قوله : ( باب لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم ) هكذا ترجم بلفظ الحديث ثم قال : " وإذا أسلم قبل أن يقسم الميراث فلا ميراث له " ، فأشار إلى أن عمومه يتناول هذه الصورة ، فمن قيد عدم التوارث بالقسمة احتاج إلى دليل ، وحجة الجماعة أن الميراث يستحق بالموت ، فإذا انتقل عن ملك الميت بموته لم ينتظر قسمته لأنه استحق الذي انتقل عنه ولو لم يقسم المال .
قال ابن المنير : صورة المسألة إذا مات مسلم وله ولدان مثلا مسلم وكافر ، فأسلم الكافر قبل قسمة المال قال ابن المنذر : ذهب الجمهور إلى الأخذ بما دل عليه عموم حديث أسامة يعني المذكور في هذا الباب إلا ما جاء عن معاذ ، قال : يرث المسلم من الكافر من غير عكس ، واحتج بأنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : nindex.php?page=hadith&LINKID=849251الإسلام يزيد ولا ينقص ، وهو حديث أخرجه أبو داود وصححه nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم من طريق nindex.php?page=showalam&ids=17344يحيى بن يعمر عن nindex.php?page=showalam&ids=11822أبي الأسود الدؤلي عنه ، قال nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم : صحيح الإسناد ، وتعقب بالانقطاع بين أبي الأسود ومعاذ ، ولكن سماعه منه ممكن ، وقد زعم الجوزقاني أنه باطل وهي مجازفة .
وقال القرطبي في " المفهم " : هو كلام محكي ولا يروى كذا قال ، وقد رواه من قدمت ذكره فكأنه ما وقف على ذلك ، وأخرج أحمد بن منيع بسند قوي عن معاذ أنه كان يورث المسلم من الكافر بغير عكس ، وأخرج مسدد عنه أن أخوين اختصما إليه : مسلم ويهودي ، مات أبوهما يهوديا ، فحاز ابنه اليهودي ماله فنازعه المسلم ، فورث معاذ المسلم .
وأخرج ابن أبي شيبة من طريق عبد الله بن معقل قال : ما رأيت قضاء أحسن من قضاء قضى به معاوية : نرث أهل الكتاب ولا يرثونا ، كما يحل النكاح فيهم ولا يحل لهم ، وبه قال مسروق nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب nindex.php?page=showalam&ids=12377وإبراهيم النخعي وإسحاق ، وحجة الجمهور أنه قياس في معارضة النص وهو صريح في المراد ولا قياس مع وجوده ، وأما الحديث فليس نصا في المراد بل هو محمول على أنه يفضل غيره من الأديان ولا تعلق له بالإرث ، وقد عارضه قياس آخر وهو أن التوارث يتعلق بالولاية ولا ولاية بين المسلم والكافر لقوله تعالى : لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض وبأن الذمي يتزوج الحربية ولا يرثها ، وأيضا فإن الدليل ينقلب فيما لو قال الذمي أرث المسلم لأنه يتزوج إلينا ، وفيه قول ثالث وهو الاعتبار بقسمة الميراث ، جاء ذلك عن عمر وعثمان وعن عكرمة والحسن nindex.php?page=showalam&ids=11867وجابر بن زيد وهو رواية عن أحمد .
قلت : ثبت عن عمر خلافه كما مضى في " باب توريث دور مكة " من كتاب الحج ؛ فإن فيه بعد ذكر حديث الباب مطولا في ذكر عقيل بن أبي طالب ، فكان عمر يقول فذكر المتن المذكور هنا سواء .
قوله : ( عن ابن شهاب ) هو الزهري ، وكذا وقع في رواية للإسماعيلي من وجه آخر عن أبي عاصم .
[ ص: 52 ] قوله : ( عن nindex.php?page=showalam&ids=16600علي بن حسين ) هو المعروف بزين العابدين nindex.php?page=showalam&ids=16712وعمرو بن عثمان أي ابن عفان ، وقد تقدم في الحج من هذا الشرح بيان من رواه عن الزهري مصرحا بالإخبار بينه وبين علي ، وكذا بين علي وعمرو ، واتفق الرواة عن الزهري أن عمرو بن عثمان بفتح أوله وسكون الميم إلا أن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالكا وحده قال " عمر " بضم أوله وفتح الميم ، وشذت روايات عن غير مالك على وفقه وروايات عن مالك على وفق الجمهور وقد بين ذلك nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر وغيره ، ولم يخرج nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري رواية مالك ، وقد عد ذلك ابن الصلاح في " علوم الحديث " له في أمثلة المنكر وفيه نظر أوضحه شيخنا في " النكت " وزدت عليه في " الإفصاح " .
