باب القسامة وقال nindex.php?page=showalam&ids=185الأشعث بن قيس قال النبي صلى الله عليه وسلم شاهداك أو يمينه وقال ابن أبي مليكة لم يقد بها معاوية وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطاة وكان أمره على البصرة في قتيل وجد عند بيت من بيوت السمانين إن وجد أصحابه بينة وإلا فلا تظلم الناس فإن هذا لا يقضى فيه إلى يوم القيامة
[ ص: 240 ] قوله : ( باب القسامة ) بفتح القاف وتخفيف المهملة هي مصدر أقسم قسما وقسامة ، وهي الأيمان تقسم على أولياء القتيل إذا ادعوا الدم أو على المدعى عليهم الدم ، وخص القسم على الدم بلفظ القسامة ، وقال إمام الحرمين : القسامة عند أهل اللغة اسم للقوم الذين يقسمون ، وعند الفقهاء اسم للأيمان .
وقال في المحكم : القسامة الجماعة يقسمون على الشيء أو يشهدون به . ويمين القسامة منسوب إليهم ثم أطلقت على الأيمان نفسها .
قوله : ( وقال الأشعث بن قيس : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : شاهداك أو يمينه ) هو طرف من حديث تقدم موصولا تاما في كتاب الشهادات ثم في كتاب الأيمان والنذور مع شرحه ، وأشار المصنف بذكره هنا إلى ترجيح رواية سعيد بن عبيد في حديث الباب أن الذي يبدأ في يمين القسامة المدعى عليهم كما سيأتي البحث فيه .
قوله : ( وقال nindex.php?page=showalam&ids=12531ابن أبي مليكة : لم يقد ) بضم أوله والقاف من أقاد إذا اقتص ، وقد وصله حماد بن سلمة في مصنفه ، ومن طريقه ابن المنذر ، قال حماد عن nindex.php?page=showalam&ids=12531ابن أبي مليكة : " سألني عمر بن عبد العزيز عن القسامة فأخبرته أن عبد الله بن الزبير أقاد بها وأن nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية يعني ابن أبي سفيان لم يقد بها " وهذا سند صحيح ، وقد توقف ابن بطال في ثبوته فقال : قد صح عن معاوية أنه أقاد بها ، ذكر ذلك عنه أبو الزناد في احتجاجه على أهل العراق .
قلت : هو في صحيفة nindex.php?page=showalam&ids=12458عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه ، ومن طريقه أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي قال : " حدثني خارجة بن [ ص: 241 ] زيد بن ثابت قال : قتل رجل من الأنصار رجلا من بني العجلان ولم يكن على ذلك بينة ولا لطخ ، فأجمع رأي الناس على أن يحلف ولاة المقتول ثم يسلم إليهم فيقتلوه ، فركبت إلى معاوية في ذلك فكتب إلى سعيد بن العاص : إن كان ما ذكره حقا فافعل ما ذكروه ، فدفعت الكتاب إلى سعيد فأحلفنا خمسين يمينا ثم أسلمه إلينا " .
قلت : ويمكن الجمع بأن معاوية لم يقد بها لما وقعت له وكان الحكم في ذلك ، ولما وقعت لغيره وكل الأمر في ذلك إليه ونسب إليه أنه أقاد بها لكونه أذن في ذلك . وقد تمسك مالك بقول خارجة المذكور فأطلق أن القود بها إجماع ، ويحتمل أن يكون معاوية كان يرى القود بها ثم رجع عن ذلك أو بالعكس .
وقد أخرج الكرابيسي في " أدب القضاء " بسند صحيح عن الزهري عن nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب قصة أخرى قضى فيها معاوية بالقسامة لكن لم يصرح فيها بالقتل ، وقصة أخرى لمروان قضى فيها بالقتل ، وقضى nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان بمثل قضاء أبيه .
قوله : ( وكتب عمر بن عبد العزيز إلخ ) وصله nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور حدثنا هشيم ، حدثنا حميد الطويل قال : " كتب عدي بن أرطاة إلى عمر بن عبد العزيز في قتيل وجد في سوق البصرة ، فكتب إليه عمر - رحمه الله - أن من القضايا ما لا يقضى فيه إلى يوم القيامة وأن هذه القضية لمنهن " .
