قوله : ( باب ما يكره من لعن شارب الخمر ، وأنه ليس بخارج من الملة ) يشير إلى طريق الجمع بين ما تضمنه حديث الباب من النهي عن لعنه وما تضمنه حديث الباب الأول nindex.php?page=hadith&LINKID=849315لا يشرب الخمر وهو مؤمن وأن المراد به نفي كمال الإيمان لا أنه يخرج عن الإيمان جملة ، وعبر بالكراهة هنا إشارة إلى أن النهي للتنزيه في حق من يستحق اللعن إذا قصد به اللاعن محض السب لا إذا قصد معناه الأصلي وهو الإبعاد عن رحمة الله .
فأما إذا قصده فيحرم ولا سيما في حق من لا يستحق اللعن كهذا الذي يحب الله ورسوله ولا سيما مع إقامة الحد عليه ، بل يندب الدعاء له بالتوبة والمغفرة كما تقدم تقريره في الباب الذي قبله في الكلام على حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ثاني حديثي الباب ، وبسبب هذا التفصيل عدل عن قوله في الترجمة كراهية لعن شارب الخمر إلى قوله : " ما يكره من " فأشار بذلك إلى التفصيل ، وعلى هذا التقرير فلا حجة فيه لمنع لعن الفاسق المعين مطلقا ، وقيل إن المنع خاص بما يقع في حضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - لئلا يتوهم الشارب عند عدم الإنكار أنه مستحق لذلك ، فربما أوقع الشيطان في قلبه ما يتمكن به من فتنه ، وإلى ذلك الإشارة بقوله في حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة : nindex.php?page=hadith&LINKID=849300لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم .
وقيل : المنع مطلقا في حق من أقيم عليه الحد ؛ لأن الحد قد كفر عنه الذنب المذكور ، وقيل : المنع مطلقا في حق ذي الزلة ، والجواز مطلقا في حق المجاهرين ، وصوب ابن المنير أن المنع مطلقا في حق المعين ، والجواز في حق غير المعين لأنه في حق غير المعين زجر عن تعاطي ذلك الفعل وفي حق المعين أذى له وسب ، وقد ثبت النهي عن أذى المسلم ، واحتج من أجاز لعن المعين بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما لعن من يستحق اللعن فيستوي المعين وغيره ، وتعقب بأنه إنما يستحق اللعن بوصف الإبهام ولو كان لعنه قبل الحد جائزا لاستمر بعد الحد كما لا يسقط التغريب بالجلد ، وأيضا فنصيب غير المعين من ذلك يسير جدا ، والله أعلم .
قال النووي في " الأذكار " : وأما الدعاء على إنسان بعينه ممن اتصف بشيء من المعاصي فظاهر الحديث أنه لا يحرم ، وأشار nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي إلى تحريمه ، وقال في " باب الدعاء على الظلمة " بعد أن أورد أحاديث صحيحة في الجواز قال nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي : وفي معنى اللعن الدعاء على الإنسان بالسوء حتى على الظالم مثل " لا أصح الله جسمه " وكل ذلك مذموم انتهى .
والأولى حمل كلام nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي على الأول ، وأما الأحاديث فتدل على الجواز [ ص: 78 ] كما ذكره النووي في قوله - صلى الله عليه وسلم - للذي قال nindex.php?page=hadith&LINKID=849316كل بيمينك ، فقال : لا أستطيع ، فقال : لا استطعت فيه دليل على جواز الدعاء على من خالف الحكم الشرعي ، ومال هنا إلى الجواز قبل إقامة الحد والمنع بعد إقامته ، وصنيع nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري يقتضي لعن المتصف بذلك من غير أن يعين باسمه فيجمع بين المصلحتين ؛ لأن لعن المعين والدعاء عليه قد يحمله على التمادي أو يقنطه من قبول التوبة ، بخلاف ما إذا صرف ذلك إلى المتصف فإن فيه زجرا وردعا عن ارتكاب ذلك وباعثا لفاعله على الإقلاع عنه ، ويقويه النهي عن التثريب على الأمة إذا جلدت على الزنا كما سيأتي قريبا .
