قوله : ( باب رجم المحصن ) هو بفتح الصاد المهملة من الإحصان ، ويأتي بمعنى العفة والتزويج والإسلام والحرية ؛ لأن كلا منها يمنع المكلف من عمل الفاحشة ، قال ابن القطاع : رجل محصن بكسر الصاد على القياس وبفتحها [ ص: 120 ] على غير قياس .
قلت : يمكن تخريجه على القياس ، وهو أن المراد هنا من له زوجة عقد عليها ودخل بها وأصابها ، فكأن الذي زوجها له أو حمله على التزويج بها ولو كانت نفسه أحصنه أي جعله في حصن من العفة أو منعه من عمل الفاحشة .
وقال الراغب : يقال للمتزوجة محصنة أي أن زوجها أحصنها ، ويقال امرأة محصن بالكسر إذا تصور حصنها من نفسها ، وبالفتح إذا تصور حصنها من غيرها . ووقع هنا قبل الباب عند ابن بطال " كتاب الرجم " ولم يقع في الروايات المعتمدة .
قال ابن المنذر : أجمعوا على أنه لا يكون الإحصان بالنكاح الفاسد ولا الشبهة ، وخالفهم أبو ثور فقال : يكون محصنا ، واحتج بأن النكاح الفاسد يعطى أحكام الصحيح في تقدير المهر ووجوب العدة ولحوق الولد وتحريم الربيبة ، وأجيب بعموم " ادرءوا الحدود " قال : وأجمعوا على أنه لا يكون بمجرد العقد محصنا ، واختلفوا إذا دخل بها وادعى أنه لم يصبها .
قال : حتى تقوم البينة أو يوجد منه إقرار أو يعلم له منها واحد ، وعن بعض المالكية إذا زنى أحد الزوجين واختلفوا في الوطء لم يصدق الزاني ولو لم يمض لهما إلا ليلة ، وأما قبل الزنا فلا يكون محصنا ولو أقام معها ما أقام ، واختلفا إذا تزوج الحر أمة هل تحصنه؟ فقال الأكثر : نعم ، وعن عطاء والحسن وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري والكوفيين وأحمد وإسحاق : لا . واختلفوا إذا تزوج كتابية فقال إبراهيم nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي : لا تحصنه ، وعن الحسن : لا تحصنه حتى يطأها في الإسلام ، أخرجهما ابن أبي شيبة .
وعن جابر بن زيد nindex.php?page=showalam&ids=15990وابن المسيب تحصنه ، وبه قال عطاء nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير .
وقال ابن بطال : أجمع الصحابة وأئمة الأمصار على أن المحصن إذا زنى عامدا عالما مختارا فعليه الرجم ، ودفع ذلك الخوارج وبعض المعتزلة واعتلوا بأن الرجم لم يذكر في القرآن ، وحكاه nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي عن طائفة من أهل المغرب لقيهم وهم من بقايا الخوارج ، واحتج الجمهور بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رجم وكذلك الأئمة بعده ، ولذلك أشار علي - رضي الله عنه - بقوله في أول أحاديث الباب : " ورجمتها بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " .
قوله : ( وقال nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن ) هو البصري كذا للأكثر ، nindex.php?page=showalam&ids=15086وللكشميهني وحده " وقال منصور " بدل الحسن وزيفوه .
قوله : ( من زنى بأخته فحده حد الزاني ) في رواية الكشميهني " الزنا " وصله ابن أبي شيبة عن nindex.php?page=showalam&ids=15730حفص بن غياث قال سألت عمر : ما كان الحسن يقول فيمن تزوج ذات محرم وهو يعلم؟ قال : عليه الحد .
وأخرج ابن أبي شيبة من طريق nindex.php?page=showalam&ids=15614جابر بن زيد وهو أبو الشعثاء التابعي المشهور فيمن أتى ذات محرم منه قال : تضرب عنقه .
ووجه الدلالة من حديث علي أنه قال : " رجمتها بسنة رسول الله " فإنه لم يفرق بين ما إذا كان الزنا بمحرم أو بغير محرم .
وأشار nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري إلى ضعف الخبر الذي ورد في قتل من زنى بذات محرم ، وهو ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=16210صالح بن راشد قال : أتي الحجاج برجل قد اغتصب أخته على نفسها ، فقال سلوا من هنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال عبد الله بن المطرف : " nindex.php?page=hadith&LINKID=848981سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : من تخطى الحرمتين فخطوا وسطه بالسيف " ، فكتبوا إلى ابن عباس فكتب إليهم بمثله ؛ ذكره ابن أبي حاتم في " العلل " ونقل عن أبيه أنه روى عن nindex.php?page=showalam&ids=17098مطرف بن عبد الله بن الشخير من قوله ، قال : ولا أدري أهو هذا أو لا يشير إلى تجويز أن يكون الراوي غلط في قوله عبد الله بن مطرف وفي قوله سمعت . وإنما هو مطرف بن عبد الله ولا صحبة له .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : يقولون إن الراوي غلط فيه ، وأثر مطرف الذي أشار إليه أبو حاتم أخرجه ابن أبي شيبة من طريق بكر بن عبد الله [ ص: 121 ] المزي قال : أتي الحجاج برجل قد وقع على ابنته وعنده nindex.php?page=showalam&ids=17098مطرف بن عبد الله بن الشخير وأبو بردة ، فقال أحدهما : اضرب عنقه ، فضربت عنقه .
