قوله : ( باب لا يقتل المسلم بالكافر ) عقب هذه الترجمة بالتي قبلها للإشارة إلى أنه لا يلزم من الوعيد الشديد على قتل الذمي أن يقتص من المسلم إذا قتله عمدا ، وللإشارة إلى أن المسلم إذا كان لا يقتل بالكافر فليس له قتل كل كافر ، بل يحرم عليه قتل الذمي والمعاهد بغير استحقاق .
قوله : ( حدثنا صدقة بن الفضل ) ثبت في بعض النسخ هنا " حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12297أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا مطرف أن عامرا حدثهم عن nindex.php?page=showalam&ids=9473أبي جحيفة ح وحدثنا صدقة بن الفضل إلخ " والصواب ما عند الأكثر ، وطريق nindex.php?page=showalam&ids=12297أحمد بن يونس تقدمت في الجزية .
قوله : ( nindex.php?page=showalam&ids=17097مطرف ) بمهملة وتشديد الراء هو ابن طريف بوزن عظيم كوفي مشهور .
قوله : ( سألت عليا ) تقدم في كتاب العلم بيان سبب هذا السؤال ، وهذا السياق أخصر من سياقه في كتاب العلم من وجه آخر عن مطرف ، قال أحمد عن سفيان بن عيينة بهذا السند " هل عندكم شيء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير القرآن؟ ولم يتردد فقال : لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، إلا فهم يؤتيه الله رجلا في القرآن وما في هذه الصحيفة " فذكره ، وقد تقدم من وجه آخر عن مطرف في العلم وغيره مع شرح الحديث وبيان اختلاف ألفاظ نقلته عن علي وبيان المراد بالعقل وفكاك الأسير .
وأما ترك قتل المسلم بالكافر فأخذ به الجمهور ، إلا أنه يلزم من قول مالك في قاطع الطريق ومن في معناه إذا قتل غيلة أن يقتل ولو كان المقتول ذميا استثناء هذه الصورة من منع قتل المسلم بالكافر ، وهي لا تستثنى في الحقيقة لأن فيه معنى آخر وهو الفساد في الأرض ، وخالف الحنفية فقالوا : يقتل المسلم بالذمي إذا قتله بغير استحقاق ولا يقتل بالمستأمن ، وعن الشعبي والنخعي يقتل باليهودي والنصراني دون المجوسي ، واحتجوا بما وقع عند أبي داود من طريق الحسن عن قيس بن عباد عن علي بلفظ : nindex.php?page=hadith&LINKID=849684لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده .
وأخرجه أيضا من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، وأخرجه ابن ماجه من حديث ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي عن عائشة nindex.php?page=showalam&ids=249ومعقل بن يسار ، وطرقه كلها ضعيفة إلا الطريق الأولى والثانية فإن سند كل منهما حسن ، وعلى تقدير قبوله فقالوا : وجه الاستدلال منه أن تقديره : ولا يقتل ذو عهد في عهده بكافر ، قالوا : وهو من عطف الخاص على [ ص: 273 ] العام فيقتضي تخصيصه ، لأن الكافر الذي يقتل به ذو العهد هو الحربي دون المساوي له والأعلى ، فلا يبقى من يقتل بالمعاهد إلا الحربي فيجب أن يكون الكافر الذي لا يقتل به المسلم هو الحربي تسوية بين المعطوف والمعطوف عليه ، قال nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي : ولو كانت فيه دلالة على نفي قتل المسلم بالذمي لكان وجه الكلام أن يقول : ولا ذي عهد في عهده وإلا لكان لحنا ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لا يلحن ، فلما لم يكن كذلك علمنا أن ذا العهد هو المعني بالقصاص فصار التقدير لا يقتل مؤمن ولا ذو عهد في عهده بكافر .
قال : ومثله في القرآن واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن فإن التقدير : واللائي يئسن من المحيض واللائي لم يحضن ، وتعقب بأن الأصل عدم التقدير ، والكلام مستقيم بغيره إذا جعلنا الجملة مستأنفة ، ويؤيده اقتصار الحديث الصحيح على الجملة الأولى . ولو سلم أنها للعطف فالمشاركة في أصل النفي لا من كل وجه ، وهو كقول القائل مررت بزيد منطلقا وعمرو فإنه لا يوجب أن يكون مر بعمرو منطلقا أيضا بل المشاركة في أصل المرور .