وأخرج ابن المنذر من وجه آخر عن حميد قال : وجد قتيل بين قشير وعائش فكتب فيه عدي بن أرطاة إلى عمر بن عبد العزيز فذكر نحوه ، وهذا أثر صحيح ، nindex.php?page=showalam&ids=16556وعدي بن أرطاة بفتح الهمزة وسكون الراء بعدها مهملة وهو فزاري من أهل دمشق .
قوله في الأثر المعلق ( وكان أمره ) بالتشديد ( على البصرة ) .
قلت : كانت ولاية عمر بن عبد العزيز لعدي على إمرة البصرة سنة تسع وتسعين ، وذكر خليفة أنه قتل سنة ثنتين ومائة . وقوله : " من بيوت السمانين " بتشديد الميم أي الذين يبيعون السمن ، وقد اختلف على عمر بن عبد العزيز في القود بالقسامة كما اختلف على معاوية ، فذكر ابن بطال أن في " مصنف حماد بن سلمة " عن nindex.php?page=showalam&ids=12531ابن أبي مليكة أن عمر بن عبد العزيز أقاد بالقسامة في إمرته على المدينة .
قلت : ويجمع بأنه كان يرى بذلك لما كان أميرا على المدينة ثم رجع لما ولي الخلافة ، ولعل سبب ذلك ما سيأتي في آخر الباب من قصة أبي قلابة حيث احتج على عدم القود بها ، فكأنه وافقه على ذلك .
وأخرج ابن المنذر من طريق الزهري قال : " قال لي عمر بن عبد العزيز : إني أريد أن أدع القسامة ، يأتي رجل من أرض كذا وآخر من أرض كذا فيحلفون على ما لا يرون ، فقلت : إنك إن تتركها يوشك أن الرجل يقتل عند بابك فيبطل دمه ، وإن للناس في القسامة لحياة " ، وسبق عمر بن عبد العزيز إلى إنكار القسامة nindex.php?page=showalam&ids=15959سالم بن عبد الله بن عمر فأخرج ابن المنذر عنه أنه كان يقول " بالقوم يحلفون على أمر لم يروه ولم يحضروه ، ولو كان لي أمر لعاقبتهم ولجعلتهم نكالا ولم أقبل لهم شهادة " وهذا يقدح في نقل إجماع أهل المدينة على القود بالقسامة فإن سالما من أجل فقهاء المدينة .
وأخرج ابن المنذر أيضا عن ابن عباس أن القسامة لا يقاد بها ، وأخرج ابن أبي شيبة من طريق nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي قال : القود بالقسامة جور ، ومن طريق nindex.php?page=showalam&ids=14152الحكم بن عتيبة أنه كان لا يرى القسامة شيئا .
ومحصل الاختلاف في القسامة هل يعمل بها أو لا؟ وعلى الأول فهل توجب القود أو الدية ، وهل يبدأ بالمدعين أو المدعى عليهم؟ واختلفوا أيضا في شرطها .
قوله : ( سعيد بن عبيد ) هو الطائي الكوفي يكنى أبا هذيل ، روى عنه الثوري وغيره من الأكابر ، وأبو نعيم الراوي عنه هنا هو آخر من روى عنه ، وثقه أحمد nindex.php?page=showalam&ids=17336وابن معين وآخرون ، وقال الآجري عن أبي داود : كان شعبة [ ص: 242 ] يتمنى لقاءه ، وفي طبقته سعيد بن عبيد الهنائي بضم الهاء وتخفيف النون وهمز ومد بصري صدوق أخرج له الترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي .
قوله : ( عن nindex.php?page=showalam&ids=15547بشير ) بالموحدة والمعجمة مصغر ابن يسار بتحتانية ثم مهملة خفيفة لا أعرف اسم جده ، وفي رواية مسلم من طريق ابن نمير عن سعيد بن عبيد " حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15547بشير بن يسار الأنصاري " .
قلت : وهو من موالي بني حارثة من الأنصار ، قال ابن إسحاق : كان شيخا كبيرا فقيها أدرك عامة الصحابة ووثقه nindex.php?page=showalam&ids=17336يحيى بن معين nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي وكناه محمد بن إسحاق في روايته أبا كيسان .
