومن أدلة الأول حديث إذا التقى المسلمان بسيفيهما الحديث وفيه أنه كان حريصا على قتل صاحبه فعلل بالحرص واحتج بعضهم بأعمال القلوب ولا حجة معه لأنها على قسمين أحدهما لا يتعلق بفعل خارجي وليس البحث فيه والثاني يتعلق بالملتقيين عزم كل منهما على قتل صاحبه واقترن بعزمه فعل بعض ما عزم عليه وهو شهر السلاح وإشارته به إلى الآخر فهذا الفعل يؤاخذ به سواء حصل القتل أم لا انتهى ولا يلزم من قوله فالقاتل والمقتول في النار أن يكونا في درجة واحدة من العذاب بالاتفاق
قوله فإن هو هم بها فعملها كتبها الله له سيئة واحدة في رواية nindex.php?page=showalam&ids=13724الأعرج " فاكتبوها له بمثلها " وزاد مسلم في حديث أبي ذر " فجزاؤه بمثلها أو أغفر " وله في آخر حديث ابن عباس أو " يمحوها " والمعنى أن الله يمحوها بالفضل أو بالتوبة أو بالاستغفار أو بعمل الحسنة التي تكفر السيئة والأول أشبه لظاهر حديث أبي ذر ، وفيه رد لقول من ادعى أن الكبائر لا تغفر إلا بالتوبة ويستفاد من التأكيد بقوله " واحدة " أن السيئة لا تضاعف كما تضاعف الحسنة وهو على وفق قوله - تعالى - { فلا يجزى إلا مثلها } قال ابن عبد السلام في أماليه فائدة التأكيد دفع توهم من يظن أنه إذا عمل السيئة كتبت عليه سيئة العمل وأضيفت إليها سيئة الهم وليس كذلك إنما يكتب عليه سيئة واحدة وقد استثنى بعض العلماء وقوع المعصية في الحرم المكي .
قال إسحاق بن منصور : قلت لأحمد هل ورد في شيء من الحديث أن السيئة تكتب بأكثر من واحدة ؟ قال لا ما سمعت إلا بمكة لتعظيم البلد والجمهور على التعميم في الأزمنة والأمكنة لكن قد يتفاوت بالعظم ولا يرد على ذلك قوله - تعالى - : من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين لأن ذلك ورد تعظيما لحق النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن وقوع ذلك من نسائه يقتضي أمرا زائدا على الفاحشة وهو أذى النبي - صلى الله عليه وسلم - وزاد مسلم بعد قوله : أو يمحوها : ولا يهلك على الله إلا هالك أي من أصر على التجري على السيئة عزما وقولا وفعلا وأعرض عن الحسنات هما وقولا وفعلا قال ابن بطال : في هذا الحديث بيان فضل الله العظيم على هذه الأمة لأنه لولا ذلك كاد لا يدخل أحد الجنة لأن عمل العباد للسيئات أكثر من عملهم الحسنات ; ويؤيد ما دل عليه حديث الباب من الإثابة على الهم بالحسنة وعدم المؤاخذة على الهم بالسيئة قوله - تعالى - لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت إذ ذكر في السوء الافتعال الذي يدل على المعالجة والتكلف فيه بخلاف الحسنة وفيه ما يترتب للعبد على هجران لذته وترك شهوته من أجل ربه رغبة في ثوابه ورهبة من عقابه واستدل به على أن الحفظة لا تكتب المباح للتقييد بالحسنات والسيئات وأجاب بعض الشراح بأن بعض الأئمة عد المباح من الحسن وتعقب بأن الكلام فيما يترتب على فعله حسنة وليس المباح ولو سمي حسنا كذلك .
نعم قد يكتب حسنة بالنية وليس البحث فيه وقد تقدم في " باب حفظ اللسان " قريبا شيء من ذلك وفيه أن الله - سبحانه وتعالى - بفضله وكرمه جعل العدل في السيئة والفضل في الحسنة فضاعف الحسنة ولم يضاعف السيئة بل أضاف فيها [ ص: 337 ] إلى العدل الفضل فأدارها بين العقوبة والعفو بقوله : كتبت له واحدة أو يمحوها " وبقوله " فجزاؤه بمثلها أو أغفر " وفي هذا الحديث رد على الكعبي في زعمه أن ليس في الشرع مباح بل الفاعل إما عاص وإما مثاب فمن اشتغل عن المعصية بشيء فهو مثاب وتعقبوه بما تقدم أن الذي يثاب على ترك المعصية هو الذي يقصد بتركها رضا الله كما تقدمت الإشارة إليه وحكى ابن التين أنه يلزمه أن الزاني مثلا مثاب لاشتغاله بالزنا عن معصية أخرى ولا يخفى ما فيه