قوله : ( لا يرث المسلم الكافر إلخ ) تقدم في المغازي بلفظ " المؤمن " في الموضعين وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي كل من رواية هشيم >[1] عن الزهري بلفظ : " nindex.php?page=hadith&LINKID=849252لا يتوارث أهل ملتين " ، وجاءت رواية شاذة عن ابن عيينة عن الزهري مثلها ، وله شاهد عند الترمذي من حديث جابر وآخر من حديث عائشة عند أبي يعلى ، وثالث من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في السنن الأربعة ، وسند أبي داود فيه إلى عمرو صحيح ، وتمسك بها من قال لا يرث أهل ملة كافرة من أهل ملة أخرى كافرة ، وحملها الجمهور على أن المراد بإحدى الملتين الإسلام وبالأخرى الكفر فيكون مساويا للرواية التي بلفظ حديث الباب ، وهو أولى من حملها على ظاهر عمومها حتى يمتنع على اليهودي مثلا أن يرث من النصراني .
والأصح عند الشافعية أن الكافر يرث الكافر وهو قول الحنفية والأكثر ومقابله عن مالك وأحمد ، وعنه التفرقة بين الذمي والحربي وكذا عند الشافعية وعن أبي حنيفة لا يتوارث حربي من ذمي فإن كانا حربيين شرط أن يكونا من دار واحدة ، وعند الشافعية لا فرق ، وعندهم وجه كالحنفية ، وعن الثوري وربيعة : وطائفة الكفر ثلاث ملل يهودية ونصرانية وغيرهم ، فلا ترث ملة من هذه من ملة من الملتين ، وعن طائفة من أهل المدينة والبصرة : كل فريق من الكفار ملة فلم يورثوا مجوسيا من وثني ولا يهوديا من نصراني وهو قول الأوزاعي ، وبالغ فقال : ولا يرث أهل نحلة من دين واحد أهل نحلة أخرى منه كاليعقوبية والملكية من النصارى .
واختلف في المرتد فقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأحمد يصير ماله إذا مات فيئا للمسلمين ، وقال مالك : يكون فيئا إلا إن قصد بردته أن يحرم ورثته المسلمين فيكون لهم ، وكذا قال في الزنديق ، وعن أبي يوسف ومحمد لورثته المسلمين ، وعن أبي حنيفة ما كسبه قبل الردة لورثته المسلمين وبعد الردة لبيت المال ، وعن بعض التابعين كعلقمة يستحقه أهل الدين الذي انتقل إليه ، وعن داود يختص بورثته من أهل الدين الذي انتقل إليه ولم يفصل ، فالحاصل من ذلك ستة مذاهب حررها nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي ، واحتج القرطبي في " المفهم " لمذهبه بقوله تعالى : لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا فهي ملل متعددة وشرائع مختلفة .
قال : وأما ما احتجوا به في قوله تعالى : ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم فوحد الملة فلا حجة فيه لأن الوحدة في اللفظ وفي المعنى الكثرة لأنه أضافه إلى مفيد الكثرة كقول القائل : أخذ عن علماء الدين علمهم يريد علم كل منهم ، قال : واحتجوا بقوله : قل يا أيها الكافرون إلى آخرها ، والجواب أن الخطاب بذلك وقع لكفار قريش وهم أهل وثن ، وأما ما أجابوا به عن حديث nindex.php?page=hadith&LINKID=849252لا يتوارث أهل ملتين بأن المراد ملة الكفر وملة الإسلام ، فالجواب عنه بأنه إذا صح في حديث أسامة فمردود في حديث غيره .
قلت : لكن يحتاج من احتج في الشق الثاني به إلى جواب ، وقد قال بعض الحذاق : طريق العام هنا قطعي ودلالته على كل فرد ظنية وطريق الخاص هنا ظنية ودلالته عليه قطعية فيتعادلان ، ثم يترجح الخاص بأن العمل به يستلزم الجمع بين الدليلين المذكورين بخلاف عكسه .