قوله : ( زعم أن رجلا من الأنصار يقال له سهل بن أبي حثمة ) بفتح المهملة وسكون المثلثة ، ولم يقع في رواية ابن نمير زعم بل عنده عن سهل بن أبي حثمة الأنصاري أنه أخبره ، وكذا لأبي نعيم في المستخرج من وجه آخر عن أبي نعيم شيخ nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، واسم أبي حثمة عامر بن ساعدة بن عامر ويقال اسم أبيه عبد الله فاشتهر هو بالنسبة إلى جده وهو من بني حارثة بطن من الأوس .
قوله : ( أن نفرا من قومه ) سمى يحيى بن سعيد الأنصاري في روايته عن بشير بن يسار منهم اثنين ، فتقدم في الجزية من طريق بشر بن المفضل عن يحيى بهذا السند : " انطلق عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود بن زيد " .
وفي الأدب من رواية حماد بن زيد عن يحيى عن بشير " عن سهل بن أبي حثمة nindex.php?page=showalam&ids=46ورافع بن خديج أنهما حدثا أن عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود انطلقا " ، وعند مسلم من رواية الليث عن يحيى عن بشير عن سهل " قال يحيى وحسبت أنه قال : nindex.php?page=showalam&ids=46ورافع بن خديج أنهما قالا خرج عبد الله بن سهل بن زيد ومحيصة بن مسعود بن زيد " ، ونحوه عنده من رواية هشيم عن يحيى لكن لم يذكر رافعا .
ولفظه عن بشير بن يسار " أن رجلا من الأنصار من بني حارثة يقال له عبد الله بن سهل بن زيد انطلق هو وابن عم له يقال له محيصة بن مسعود بن زيد " ، وأسنده في آخره عن سهل بن أبي حثمة به ، وثبت ذكر رافع بن خديج في هذا الحديث غير مسمى عند أبي داود من طريق أبي ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل " عن سهل بن أبي حثمة أنه أخبره هو ورجل من كبراء قومه " .
وعند ابن أبي عاصم من طريق إسماعيل بن عياش عن يحيى عن بشير : " عن سهل ورافع وسويد بن النعمان أن القسامة كانت فيهم في بني حارثة فذكر بشير عنهم أن عبد الله بن سهل خرج " فذكر الحديث ، ومحيصة بضم الميم وفتح المهملة وتشديد التحتانية مكسورة بعدها صاد مهملة وكذا ضبط أخيه حويصة وحكي التخفيف في الاسمين معا ورجحه طائفة .
ومثله في رواية حماد بن زيد وزاد " أو قال يبدأ الأكبر " ، وفي رواية بشر بن المفضل " كبر كبر " بتكرار الأمر ، وكذا في رواية أبي ليلى وزاد " يريد السن " ، وفي رواية الليث " فسكت وتكلم صاحباه " ، وفي رواية بشر " وتكلما " .
قوله : ( قال فيحلفون ، قالوا لا نرضى بأيمان اليهود ) وفي رواية أبي ليلى " فقالوا ليسوا بمسلمين " ، وفي رواية يحيى بن سعيد " nindex.php?page=hadith&LINKID=891315فتبرئكم يهود بخمسين يمينا " أي يخلصونكم من الأيمان بأن يحلفوهم فإذا حلفوا انتهت الخصومة فلم يجب عليهم شيء وخلصتم أنتم من الأيمان ، " nindex.php?page=hadith&LINKID=891316قالوا كيف نأخذ بأيمان قوم كفار " ، وفي رواية الليث " نقبل " بدل " نأخذ " ، وفي رواية أبي قلابة " ما يبالون أن يقتلونا أجمعين ثم يحلفون " كذا في رواية [ ص: 244 ] سعيد بن عبيد لم يذكر عرض الأيمان على المدعين كما لم يقع في رواية يحيى بن سعيد طلب البينة أولا ، وطريق الجمع أن يقال حفظ أحدهم ما لم يحفظ الآخر ، فيحمل على أنه طلب البينة أولا فلم تكن لهم بينة ، فعرض عليهم الأيمان فامتنعوا ، فعرض عليهم تحليف المدعى عليهم فأبوا .
