[ ص: 16 ] قوله : ( باب ميراث البنات ) الأصل فيه كما تقدم في أول كتاب الفرائض قوله تعالى : يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين وقد تقدمت الإشارة إليه وإلى سبب نزولها ، وأن أهل الجاهلية كانوا لا يورثون البنات كما حكاه أبو جعفر بن حبيب في " كتاب المحبر " وحكى أن بعض عقلاء الجاهلية ورث البنت لكن سوى بينها وبين الذكر وهو عامر بن جشم بضم الجيم وفتح المعجمة ، وقد تمسك بالسبب المذكور من أجاب عن السؤال المشهور في قوله تعالى : فإن كن نساء فوق اثنتين حيث قيل : ذكر في الآية حكم البنتين في حال اجتماعهما مع الابن دون الانفراد وذكر حكم البنت الواحدة في الحالين ، وكذا حكم ما زاد على البنتين .
وقد انفرد ابن عباس بأن حكمهما حكم الواحدة وأبى ذلك الجمهور ، واختلف في مأخذهم فقيل حكمهما حكم الثلاث فما زاد ، ودليله بيان السنة ؛ فإن الآية لما كانت محتملة بينت السنة أن حكمهما حكم ما زاد عليهما ، وذلك واضح في سبب النزول فإن العم لما منع البنتين من الإرث وشكت ذلك أمهما قال - صلى الله عليه وسلم - لها : nindex.php?page=hadith&LINKID=849178يقضي الله في ذلك فنزلت آية الميراث ، فأرسل إلى العم فقال : nindex.php?page=hadith&LINKID=849179أعط بنتي سعد الثلثين فلا يرد على ذلك أنه يلزم منه نسخ الكتاب بالسنة فإنه بيان لا نسخ ، وقيل بالقياس على الأختين ، وهما أولى لما يختص بهما من أنهما أمس رحما بالميت من أختيه فلا يقصر بهما عنهما ، وقيل : إن لفظ " فوق " في الآية مقحم وهو غلط ، وقال المبرد : يؤخذ من جهة أن أقل عدد يجتمع فيه الصنفان ذكر وأنثى فإن كان للواحدة الثلث كان للبنتين الثلثان ، وقال إسماعيل القاضي في " أحكام القرآن " : يؤخذ ذلك من قوله تعالى : للذكر مثل حظ الأنثيين لأنه يقتضي أنه إذا كان ذكر وأنثى فللذكر الثلثان وللأنثى الثلث ، فإذا استحقت الثلث مع الذكر فاستحقاقها الثلث مع أنثى مثلها بطريق الأولى .
وقال السهيلي : يؤخذ ذلك من المجيء بلام التعريف التي للجنس في قوله : حظ الأنثيين ؛ فإنه يدل على أنهما استحقا الثلثين وأن الواحدة لها مع الذكر الثلث ، وكان ظاهر ذلك أنهن لو كن ثلاثا لاستوعبن المال ، فلذلك ذكر حكم الثلاث فما زاد واستغنى عن إعادة حكم الأنثيين ; لأنه قد تقدم بدلالة اللفظ .
وقال صاحب " الكشاف " : وجهه أن الذكر كما يحوز الثلثين مع الواحدة فالاثنتان كذلك يحوزان [ ص: 17 ] الثلثين ، فلما ذكر ما دل على حكم الثنتين ذكر بعده حكم ما فوق الثنتين ، وهو منتزع من كلام القاضي ، وقرر الطيبي فقال : اعتبر القاضي الفاء في قوله تعالى : فإن كن نساء لأن مفهوم ترتيب الفاء ومفهوم الوصف في قوله : فوق اثنتين مشعران بذلك ، فكأنه لما قال : للذكر مثل حظ الأنثيين علم بحسب الظاهر من عبارة النص حكم الذكر مع الأنثى إذا اجتمعا ، وفهم منه بحسب إشارة النص حكم الثنتين لأن الذكر كما يحوز الثلثين مع الواحدة ، فالثنتان يحوزان الثلثين .
ثم أراد أن يعلم حكم ما زاد على الثنتين فقال : فإن كن نساء فوق اثنتين فمن نظر إلى عبارة النص قال : أريد حالة الاجتماع دون الانفراد ، ومن نظر إلى إشارة النص قال : إن حكم الثنتين حكم الذكر مطلقا . واعترض على هذا التقرير بأنه ثبت بما ذكر أن لهما الثلثين في صورة ما ، وليست هي صورة الاجتماع دائما ; إذ ليس للبنتين مع الابن الثلثان ، والجواب عنه عسر إلا إن انضم إليه أن الحديث بين ذلك ، ويعتذر عن ابن عباس بأنه لم يبلغه فوقف مع ظاهر الآية وفهم أن قوله : فوق اثنتين لانتفاء الزيادة على الثلثين لا لإثبات ذلك للثنتين ، وكذا يرد على جواب السهيلي أن الاثنتين لا يستمر الثلثان حظهما في كل صورة ، والله أعلم .
ثم ذكر المصنف في الباب حديث nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص في الوصية بالثلث ، وقد مضى شرحه مستوفى في الوصايا ، والغرض منه قوله : nindex.php?page=hadith&LINKID=849180وليس يرثني إلا ابنتي وقد تقدم أن الذي نفاه سعد أولاده ، وإلا فقد كان له من العصبات من يرثه .