[ ص: 30 ] قوله : ( باب ذوي الأرحام ) أي بيان حكمهم هل يرثون أو لا؟ وهم عشرة أصناف : الخال ، والخالة ، والجد للأم ، وولد البنت ، وولد الأخت ، وبنت الأخ ، وبنت العم ، والعمة ، والعم للأم ، وابن الأخ للأم ، ومن أدلى بأحد منهم ، فمن ورثهم قال : أولاهم أولاد البنت ، ثم أولاد الأخت وبنات الأخ ، ثم العم والعمة والخال والخالة ، وإذا استوى اثنان قدم الأقرب إلى صاحب فرض أو عصبة .
قوله : ( إسحاق بن إبراهيم ) هو الإمام المعروف nindex.php?page=showalam&ids=12418بابن راهويه .
قوله : ( قلت لأبي أسامة حدثكم إدريس ) أي ابن يزيد بن عبد الرحمن الأودي والد عبد الله ، nindex.php?page=showalam&ids=16258وطلحة شيخه هو ابن مصرف ، وقد نسبه المصنف في التفسير من رواية الصلت بن محمد عن أبي أسامة ، وقال في آخره : " سمع إدريس من طلحة وأبو أسامة من إدريس " ، وقد صرح هنا بالثاني . ووقع في رواية أبي داود عن هارون بن عبد الله عن أبي أسامة : " حدثني إدريس بن يزيد حدثنا طلحة بن مصرف " ، وكذا أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي عن الهنجاني ، عن أبي كريب ، عن أبي أسامة ، وكذا عند الطبري عن أبي كريب .
قوله : ( ولكل جعلنا موالي والذين عاقدت أيمانكم ) . قال : كان المهاجرون حين قدموا المدينة يرث الأنصاري المهاجري دون ذوي رحمه للأخوة التي آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهم ، فلما نزلت ولكل جعلنا موالي قال : نسختها والذين عاقدت أيمانكم قال ابن بطال : كذا وقع في جميع النسخ نسختها والذين عاقدت أيمانكم والصواب أن المنسوخة والذين عاقدت أيمانكم والناسخة : ولكل جعلنا موالي قال : ووقع في رواية الطبري بيان ذلك ولفظه : " فلما نزلت هذه الآية ولكل جعلنا موالي نسخت " .
قلت : وقد تقدم في الكفالة التفسير من رواية الصلت بن محمد عن أبي أسامة مثل ما عزاه للطبري ، فكان عزوه إلى ما في nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أولى ، مع أن في سياقه فائدة أخرى وهو أنه قال : ولكل جعلنا موالي ورثة ، فأفاد تفسير الموالي بالورثة ، وأشار إلى أن قوله : والذين عاقدت أيمانكم ابتداء شيء يريد أن يفسره أيضا ، ويؤيده أنه وقع في رواية الصلت " ثم قال : والذين عاقدت وبقي قوله " نسختها مشكلا كما قال ابن بطال " .
وقد أجاب ابن المنير في الحاشية فقال : الضمير في نسختها عائد على المؤاخاة لا على الآية ، والضمير في " نسختها وهو الفاعل المستتر يعود على قوله : ولكل جعلنا موالي وقوله : والذين عاقدت أيمانكم بدل من الضمير ، وأصل الكلام لما نزلت ولكل جعلنا موالي نسخت والذين عاقدت أيمانكم ، وقال الكرماني : فاعل نسختها آية : جعلنا ، والذين عاقدت منصوب بإضمار أعني .
قلت : ووقع في سياقه هنا أيضا موضع آخر وهو أنه عبر بقوله : " يرث الأنصاري المهاجري " ، وتقدم في رواية الصلت بالعكس ، وأجاب عنه الكرماني بأن المقصود إثبات الوراثة بينهما في الجملة .