قوله : ( من إبل الصدقة ) زعم بعضهم أنه غلط من سعيد بن عبيد لتصريح يحيى بن سعيد بقوله : " من عنده " وجمع بعضهم بين الروايتين باحتمال أن يكون اشتراها من إبل الصدقة بمال دفعه من عنده ، أو المراد بقوله : " من عنده " أي بيت المال المرصد للمصالح ، وأطلق عليه صدقة باعتبار الانتفاع به مجانا لما في ذلك من قطع المنازعة وإصلاح ذات البين ، وقد حمله بعضهم على ظاهره فحكى القاضي عياض عن بعض العلماء جواز صرف الزكاة في المصالح العامة واستدل بهذا الحديث وغيره .
قال القرطبي في " المفهم " فعل - صلى الله عليه وسلم - ذلك على مقتضى كرمه وحسن سياسته وجلبا للمصلحة ودرءا للمفسدة على سبيل التأليف ، ولا سيما عند تعذر الوصول إلى استيفاء الحق ، ورواية من قال " من عنده " أصح من رواية من قال " nindex.php?page=hadith&LINKID=891322من إبل الصدقة " وقد قيل إنها غلط والأولى أن لا يغلط الراوي ما أمكن ، فيحتمل أوجها منها فذكر ما تقدم وزاد : أن يكون تسلف ذلك من إبل الصدقة ليدفعه من مال الفيء ، أو أن أولياء القتيل كانوا مستحقين للصدقة فأعطاهم ، أو أعطاهم ذلك من سهم المؤلفة استئلافا لهم واستجلابا لليهود ، انتهى .
وزاد أبو ليلى في روايته " قال سهل فركضتني ناقة " ، وفي رواية حماد بن زيد عن يحيى " أدركته ناقة من تلك الإبل [ ص: 245 ] فدخلت مربدا لهم فركضتني برجلها " .
وفي رواية شيبان بن بلال " لقد ركضتني ناقة من تلك الفرائض بالمربد " ، وفي رواية محمد بن إسحاق " فوالله ما أنسى ناقة بكرة منها حمراء ضربتني وأنا أحوزها " ، وفي حديث الباب من الفوائد مشروعية القسامة .
قال القاضي عياض : هذا الحديث أصل من أصول الشرع وقاعدة من قواعد الأحكام وركن من أركان مصالح العباد ، وبه أخذ كافة الأئمة والسلف من الصحابة والتابعين وعلماء الأمة وفقهاء الأنصار من الحجازيين والشاميين والكوفيين وإن اختلفوا في صورة الأخذ به ، وروي التوقف عن الأخذ به عن طائفة فلم يروا القسامة ولا أثبتوا بها في الشرع حكما ، وهذا مذهب nindex.php?page=showalam&ids=14152الحكم بن عتيبة وأبي قلابة nindex.php?page=showalam&ids=15959وسالم بن عبد الله nindex.php?page=showalam&ids=16049وسليمان بن يسار وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=14429ومسلم بن خالد وإبراهيم بن علية وإليه ينحو nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، وروي عن عمر بن عبد العزيز باختلاف عنه .
قلت : وهذا ينافي ما صدر به كلامه أن كافة الأئمة أخذوا بها ، وقد تقدم النقل عمن لم يقل بمشروعيتها في أول الباب ، وفيهم من لم يذكره القاضي ، قال : واختلف قول مالك في مشروعية القسامة في قتل الخطإ ، واختلف القائلون بها في العمد هل يجب بها القود أو الدية؟ فمذهب معظم الحجازيين إيجاب القود إذا كملت شروطها ، وهو قول الزهري وربيعة nindex.php?page=showalam&ids=11863وأبي الزناد nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي في أحد قوليه وأحمد وإسحاق nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور وداود ، وروي ذلك عن بعض الصحابة كابن الزبير ، واختلف عن عمر بن عبد العزيز .
وقال أبو الزناد : قتلنا بالقسامة والصحابة متوافرون ، إني لأرى أنهم ألف رجل فما اختلف منهم اثنان .
قلت : إنما نقل ذلك أبو الزناد عن nindex.php?page=showalam&ids=15786خارجة بن زيد بن ثابت كما أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي من رواية nindex.php?page=showalam&ids=12458عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه ، وإلا nindex.php?page=showalam&ids=11863فأبو الزناد لا يثبت أنه رأى عشرين من الصحابة فضلا عن ألف .