واحتج شيخنا الإمام البلقيني على جواز لعن المعين بالحديث الوارد في المرأة إذا دعاها زوجها إلى فراشه فأبت ، لعنتها الملائكة حتى تصبح ، وهو في الصحيح ، وقد توقف فيه بعض من لقيناه بأن اللاعن لها الملائكة فيتوقف الاستدلال به على جواز التأسي بهم وعلى التسليم ، فليس في الخبر تسميتها ، والذي قاله شيخنا أقوى ؛ فإن الملك معصوم ، والتأسي بالمعصوم مشروع ، والبحث في جواز لعن المعين وهو الموجود .
قوله : ( إن رجلا كان على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كان اسمه عبد الله وكان يلقب حمارا ) ذكر الواقدي في غزوة خيبر من مغازيه عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه قال : ووجد في حصن الصعب بن معاذ فذكر ما وجد من الثياب وغيرها إلى أن قال : " وزقاق خمر فأريقت ، وشرب يومئذ من تلك الخمر رجل يقال له عبد الله الحمار " ، وهو باسم الحيوان المشهور ، وقد وقع في حديث الباب أن الأول اسمه والثاني لقبه ، وجوز nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر أنه ابن النعيمان المبهم في حديث عقبة بن الحارث ، فقال في ترجمة النعيمان : " nindex.php?page=hadith&LINKID=849317كان رجلا صالحا ، وكان له ابن انهمك في الشراب ، فجلده النبي - صلى الله عليه وسلم - " فعلى هذا يكون كل من النعيمان وولده عبد الله جلد في الشرب .
وقوي هذا عنده بما أخرجه الزبير بن بكار في الفاكهة من حديث محمد بن عمرو بن حزم قال : كان بالمدينة رجل يصيب الشراب ، فكان يؤتى به النبي - صلى الله عليه وسلم - فيضربه بنعله ويأمر أصحابه فيضربونه بنعالهم ويحثون عليه التراب ، فلما كثر ذلك منه قال له رجل : لعنك الله ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " nindex.php?page=hadith&LINKID=849318لا تفعل فإنه يحب الله ورسوله " .
وحديث عقبة اختلف ألفاظ ناقليه ؛ هل الشارب النعيمان أو ابن النعيمان ، والراجح النعيمان فهو غير المذكور هنا ؛ لأن قصة عبد الله كانت في خيبر ، فهي سابقة على قصة النعيمان ، فإن عقبة بن الحارث من مسلمة الفتح ، والفتح كان بعد خيبر بنحو من عشرين شهرا ، والأشبه أنه المذكور في حديث عبد الرحمن بن أزهر ؛ لأن عقبة بن الحارث ممن شهدها من مسلمة الفتح ، لكن في حديثه أن النعيمان ضرب في البيت ، وفي حديث عبد الرحمن بن أزهر أنه أتي به والنبي - صلى الله عليه وسلم - عند رحل خالد بن الوليد ، ويمكن الجمع بأنه أطلق على رحل خالد بيتا فكأنه كان بيتا من شعر فإن كان كذلك فهو الذي في حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ؛ لأن في كل منهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه : " بكتوه " كما تقدم .
قوله : ( فأمر به فجلد ) في رواية الواقدي " فأمر به فخفق بالنعال " ، وعلى هذا فقوله : " فجلد " أي ضرب ضربا أصاب جلده ، وقد يؤخذ منه أنه المذكور في حديث أنس في الباب الأول .
قوله : ( قال رجل من القوم ) لم أر هذا الرجل مسمى ، وقد وقع في رواية معمر المذكورة : " فقال رجل عند النبي - صلى الله عليه وسلم - " ثم رأيته مسمى في رواية الواقدي فعنده " فقال عمر " .