قلت : والراوي عن nindex.php?page=showalam&ids=16210صالح بن راشد ضعيف وهو رفدة بكسر الراء وسكون الفاء ، ويوضح ضعفه قوله : " فكتبوا إلى ابن عباس " nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس مات قبل أن يلي الحجاج الإمارة بأكثر من خمس سنين ، ولكن له طريق أخرى إلى ابن عباس أخرجها nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي وضعف راويها ، وأشهر حديث في الباب حديث البراء : " nindex.php?page=hadith&LINKID=849460لقيت خالي ومعه الراية فقال بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رجل تزوج امرأة أبيه أن اضرب عنقه " أخرجه أحمد وأصحاب السنن وفي سنده اختلاف كثير ، وله شاهد من طريق معاوية بن مرة عن أبيه أخرجه ابن ماجه nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني ، وقد قال بظاهره أحمد . وحمله الجمهور على من استحل ذلك بعد العلم بتحريمه بقرينة الأمر بأخذ ماله وقسمته ثم ذكر في الباب ثلاثة أحاديث .
قوله : ( حدثنا سلمة بن كهيل ) في رواية علي بن الجعد عن شعبة : عن سلمة nindex.php?page=showalam&ids=16878ومجالد أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي ، وذكر nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني أن قعنب بن محرز رواه عن nindex.php?page=showalam&ids=17282وهب بن جرير عن شعبة عن سلمة عن مجالد ، وهو غلط والصواب سلمة nindex.php?page=showalam&ids=16878ومجالد .
قوله : ( سمعت الشعبي عن علي ) أي يحدث عن علي ، قد طعن بعضهم كالحازمي في هذا الإسناد بأن الشعبي لم يسمعه من علي ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي : رواه عصام بن يوسف عن شعبة فقال : " عن سلمة عن الشعبي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي " ، وكذا ذكر nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني عن حسين بن محمد عن شعبة ، ووقع في رواية قعنب المذكورة عن الشعبي عن أبيه عن علي ، وجزم nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني بأن الزيادة في الإسنادين وهم وبأن الشعبي سمع هذا الحديث من علي قال ولم يسمع عنه غيره .
قوله : ( حين رجم المرأة يوم الجمعة ) في رواية علي بن الجعد " أن عليا أتي بامرأة زنت فضربها يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة " ، وكذا عند nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي من طريق بهز بن أسد عن شعبة nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني من طريق أبي حصين بفتح أوله عن الشعبي قال : " أتي علي بشراحة - وهي بضم الشين المعجمة وتخفيف الراء ثم حاء مهملة الهمدانية بسكون الميم - وقد فجرت ، فردها حتى ولدت وقال : ائتوني بأقرب النساء منها فأعطاها الولد ثم رجمها " .
ومن طريق حصين بالتصغير عن الشعبي قال : " أتي علي بمولاة لسعيد بن قيس فجرت ، وفي لفظ : وهي حبلى فضربها مائة ثم رجمها " ، وذكر nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر أن في تفسير سند بن داود من طريق أخرى إلى الشعبي قال : " أتي علي بشراحة فقال لها : لعل رجلا استكرهك ، قالت : لا ، قال فلعله أتاك وأنت نائمة؟ قالت : لا . قال : لعل زوجك من عدونا؟ قالت : لا . فأمر بها فحبست ، فلما وضعت أخرجها يوم الخميس فجلدها مائة ثم ردها إلى الحبس ، فلما كان يوم الجمعة حفر لها ورجمها " .
ولعبد الرزاق من وجه آخر عن الشعبي : " أن عليا لما وضعت أمر لها بحفرة في السوق ثم قال : إن أولى الناس أن يرجم الإمام إذا كان بالاعتراف ، فإن كان الشهود فالشهود ثم رماها " .
قوله : ( رجمتها بسنة رسول الله ) زاد علي بن الجعد " وجلدتها بكتاب الله " زاد إسماعيل بن سالم في أوله عن الشعبي : " قيل لعلي جمعت حدين " فذكره . وفي رواية عبد الرزاق : " أجلدها بالقرآن وأرجمها بالسنة " .