ثم قال القاضي : وحجتهم حديث الباب : يعني من رواية يحيى بن سعيد التي أشرت إليها ، قال : فإن مجيئه من طرق صحاح لا يدفع ، وفيه تبرئة المدعين ثم ردها حين أبوا على المدعى عليهم واحتجوا بحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة " nindex.php?page=hadith&LINKID=891323البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه إلا القسامة " ، ويقول مالك : أجمعت الأئمة في القديم والحديث على أن المدعين يبدءون في القسامة ، ولأن جنبة المدعي إذا قويت بشهادة أو شبهة صارت اليمين له .
وهاهنا الشبهة قوية ، وقالوا هذه سنة بحيالها وأصل قائم برأسه لحياة الناس وردع المعتدين ، وخالفت الدعاوى في الأموال فهي على ما ورد فيها ، وكل أصل يتبع ويستعمل ولا تطرح سنة لسنة ، وأجابوا عن رواية سعيد بن عبيد - يعني المذكورة في حديث هذا الباب بقول أهل الحديث إنه وهم من رواية أسقط من السياق تبرئة المدعين باليمين لكونه لم يذكر فيه رد اليمين ، واشتملت رواية يحيى بن سعيد على زيادة من ثقة حافظ فوجب قبولها وهي تقضي على من لم يعرفها .
قلت : وسيأتي مزيد بيان لذلك .
قال القرطبي : الأصل في الدعاوى أن اليمين على المدعى عليه ، وحكم القسامة أصل بنفسه لتعذر إقامة البينة على القتل فيها غالبا ، فإن القاصد للقتل يقصد الخلوة ويترصد الغفلة ، وتأيدت بذلك الرواية الصحيحة المتفق عليها وبقي ما عدا القسامة على الأصل ، ثم ليس ذلك خروجا عن الأصل بالكلية بل لأن المدعى عليه إنما كان القول قوله لقوة جانبه بشهادة الأصل له بالبراءة مما ادعي عليه ، وهو موجود في القسامة في جانب المدعي لقوة جانبه باللوث الذي يقوي دعواه .
قال عياض : وذهب من قال بالدية إلى تقديم المدعى عليهم في اليمين ، إلا nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأحمد فقالا بقول الجمهور : يبدأ بأيمان المدعين وردها إن أبوا على المدعى عليهم ، وقال بعكسه أهل الكوفة وكثير من أهل البصرة وبعض أهل المدينة nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي فقال يستحلف من أهل القرية خمسين رجلا خمسين يمينا ما قتلناه ولا علمنا من قتله . فإن حلفوا برئوا وإن نقصت قسامتهم عن عدد أو نكلوا حلف المدعون على رجل واحد واستحقوا ، فإن نقصت قسامتهم قاده دية ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=16542عثمان البتي من فقهاء البصرة : ثم يبدأ بالمدعى عليهم [ ص: 246 ] بالأيمان فإن حلفوا فلا شيء عليهم .
وقال الكوفيون : إذا حلفوا وجبت عليهم الدية ، وجاء ذلك عن عمر ، قال واتفقوا كلهم على أنها لا تجب بمجرد دعوى الأولياء حتى يقترن بها شبهة يغلب على الظن الحكم بها ، واختلفوا في تصوير الشبهة على سبعة أوجه فذكرها ، وملخصها : الأول أن يقول المريض دمي عند فلان أو ما أشبه ذلك ، ولو لم يكن به أثر أو جرح فإن ذلك يوجب القسامة عند مالك nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث لم يقل به غيرهما .
واشترط بعض المالكية الأثر أو الجرح ، واحتج لمالك بقصة بقرة بني إسرائيل ، قال : ووجه الدلالة منها أن الرجل حي فأخبر بقاتله ، وتعقب بخفاء الدلالة منها ، وقد بالغ nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم في رد ذلك ، واحتجوا بأن القاتل يتطلب حالة غفلة الناس فتتعذر البينة ، فلو لم يعمل بقول المضروب لأدى ذلك إلى إهدار دمه لأنها حالة يتحرى فيها اجتناب الكذب ويتزود فيها من البر والتقوى ، وهذا إنما يأتي في حالة المحتضر .
الثانية : أن يشهد من لا يكمل النصاب بشهادته كالواحد أو جماعة غير عدول قال بها المذكوران ووافقهما nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ومن تبعه .
الثالثة : أن يشهد عدلان بالضرب ثم يعيش بعده أياما ثم يموت منه من غير تخلل إفاقة ، فقال المذكوران : تجب فيه القسامة . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : بل يجب القصاص بتلك الشهادة .
الرابعة : أن يوجد مقتول وعنده أو بالقرب منه من بيده آلة القتل وعليه أثر الدم مثلا ولا يوجد غيره فتشرع فيه القسامة عند مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، ويلتحق به أن تفترق جماعة عن قتيل .
الخامسة : أن يقتتل طائفتان فيوجد بينهما قتيل ففيه القسامة عند الجمهور ، وفي رواية عن مالك تختص القسامة بالطائفة التي ليس هو منها إلا إن كان من غيرهما فعلى الطائفتين .
السادسة : المقتول في الزحمة ، وقد تقدم بيان الاختلاف فيه في باب مفرد .
السابعة : أن يوجد قتيل في محلة أو قبيلة ، فهذا يوجب القسامة عند الثوري nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة وأتباعهم ، ولا يوجب القسامة عندهم سوى هذه الصورة ، وشرطها عندهم إلا الحنفية أن يوجد بالقتيل أثر ، وقال داود : لا تجرى القسامة إلا في العمد على أهل مدينة أو قرية كبيرة وهم أعداء للمقتول .
وذهب الجمهور إلى أنه لا قسامة فيه بل هو هدر لأنه قد يقتل ويلقى في المحلة ليتهموا ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وهو رواية عن أحمد ، إلا أن يكون في مثل القصة التي في حديث الباب فيتجه فيها القسامة لوجود العداوة .
ولم تر الحنفية ومن وافقهم لوثا يوجب القسامة إلا هذه الصورة ، وحجة الجمهور القياس على هذه الواقعة ، والجامع أن يقترن بالدعوى شيء يدل على صدق المدعى فيقسم معه ويستحق .
وقال ابن قدامة : ذهب الحنفية إلى أن القتيل إذا وجد في محل فادعى وليه على خمسين نفسا من موضع قتله فحلفوا خمسين يمينا ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا فإن لم يجد خمسين كرر الأيمان على من وجد وتجب الدية على بقية أهل الخطة ، ومن لم يحلف من المدعى عليهم حبس حتى يحلف أو يقر ، واستدلوا بأثر عمر أنه أحلف خمسين نفسا خمسين يمينا وقضى بالدية عليهم ، وتعقب باحتمال أن يكونوا أقروا بالخطإ وأنكروا العمد وبأن الحنفية لا يعملون بخبر الواحد إذا خالف الأصول ولو كان مرفوعا فكيف احتجوا بما خالف الأصول بخبر واحد موقوف وأوجبوا اليمين على غير المدعى عليه ، واستدل به على القود في القسامة لقوله : " فتستحقون قاتلكم " ، وفي الرواية الأخرى " دم صاحبكم " .
قال ابن دقيق العيد : الاستدلال بالرواية التي فيها " فيدفع برمته " أقوى من الاستدلال بقوله : " دم صاحبكم " لأن قوله : " يدفع برمته " لفظ مستعمل في دفع القاتل للأولياء للقتل ، ولو أن الواجب الدية لبعد استعمال هذا اللفظ وهو في استعماله في تسليم القاتل أظهر ، والاستدلال بقوله : " دم صاحبكم " أظهر من الاستدلال بقوله : " قاتلكم " أو " صاحبكم " لأن هذا اللفظ لا بد فيه من إضمار ، فيحتمل أن يضمر دية صاحبكم احتمالا ظاهرا ، وأما بعد التصريح بالدية فيحتاج إلى تأويل اللفظ بإضمار بدل دم صاحبكم والإضمار على خلاف الأصل ولو احتيج إلى إضمار لكان حمله على ما يقتضي إراقة الدم أقرب .
[ ص: 247 ] وأما من قال يحتمل أن يكون قوله : " دم صاحبكم " هو القتيل لا القاتل فيرده قوله : " دم صاحبكم أو قاتلكم " ، وتعقب بأن القصة واحدة اختلفت ألفاظ الرواة فيها على ما تقدم بيانه فلا يستقيم الاستدلال بلفظ منها لعدم تحقق أنه اللفظ الصادر من النبي صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن أبي شيبة بسند جيد إلى nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي قال : كانت القسامة في الجاهلية إذا وجد القتيل بين ظهري قوم أقسم منهم خمسين يمينا ، ما قتلنا ولا علمنا ، فإن عجزت الأيمان ردت عليهم ثم عقلوا ، وتمسك من قال لا يجب فيها إلا الدية بما أخرجه الثوري في جامعه nindex.php?page=showalam&ids=12508وابن أبي شيبة nindex.php?page=showalam&ids=16000وسعيد بن منصور بسند صحيح إلى الشعبي قال : وجد قتيل بين حيين من العرب فقال عمر : قيسوا ما بينهما فأيهما وجدتموه إليه أقرب فأحلفوهم خمسين يمينا وأغرموهم الدية ، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي عن سفيان بن عيينة عن منصور عن الشعبي أن عمر كتب في قتيل وجد بين خيران ووادعة أن يقاس ما بين القريتين فإلى أيهما كان أقرب أخرج إليه منهم خمسون رجلا حتى يوافوه مكة فأدخلهم الحجر فأحلفهم ثم قضى عليهم الدية فقال : حقنت أيمانكم دماءكم ولا يطل دم رجل مسلم ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : إنما أخذه الشعبي عن nindex.php?page=showalam&ids=14057الحارث الأعور والحارث غير مقبول ، انتهى .
وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي من طريق القاسم بن عبد الرحمن أن عمر قال : القسامة توجب العقل ولا تسقط الدم ، واستدل به الحنفية على جواز سماع الدعوى في القتل على غير معين لأن الأنصار ادعوا على اليهود أنهم قتلوا صاحبهم وسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - دعواهم ، ورد بأن الذي ذكره الأنصار أولا ليس على صورة الدعوى بين الخصمين لأن من شرطها إذا لم يحضر المدعى عليه أن يتعذر حضوره ، سلمنا ، ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد بين لهم أن الدعوى إنما تكون على واحد لقوله : " nindex.php?page=hadith&LINKID=891328تقسمون على رجل منهم فيدفع إليكم برمته " ، واستدل بقوله : " على رجل منهم " على أن القسامة إنما تكون على رجل واحد وهو قول أحمد ومشهور قول مالك .
وقال الجمهور : يشترط أن تكون على معين سواء كان واحدا أو أكثر واختلفوا هل يختص القتل بواحد أو يقتل الكل؟ وقد تقدم البحث فيه ، وقال أشهب : لهم أن يحلفوا على جماعة ويختاروا واحدا للقتل ويسجن الباقون عاما ويضربون مائة مائة ، وهو قول لم يسبق إليه .
وفيه أن الحلف في القسامة لا يكون إلا مع الجزم بالقاتل ، والطريق إلى ذلك المشاهدة وإخبار من يوثق به مع القرينة الدالة على ذلك ، وفيه أن من [ ص: 248 ] توجهت عليه اليمين فنكل عنها لا يقضى عليه حتى يرد اليمين على الآخر وهو المشهور عند الجمهور ، وعند أحمد والحنفية يقضى عليه دون رد اليمين .
وفيه أن أيمان القسامة خمسون يمينا واختلف في عدد الحالفين فقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : لا يجب الحق حتى يحلف الورثة خمسين يمينا سواء قلوا أم كثروا فلو كان بعدد الأيمان حلف كل واحد منهم يمينا وإن كانوا أقل أو نكل بعضهم ردت الأيمان على الباقين فإن لم يمكن إلا واحد حلف خمسين يمينا واستحق حتى لو كان من يرث بالفرض والتعصيب أو بالنسب والولاء حلف واستحق .
وقال مالك : إن كان ولي الدم واحدا ضم إليه آخر من العصبة ولا يستعان بغيرهم وإن كان الأولياء أكثر حلف منهم خمسون ، وقال الليث : لم أسمع أحدا يقول إنها تنزل عن ثلاثة أنفس ، وقال الزهري عن nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب : أول من نقص القسامة عن خمسين معاوية . قال الزهري : وقضى به عبد الملك ثم رده عمر بن عبد العزيز إلى الأمر الأول .
واستدل به على تقديم الأسن في الأمر المهم إذا كانت فيه أهلية ذلك لا ما إذا كان عريا عن ذلك ، وعلى ذلك يحمل الأمر بتقديم الأكبر في حديث الباب إما لأن ولي الدم لم يكن متأهلا فأقام الحاكم قريبه مقامه في الدعوى وإما لغير ذلك .
وفيه التأنيس والتسلية لأولياء المقتول لا أنه حكم على الغائبين لأنه لم يتقدم صورة دعوى على غائب وإنما وقع الإخبار بما وقع فذكر لهم قصة الحكم على التقديرين ومن ثم كتب إلى اليهود بعد أن دار بينهم الكلام المذكور ، ويؤخذ منه أن مجرد الدعوى لا توجب إحضار المدعى عليه ، لأن في إحضاره مشغلة عن أشغاله وتضييعا لماله من غير موجب ثابت لذلك ، أما لو ظهر ما يقوي الدعوى من شبهة ظاهرة فهل يسوغ استحضار الخصم أو لا؟ محل نظر ، والراجح أن ذلك يختلف بالقرب والبعد وشدة الضرر وخفته .
وفيه الاكتفاء بالمكاتبة وبخبر الواحد مع إمكان المشافهة .
وعن الحنفية لا ترد اليمين ، وهي رواية عن أحمد ، واستدل به على أن المدعين والمدعى عليهم إذا نكلوا عن اليمين وجبت الدية في بيت المال وقد تقدم ما فيه قريبا ، واستدل به على أن من يحلف في القسامة لا يشترط أن يكون رجلا ولا بالغا لإطلاق قوله : " خمسين منكم وبه قال ربيعة nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي وأحمد ، وقال مالك : لا مدخل للنساء في القسامة لأن المطلوب في القسامة القتل ولا يسمع من النساء .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : لا يحلف في القسامة إلا الوارث البالغ لأنها يمين في دعوى حكمية فكانت كسائر الأيمان ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة ، واختلف في القسامة هل هي معقولة المعنى فيقاس عليها أو لا والتحقيق أنها معقولة المعنى لكنه خفي ومع ذلك فلا يقاس عليها لأنها لا نظير لها في الأحكام ، وإذا قلنا إن المبدأ فيها يمين المدعي فقد خرجت عن سنن القياس ، وشرط القياس أن لا يكون معدولا به عن سنن القياس كشهادة خزيمة .
( تنبيه ) :
نبه ابن المنير في الحاشية على النكتة في كون nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري لم يورد في هذا الباب الطريق الدالة على تحليف المدعي ، وهي مما خالفت فيه القسامة بقية الحقوق فقال : مذهب nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري تضعيف القسامة ، فلهذا [ ص: 249 ] صدر الباب بالأحاديث الدالة على أن اليمين في جانب المدعى عليه ، وأورد طريق سعيد بن عبيد وهو جار على القواعد ، وإلزام المدعي البينة ليس من خصوصية القسامة في شيء ، ثم ذكر حديث القسامة الدال على خروجها عن القواعد بطريق العرض في كتاب الموادعة والجزية فرارا من أن يذكرها هنا فيغلط المستدل بها على اعتقاد nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، قال : وهذا الإخفاء مع صحة القصد ليس من قبيل كتمان العلم .
قلت : الذي يظهر لي أن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري لا يضعف القسامة من حيث هي ، بل يوافق nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في أنه لا قود فيها ، ويخالفه في أن الذي يحلف فيها هو المدعي ، بل يرى أن الروايات اختلفت في ذلك في قصة الأنصار ويهود خيبر فيرد المختلف إلى المتفق عليه من أن اليمين على المدعى عليه فمن ثم أورد رواية سعيد بن عبيد في " باب القسامة " وطريق يحيى بن سعيد في باب آخر ، وليس في شيء من ذلك تضعيف أصل القسامة ، والله أعلم .
وادعى بعضهم أن قوله : " nindex.php?page=hadith&LINKID=891331تحلفون وتستحقون " استفهام إنكار واستعظام للجمع بين الأمرين ، وتعقب بأنهم لم يبدءوا بطلب اليمين حتى يصح الإنكار عليهم ، وإنما هو استفهام تقرير وتشريع .