قوله : ( لا تلعنوه ) في رواية الواقدي : " nindex.php?page=hadith&LINKID=849324لا تفعل يا عمر " وهذا قد يتمسك به من يدعي اتحاد القصتين ، وهو بعيد لما بينته من اختلاف الوقتين ، ويمكن الجمع بأن ذلك وقع للنعيمان ولابن النعيمان وأنه اسمه عبد الله ولقبه حمار ، والله أعلم .
قوله : ( فوالله ما علمت أنه يحب الله ورسوله ) كذا للأكثر بكسر الهمزة ، ويجوز على رواية ابن السكن الفتح والكسر ، وقال بعضهم : الرواية بفتح الهمزة ، على أن " ما " نافية يحيل المعنى إلى ضده ، وأغرب بعض شراح المصابيح فقال : ما موصولة ، وإن مع اسمها وخبرها سدت مسد مفعولي علمت لكونه مشتملا على المنسوب والمنسوب إليه ، والضمير في أنه يعود إلى الموصول ، والموصول مع صلته خبر مبتدإ محذوف تقديره : هو الذي علمت ، والجملة في جواب القسم ، قال الطيبي : وفيه تعسف .
وقال صاحب " المطالع " : ما موصولة ، وإنه بكسر الهمزة مبتدأ ، وقيل بفتحها ، وهو مفعول علمت . قال الطيبي : فعلى هذا علمت بمعنى عرفت ، وإنه خبر الموصول .
وقال أبو البقاء في إعراب الجمع : ما زائدة ، أي : فوالله علمت أنه ، والهمزة على هذا مفتوحة . قال : ويحتمل أن يكون المفعول محذوفا ، أي : ما علمت عليه أو فيه سوءا ، ثم استأنف فقال : إنه يحب الله ورسوله .
ونقل عن رواية ابن السكن أن التاء بالفتح للخطاب تقريرا ، ويصح على هذا كسر الهمزة وفتحها ، والكسر على جواب القسم والفتح معمول علمت ، وقيل ما زائدة للتأكيد والتقدير لقد علمت .
قلت : وقد حكى في " المطالع " أن في بعض الروايات : " فوالله لقد علمت " وعلى هذا فالهمزة مفتوحة ، ويحتمل أن تكون ما مصدرية وكسرت إن لأنها جواب القسم .
قال الطيبي : وجعل ما نافية أظهر لاقتضاء القسم أن يلتقي بحرف النفي وبإن وباللام خلاف الموصولة ، ولأن الجملة القسمية جيء بها مؤكدة لمعنى النفي مقررة للإنكار ، ويؤيده أنه وقع في شرح السنة : " فوالله ما علمت إلا أنه قال " فمعنى الحصر في هذه الرواية بمنزلة تاء الخطاب في الرواية الأخرى لإرادة مزيد الإنكار على المخاطب .
قلت : وقد وقع في رواية أبي ذر عن [ ص: 80 ] الكشميهني مثل ما عزاه لشرح السنة ، ووقع في رواية nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي من طريق nindex.php?page=showalam&ids=12013أبي زرعة الرازي عن يحيى بن بكير شيخ nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري فيه : " nindex.php?page=hadith&LINKID=849325فوالله ما علمت أنه ليحب الله ورسوله " ويصح معه أن تكون ما زائدة وأن تكون ظرفية ، أي مدة علمي ، ووقع في رواية معمر nindex.php?page=showalam&ids=15472والواقدي : " فإنه يحب الله ورسوله " ، وكذا في رواية محمد بن عمرو بن حزم ، ولا إشكال فيها ؛ لأنها جاءت تعليلا لقوله : " لا تفعل يا عمر " والله أعلم . وفي هذا الحديث من الفوائد : جواز التلقيب وقد تقدم القول فيه في كتاب الأدب ، وهو محمول هنا على أنه كان لا يكرهه ، أو أنه ذكر به على سبيل التعريف لكثرة من كان يسمى بعبد الله ، أو أنه لما تكرر منه الإقدام على الفعل المذكور نسب إلى البلادة فأطلق عليه اسم من يتصف بها ليرتدع بذلك .
وفيه الرد على من زعم أن مرتكب الكبيرة كافر لثبوت النهي عن لعنه والأمر بالدعاء له .
وفيه أن لا تنافي بين ارتكاب النهي وثبوت محبة الله ورسوله في قلب المرتكب ؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - أخبر بأن المذكور يحب الله ورسوله مع وجود ما صدر منه ، وأن من تكررت منه المعصية لا تنزع منه محبة الله ورسوله ، ويؤخذ منه تأكيد ما تقدم أن نفي الإيمان عن شارب الخمر لا يراد به زواله بالكلية بل نفي كماله كما تقدم ، ويحتمل أن يكون استمرار ثبوت محبة الله ورسوله في قلب العاصي مقيدا بما إذا ندم على وقوع المعصية وأقيم عليه الحد فكفر عنه الذنب المذكور ، بخلاف من لم يقع منه ذلك فإنه يخشى عليه بتكرار الذنب أن يطبع على قلبه شيء حتى يسلب منه ذلك ، نسأل الله العفو والعافية .
وفيه ما يدل على نسخ الأمر الوارد بقتل شارب الخمر إذا تكرر منه إلى الرابعة أو الخامسة ؛ فقد ذكر nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر أنه أتي به أكثر من خمسين مرة ، والأمر المنسوخ أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في رواية حرملة عنه وأبو داود وأحمد nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي والدارمي وابن المنذر وصححه nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان >[1] كلهم من طريق nindex.php?page=showalam&ids=12031أبي سلمة بن عبد الرحمن عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رفعه nindex.php?page=hadith&LINKID=849326إذا سكر فاجلدوه ، ثم إذا سكر فاجلدوه ، ثم إذا سكر فاجلدوه ، ثم إذا سكر فاقتلوه ولبعضهم " فاضربوا عنقه " .
وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم بن بهدلة عن أبي صالح فقال أبو بكر بن عياش عنه عن أبي صالح عن أبي سعيد ، كذا أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان من رواية nindex.php?page=showalam&ids=16544عثمان بن أبي شيبة عن أبي بكر ، وأخرجه الترمذي عن أبي كريب عنه فقال : " عن معاوية " بدل " أبي سعيد " وهو المحفوظ ، وكذا أخرجه أبو داود من رواية أبان العطار عنه ، وتابعه الثوري nindex.php?page=showalam&ids=16130وشيبان بن عبد الرحمن وغيرهما عن عاصم ، ولفظ الثوري عن عاصم : " nindex.php?page=hadith&LINKID=849328ثم إن شرب الرابعة فاضربوا عنقه " .
قال : وكذا في حديث غطيف في الخامسة ، قال أبو داود : " وفي رواية عمر بن أبي سلمة عن أبيه nindex.php?page=showalam&ids=16068وسهيل بن أبي صالح عن أبيه كلاهما عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة في الرابعة " ، وكذا في رواية ابن أبي نعيم عن ابن عمر ، وكذا في رواية nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص والشريد .
وأما حديث شرحبيل وهو الكندي فأخرجه أحمد nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني وابن منده في " المعرفة " ورواته [ ص: 81 ] ثقات نحو رواية الذي قبله ، وصححه nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم من وجه آخر .
وأما حديث nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص فأخرجه أحمد nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم من وجهين عنه وفي كل منهما مقال ، ففي رواية nindex.php?page=showalam&ids=16128شهر بن حوشب عنه nindex.php?page=hadith&LINKID=849338فإن شربها الرابعة فاقتلوه .
قلت : ورويناه عن أبي سعيد أيضا كما تقدم وعن ابن عمر ، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم من رواية nindex.php?page=showalam&ids=16331عبد الرحمن بن أبي نعيم عن ابن عمر ونفر من الصحابة بنحوه ، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني موصولا من طريق عياض بن غطيف عن أبيه ، وفيه " في الخامسة " كما أشار إليه أبو داود ، وأخرجه الترمذي تعليقا nindex.php?page=showalam&ids=13863والبزار nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم موصولا من رواية محمد بن المنكدر عن جابر ، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي nindex.php?page=showalam&ids=14231والخطيب في " المبهمات " من وجهين آخرين عن ابن المنكدر ، وفي رواية الخطيب " جلد " .
قال : وسمعت محمدا يقول : حديث معاوية في هذا أصح ، وإنما كان هذا في أول الأمر ثم نسخ بعد ، وقال في [ ص: 82 ] " العلل " آخر الكتاب : جميع ما في هذا الكتاب قد عمل به أهل العلم إلا هذا الحديث وحديث الجمع بين الصلاتين في الحضر ، وتعقبه النووي فسلم قوله في حديث الباب دون الآخر ، ومال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي إلى تأويل الحديث في الأمر بالقتل فقال : قد يرد الأمر بالوعيد ولا يراد به وقوع الفعل وإنما قصد به الردع والتحذير ، ثم قال : ويحتمل أن يكون القتل في الخامسة كان واجبا ثم نسخ بحصول الإجماع من الأمة على أنه لا يقتل ، وأما ابن المنذر فقال : كان العمل فيمن شرب الخمر أن يضرب وينكل به ، ثم نسخ بالأمر بجلده فإن تكرر ذلك أربعا قتل ، ثم نسخ ذلك بالأخبار الثابتة وبإجماع أهل العلم إلا من شذ ممن لا يعد [ خلافه ] خلافا .
قلت : وكأنه أشار إلى بعض أهل الظاهر ، فقد نقل عن بعضهم واستمر عليه nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم منهم واحتج له ، وادعى أن لا إجماع ، وأورد من مسند الحارث بن أبي أسامة ما أخرجه هو والإمام أحمد من طريق nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري عن عبد الله بن عمرو أنه قال : ائتوني برجل أقيم عليه الحد يعني ثلاثا ثم سكر ، فإن لم أقتله فأنا كذاب ، وهذا منقطع ؛ لأن الحسن لم يسمع من عبد الله بن عمرو كما جزم به ابن المديني وغيره فلا حجة فيه ، وإذا لم يصح هذا عن عبد الله في عمرو لم يبق لمن رد الإجماع على ترك القتل متمسك حتى ولو ثبت عن عبد الله بن عمرو لكان عذره أنه لم يبلغه النسخ وعد ذلك من نزرة المخالف ، وقد جاء عن عبد الله بن عمرو أشد من الأول ؛ فأخرج nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور عنه بسند لين قال : لو رأيت أحدا يشرب الخمر واستطعت أن أقتله لقتلته .
وأما قول بعض من انتصر nindex.php?page=showalam&ids=13064لابن حزم فطعن في النسخ بأن معاوية إنما أسلم بعد الفتح وليس في شيء من أحاديث غيره الدالة على نسخه التصريح بأن ذلك متأخر عنه ، وجوابه أن معاوية أسلم قبل الفتح وقيل في الفتح ، وقصة ابن النعيمان كانت بعد ذلك ؛ لأن عقبة بن الحارث حضرها إما بحنين وإما بالمدينة ، وهو إنما أسلم في الفتح وحنين ، وحضور عقبة إلى المدينة كان بعد الفتح جزما فثبت ما نفاه هذا القائل ، وقد عمل بالناسخ بعض الصحابة ؛ فأخرج عبد الرزاق في مصنفه بسند لين عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب أنه جلد أبا محجن الثقفي في الخمر ثماني مرار ، وأورد نحو ذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص ، وأخرج حماد بن سلمة في مصنفه من طريق أخرى رجالها ثقات أن عمر جلد أبا محجن في الخمر أربع مرار ثم قال له : أنت خليع ، فقال : أما إذ خلعتني فلا أشربها أبدا .