ومعنى الحديث لا يقتل مسلم بكافر قصاصا ولا يقتل من له عهد ما دام عهده باقيا ، وقال ابن السمعاني : وأما حملهم الحديث على المستأمن فلا يصح لأن العبرة بعموم اللفظ حتى يقوم دليل على التخصيص ، ومن حيث المعنى أن الحكم الذي يبنى في الشرع على الإسلام والكفر إنما هو لشرف الإسلام أو لنقص الكفر أو لهما جميعا فإن الإسلام ينبوع الكرامة والكفر ينبوع الهوان ، وأيضا إباحة دم الذمي شبهة قائمة لوجود الكفر المبيح للدم والذمة إنما هي عهد عارض منع القتل مع بقاء العلة فمن الوفاء بالعهد أن لا يقتل المسلم ذميا فإن اتفق القتل لم يتجه القول بالقود لأن الشبهة المبيحة لقتله موجودة ومع قيام الشبهة لا يتجه القود .
قلت : وذكر أبو عبيد بسند صحيح عن زفر أنه رجع عن قول أصحابه فأسند عن عبد الواحد بن زياد قال : قلت nindex.php?page=showalam&ids=15922لزفر إنكم تقولون تدرأ الحدود بالشبهات فجئتم إلى أعظم الشبهات فأقدمتم عليها المسلم يقتل بالكافر ، قال : فاشهد على أني رجعت عن هذا ، وذكر nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي أن بعض الحنفية سأل الشاشي عن دليل ترك قتل المسلم بالكافر قال وأراد أن يستدل بالعموم فيقول أخصه بالحربي ، فعدل الشاشي عن ذلك فقال : وجه دليلي السنة والتعليل ؛ لأن ذكر الصفة في الحكم يقتضي التعليل فمعنى لا يقتل المسلم بالكافر تفضيل المسلم بالإسلام . فأسكته .
ومما احتج به الحنفية ما أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني من طريق عمار بن مطر عن إبراهيم بن أبي يحيى عن ربيعة عن ابن البيلماني عن ابن عمر قال : " nindex.php?page=hadith&LINKID=3504218قتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسلما بكافر وقال : أنا أولى من وفى بذمته " ، قال nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني : إبراهيم ضعيف ولم يروه موصولا غيره ، والمشهور عن ابن البيلماني مرسلا ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي : أخطأ راويه عمار بن مطر على إبراهيم في سنده ، وإنما يرويه إبراهيم عن محمد بن المنكدر عن عبد الرحمن بن البيلماني ، هذا هو الأصل في هذا الباب ، وهو منقطع وراويه غير ثقة ، كذلك أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأبو عبيد جميعا عن nindex.php?page=showalam&ids=12357إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى .
قلت : لم ينفرد به إبراهيم كما يوهمه كلامه ، فقد أخرجه أبو داود في المراسيل nindex.php?page=showalam&ids=14695والطحاوي من طريق nindex.php?page=showalam&ids=16036سليمان بن بلال عن ربيعة عن ابن البيلماني ، وابن البيلماني ضعفه جماعة ووثق فلا يحتج بما ينفرد به إذا وصل ، فكيف إذا أرسل ، فكيف إذا خالف؟ قاله nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني .
وقد ذكر أبو عبيد بعد أن حدث به عن إبراهيم ، بلغني أن إبراهيم قال : [ ص: 274 ] أنا حدثت به ربيعة عن ابن المنكدر عن ابن البيلماني ، فرجع الحديث على هذا إلى إبراهيم ، وإبراهيم ضعيف أيضا ، قال أبو عبيدة : وبمثل هذا السند لا تسفك دماء المسلمين .
قلت : وتبين أن عمار بن مطر خبط في سنده ، وذكر nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في " الأم " كلاما حاصله أن في حديث ابن البيلماني أن ذلك كان في قصة المستأمن الذي قتله عمرو بن أمية ، قال فعلى هذا لو ثبت لكان منسوخا لأن حديث " nindex.php?page=hadith&LINKID=849234لا يقتل مسلم بكافر " خطب به النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح كما في رواية عمرو بن شعيب ، وقصة عمرو بن أمية متقدمة على ذلك بزمان .
ومن حججهم قطع المسلم بسرقة مال الذمي ، قالوا والنفس أعظم حرمة ، وأجاب ابن بطال بأنه قياس حسن لولا النص ، وأجاب غيره بأن القطع حق لله ، ومن ثم لو أعيدت السرقة بعينها لم يسقط الحد ولو عفا ، والقتل بخلاف ذلك . وأيضا القصاص يشعر بالمساواة ولا مساواة للكافر والمسلم ، والقطع لا تشترط فيه المساواة .