قال الشعبي : وقال أبي بن كعب مثل ذلك ، قال nindex.php?page=showalam&ids=14065الحازمي : ذهب أحمد وإسحاق وداود وابن المنذر إلى أن الزاني [ ص: 122 ] المحصن يجلد ثم يرجم ، وقال الجمهور - وهي رواية عن أحمد أيضا - لا يجمع بينهما ، وذكروا أن حديث عبادة منسوخ يعني الذي أخرجه مسلم بلفظ : " nindex.php?page=hadith&LINKID=849461الثيب بالثيب جلد مائة والرجم " والبكر بالبكر جلد مائة والنفي ، والناسخ له ما ثبت في قصة ماعز أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رجمه ولم يذكر الجلد .
قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : فدلت السنة على أن الجلد ثابت على البكر وساقط عن الثيب ، والدليل على أن قصة ماعز متراخية عن حديث عبادة أن حديث عبادة ناسخ لما شرع أولا من حبس الزاني في البيوت فنسخ الحبس بالجلد وزيد الثيب الرجم ، وذلك صريح في حديث عبادة ، ثم نسخ الجلد في حق الثيب ، وذلك مأخوذ من الاقتصار في قصة ماعز على الرجم وذلك في قصة الغامدية والجهنية واليهوديين لم يذكر الجلد مع الرجم .
وقال ابن المنذر : عارض بعضهم nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي فقال : الجلد ثابت في كتاب الله والرجم ثابت بسنة رسول الله كما قال علي ، وقد ثبت الجمع بينهما في حديث عبادة وعمل به علي ووافقه أبي ، وليس في قصة ماعز ومن ذكر معه تصريح بسقوط الجلد عن المرجوم لاحتمال أن يكون ترك ذكره لوضوحه ولكونه الأصل فلا يرد ما وقع التصريح به بالاحتمال ، وقد احتج nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي بنظير هذا حين عورض إيجابه العمرة بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من سأله أن يحج على أبيه ولم يذكر العمرة ، فأجاب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي بأن السكوت عن ذلك لا يدل على سقوطه ، قال فكذا ينبغي أن يجاب هنا .
قلت : وبهذا ألزم nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي أيضا الشافعية ، ولهم أن ينفصلوا لكن في بعض طرقه : " nindex.php?page=hadith&LINKID=849462حج عن أبيك واعتمر " كما تقدم بيانه في كتاب الحج ، فالتقصير في ترك ذكر العمرة من بعض الرواة ، وأما قصة ماعز فجاءت من طرق متنوعة بأسانيد مختلفة لم يذكر في شيء منها أنه جلد ، وكذلك الغامدية والجهنية وغيرهما ، وقال في ماعز " اذهبوا فارجموه " ، وكذا في حق غيره ولم يذكر الجلد ، فدل ترك ذكره على عدم وقوعه ودل عدم وقوعه على عدم وجوبه .
ومن المذاهب المستغربة ما حكاه ابن المنذر وابن حزم عن أبي بن كعب ، زاد nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم : وأبي ذر nindex.php?page=showalam&ids=13332وابن عبد البر عن مسروق أن الجمع بين الجلد والرجم خاص بالشيخ والشيخة ، وأما الشاب فيجلد إن لم يحصن ويرجم إن أحصن فقط ، وحجتهم في ذلك حديث الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة كما سيأتي بيانه في الكلام على حديث عمر في " باب رجم الحبلى من الزنا " ، وقال عياض : شذت فرقة من أهل الحديث فقالت : الجمع على الشيخ الثيب دون الشاب ولا أصل له .
وقال النووي : هو مذهب باطل ، كذا قاله ونفى أصله ، ووصفه بالبطلان إن كان المراد به طريقه فليس بجيد لأنه ثابت كما سأبينه في " باب البكران يجلدان " وإن كان المراد دليله ففيه نظر أيضا لأن الآية وردت بلفظ الشيخ ففهم هؤلاء من تخصيص الشيخ بذلك أن الشاب أعذر منه في الجملة ، فهو معنى مناسب وفيه جمع بين الأدلة فكيف يوصف بالبطلان ، واستدل به على جواز نسخ التلاوة دون الحكم .
وخالف في ذلك بعض المعتزلة واعتل بأن التلاوة مع حكمها كالعلم مع العالمية فلا ينفكان ، وأجيب بالمنع فإن العالمية لا تنافي قيام العلم بالذات ، سلمنا ، لكن التلاوة أمارة الحكم فيدل وجودها على ثبوته ولا دلالة من مجردها على وجوب الدوام فلا يلزم من انتفاء الأمارة في طرف الدوام انتفاء ما دلت عليه ، فإذا نسخت التلاوة ولم ينتف المدلول ، وكذلك بالعكس .