قلت : والأولى أن يقرأ الأنصاري بالنصب على أنه مفعول مقدم فتتحد الروايتان ، ووقع في رواية الصلت موضع ثالث مشكل ، وهو قوله : والذين عاقدت أيمانكم من [ ص: 31 ] النصرإلخ ، وظاهر الكلام أن قوله من النصر يتعلق بـ " عاقدت أيمانكم " ، وليس كذلك ، وإنما يتعلق بقوله : فآتوهم نصيبهم وقد بين ذلك أبو كريب في روايته ، وكذلك أخرجه أبو داود عن هارون بن عبد الله عن أبي أسامة ، وقد تقدم في تفسير النساء عدة طرق لذلك مع إعراب الآية ، والكلام على حكم المعاقدة المذكورة ونسخها بما يغني عن إعادته ، والمراد بإيراد الحديث هنا أن قوله تعالى : ولكل جعلنا موالي نسخ حكم الميراث الذي دل عليه والذين عاقدت أيمانكم ، قال ابن بطال : أكثر المفسرين على أن الناسخ لقوله تعالى : والذين عاقدت أيمانكم قوله تعالى في الأنفال : وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض وبذلك جزم أبو عبيد في " الناسخ والمنسوخ " .
قلت : كذا أخرجه أبو داود بسند حسن عن ابن عباس " قال nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي : كان جماعة من المحدثين يروون الحديث من حفظهم فتقصر عباراتهم خصوصا العجم فلا يبين للكلام رونق مثل هذه الألفاظ في هذا الحديث ، وبيان ذلك أن مراد الحديث المذكور أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان آخى بين المهاجرين والأنصار فكانوا يتوارثون بتلك الأخوة ويرونها داخلة في قوله تعالى : والذين عاقدت أيمانكم فلما نزل قوله تعالى : وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله نسخ الميراث بين المتعاقدين وبقي النصر والرفادة وجواز الوصية لهم ، وقد وقع في رواية العوفي عن ابن عباس بيان السبب في إرثهم قال : كان الرجل في الجاهلية يلحق به الرجل فيكون تابعه ، فإذا مات الرجل صار لأقاربه الميراث وبقي تابعه ليس له شيء ، فنزلت والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم فكانوا يعطونه من ميراثه ، ثم نزلت وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله فنسخ ذلك .
قلت : والعوفي ضعيف ، والذي في nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري هو الصحيح المعتمد ، وتصحيح السياق قد ظهر من نفس الرواية ، وأن بعض الرواة قدم بعض الألفاظ على بعض ، وحذف منها شيئا ، وأن بعضهم ساقها على الاستقامة ، وذلك هو المعتمد .
قال ابن بطال : اختلف الفقهاء في توريث ذوي الأرحام وهم من لا سهم له ، وليس بعصبة ، فذهب أهل الحجاز والشام إلى منعهم الميراث ، وذهب الكوفيون وأحمد وإسحاق إلى توريثهم ، واحتجوا بقوله تعالى : وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض واحتج الآخرون بأن المراد بها من له سهم في كتاب الله ; لأن آية الأنفال مجملة وآية المواريث مفسرة ، وبقوله - صلى الله عليه وسلم - : nindex.php?page=hadith&LINKID=849193من ترك مالا فلعصبته وأنهم أجمعوا على ترك القول بظاهرها فجعلوا ما يخلفه المعتوق إرثا لعصبته دون مواليه فإن فقدوا فلمواليه دون ذوي رحمه .
واختلفوا في توريثهم ، فقال أبو عبيد : رأى أهل العراق رد ما بقي من ذوي الفروض إذا لم تكن عصبة على ذوي الفروض ، وإلا فعليهم وعلى العصبة ، فإن فقدوا أعطوا ذوي الأرحام ، وكان ابن مسعود ينزل كل ذي رحم منزلة من يجر إليه ، وأخرج بسند صحيح عن ابن مسعود أنه جعل العمة كالأب والخالة كالأم فقسم المال بينهما أثلاثا ، وعن علي أنه كان لا يرد على البنت دون الأم ، ومن أدلتهم حديث nindex.php?page=hadith&LINKID=849194الخال وارث من لا وارث له وهو حديث حسن أخرجه الترمذي وغيره ، وأجيب عنه بأنه يحتمل أن يراد به إذا كان عصبة ، ويحتمل أن يريد بالحديث المذكور السلب كقولهم : " الصبر حيلة من لا حيلة له " ، ويحتمل أن يكون المراد به السلطان ; لأنه خال المسلمين ، حكى هذه الاحتمالات nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي .