قوله : ( كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة ) كذا هذه الترجمة ثبتت للجميع هنا ، وفي كونها في هذا الموضع إشكال ، وأظنها مما انقلب على الذين نسخوا كتاب nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري من المسودة ، والذي يظهر لي أن محلها بين كتاب الديات وبين استتابة المرتدين ، وذلك أنها تخللت بين أبواب الحدود . فإن المصنف ترجم " كتاب [ ص: 112 ] الحدود " وصدره بحديث nindex.php?page=hadith&LINKID=849447لا يزني الزاني وهو مؤمن وفيه ذكر السرقة وشرب الخمر ، ثم بدأ بما يتعلق بحد الخمر في أبواب ثم بالسرقة كذلك .
فالذي يليق أن يثلث بأبواب الزنا على وفق ما جاء في الحديث الذي صدر به ثم بعد ذلك إما أن يقدم كتاب المحاربين وإما أن يؤخره ، والأولى أن يؤخره ليعقبه " باب استتابة المرتدين " فإنه يليق أن يكون من جملة أبوابه ، ولم أر من نبه على ذلك إلا الكرماني ؛ فإنه تعرض لشيء من ذلك في " باب إثم الزناة " ولم يستوفه كما سأنبه عليه . ووقع في رواية النسفي زيادة قد يرتفع بها الإشكال ، وذلك أنه قال بعد قوله : " من أهل الكفر والردة " فزاد : " ومن يجب عليه الحد في الزنا " فإن كان محفوظا فكأنه ضم حد الزنا إلى المحاربين لإفضائه إلى القتل في بعض صوره بخلاف الشرب والسرقة ، وعلى هذا فالأولى أن يبدل لفظ كتاب بباب وتكون الأبواب كلها داخلة في كتاب الحدود .
قوله : ( وقول الله : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله الآية ) كذا لأبي ذر ، وساق في رواية كريمة وغيرها إلى أو ينفوا من الأرض ، قال ابن بطال : ذهب nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري إلى أن آية المحاربة نزلت في أهل الكفر والردة ، وساق حديث العرنيين وليس فيه تصريح بذلك ، ولكن أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة حديث العرنيين وفي آخره قال : " بلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله الآية " ، ووقع مثله في حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، وممن قال ذلك الحسن nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء والضحاك nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري قال : وذهب جمهور الفقهاء إلى أنها نزلت فيمن خرج من المسلمين يسعى في الأرض بالفساد ويقطع الطريق ، وهو قول مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي والكوفيين ، ثم قال : ليس هذا منافيا للقول الأول لأنها وإن نزلت في العرنيين بأعيانهم لكن لفظها عام يدخل في معناه كل من فعل مثل فعلهم من المحاربة والفساد .
قلت : بل هما متغايران ، والمرجع إلى تفسير المراد بالمحاربة : فمن حملها على الكفر خص الآية بأهل الكفر ومن حملها على المعصية عمم ، ثم نقل ابن بطال عن إسماعيل القاضي أن ظاهر القرآن وما مضى عليه عمل المسلمين يدل على أن الحدود المذكورة في هذه الآية نزلت في المسلمين ، وأما الكفار فقد نزل فيهم فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب إلى آخر الآية ، فكان حكمهم خارجا عن ذلك .
وقال تعالى في آية المحاربة : إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم وهي دالة على أن من تاب من المحاربين يسقط عنه الطلب بما ذكر بما جناه فيها ، ولو كانت الآية في الكافر لنفعته المحاربة ، ولكان إذا أحدث الحرابة مع كفره اكتفينا بما ذكر في الآية وسلم من القتل فتكون الحرابة خففت عنه القتل ، وأجيب عن هذا الإشكال بأنه لا يلزم من إقامة هذه الحدود على المحارب المرتد مثلا أن تسقط عنه المطالبة بالعود إلى الإسلام أو القتل ، وقد تقدم في تفسير المائدة ما نقله المصنف عن سعيد بن جبير أن معنى المحاربة لله الكفر به ، وأخرج الطبري من طريق روح بن عبادة عن nindex.php?page=showalam&ids=12514سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس في آخر قصة العرنيين قال : فذكر لنا أن هذه الآية نزلت فيهم إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ، وأخرج نحوه من وجه آخر عن أنس ، وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي هناك من طريق مروان بن معاوية عن معاوية بن أبي العباس عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس nindex.php?page=hadith&LINKID=849448عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله تعالى : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله قال : هم من عكل .
قلت : قد ثبت في الصحيحين أنهم كانوا من عكل وعرينة ؛ فقد وجد التصريح الذي نفاه ابن بطال ، والمعتمد أن الآية نزلت أولا فيهم وهي تتناول بعمومها من حارب من المسلمين بقطع الطريق ، لكن عقوبة الفريقين مختلفة : فإن كانوا كفارا يخير الإمام فيهم إذا ظفر بهم ، وإن كانوا مسلمين فعلى قولين ؛ أحدهما وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والكوفيين : ينظر في الجناية فمن قتل قتل ومن أخذ المال قطع ومن لم يقتل ولم يأخذ [ ص: 113 ] مالا نفي ، وجعلوا " أو " للتنويع ، وقال مالك : بل هي للتخيير فيتخير الإمام في المحارب المسلم بين الأمور الثلاثة ، ورجح الطبري الأول ، واختلفوا في المراد بالنفي في الآية : فقال مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي يخرج من بلد الجناية إلى بلدة أخرى ، زاد مالك فيحبس فيها .
وعن أبي حنيفة بل يحبس في بلده ، وتعقب بأن الاستمرار في البلد ولو كان مع الحبس إقامة فهو ضد النفي ؛ فإن حقيقة النفي الإخراج من البلد ، وقد قرنت مفارقة الوطن بالقتل قال تعالى : ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم وحجة أبي حنيفة أنه لا يؤمن منه استمرار المحاربة في البلدة الأخرى ، فانفصل عنه مالك بأنه يحبس بها ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : يكفيه مفارقة الوطن والعشيرة خذلانا وذلا .
ذكر المصنف حديث أنس في قصة العرنيين ، أورده من طريق nindex.php?page=showalam&ids=15500الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة مصرحا فيه بالتحديث في جميعه فأمن فيه من التدليس والتسوية ، وقد تقدم شرحه في " باب أبوال الإبل " من كتاب الطهارة . ووقع في هذا الموضع " nindex.php?page=hadith&LINKID=849449ففعلوا فصحوا فارتدوا وقتلوا رعاتها واستاقوا الإبل " .