قوله : ( باب إذا عرض الذمي أو غيره ) أي المعاهد ومن يظهر الإسلام .
قوله : ( بسب النبي - صلى الله عليه وسلم ) أي وتنقيصه ، وقوله : " ولم يصرح " تأكيد فإن التعريض خلاف التصريح ، وقد تقدم بيانه في تفسير قوله تعالى : ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء .
قوله : ( نحو قوله السام عليكم ) في رواية الكشميهني " السام عليك " بالإفراد ، وكذا وقع في حديثي عائشة nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر في الباب ، ولم يختلف في حديث أنس في لفظ " عليك " بالإفراد وتقدمت الأحاديث الثلاثة مع شرحها في كتاب الاستئذان ، واعترض بأن هذا اللفظ ليس فيه تعريض بالسب ، والجواب أنه أطلق التعريض على ما يخالف التصريح ولم يرد التعريض المصطلح وهو أن يستعمل لفظا في حقيقته يلوح به إلى معنى آخر يقصده .
وقال ابن المنير : حديث الباب يطابق الترجمة بطريق الأولى ، لأن الجرح أشد من السب ، فكأن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري يختار مذهب الكوفيين في هذه المسألة ، انتهى ملخصا .
وفيه نظر لأنه لم يبت الحكم ولا يلزم من تركه قتل من قال ذلك لمصلحة التأليف أن لا يجب قتله ؛ حيث لا مصلحة في تركه ، وقد نقل ابن المنذر الاتفاق على أن من سب النبي - صلى الله عليه وسلم - صريحا وجب قتله ، ونقل أبو بكر الفارسي أحد أئمة الشافعية في كتاب الإجماع أن [ ص: 294 ] من سب النبي - صلى الله عليه وسلم - مما هو قذف صريح كفر باتفاق العلماء ، فلو تاب لم يسقط عنه القتل لأن حد قذفه القتل وحد القذف لا يسقط بالتوبة ، وخالفه القفال فقال : كفر بالسب فيسقط القتل بالإسلام ، وقال الصيدلاني : يزول القتل ويجب حد القذف ، وضعفه الإمام ، فإن عرض فقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : لا أعلم خلافا في وجوب قتله إذا كان مسلما .
وقال ابن بطال : اختلف العلماء فيمن سب النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فأما أهل العهد والذمة كاليهود فقال ابن القاسم عن مالك : يقتل إلا أن يسلم ، وأما المسلم فيقتل بغير استتابة .
ونقل ابن المنذر عن الليث nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وأحمد وإسحاق مثله في حق اليهودي ونحوه ، ومن طريق nindex.php?page=showalam&ids=15500الوليد بن مسلم عن الأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك في المسلم : هي ردة يستتاب منها . وعن الكوفيين إن كان ذميا عزر وإن كان مسلما فهي ردة .
وحكى عياض خلافا هل كان ترك من وقع منه ذلك لعدم التصريح أو لمصلحة التأليف؟ ونقل عن بعض المالكية أنه إنما لم يقتل اليهود في هذه القصة لأنهم لم تقم عليهم البينة بذلك ولا أقروا به فلم يقض فيهم بعلمه ، وقيل إنهم لما لم يظهروه ولووه بألسنتهم ترك قتلهم . وقيل إنه لم يحمل ذلك منهم على السب بل على الدعاء بالموت الذي لا بد منه ، ولذلك قال في الرد عليهم " وعليكم " أي الموت نازل علينا وعليكم فلا معنى للدعاء به ، أشار إلى ذلك القاضي عياض وتقدمت الإشارة إليه في الاستئذان ، وكذا من قال : " السأم " بالهمز بمعنى السآمة هو دعاء بأن يملوا الدين وليس بصريح في السب ، والله أعلم .
وعلى القول بوجوب قتل من وقع منه ذلك من ذمي أو معاهد فترك لمصلحة التأليف هل ينتقض بذلك عهده؟ محل تأمل . واحتج nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي لأصحابهم بحديث الباب وأيده بأن هذا الكلام لو صدر من مسلم لكان ردة ، وأما صدوره من اليهود فالذي هم عليه من الكفر أشد منه فلذلك لم يقتلهم النبي صلى الله عليه وسلم .
وتعقب بأن دماءهم لم تحقن إلا بالعهد وليس في العهد أنهم يسبون النبي - صلى الله عليه وسلم - فمن سبه منهم تعد العهد فينتقض فيصير كافرا بلا عهد فيهدر دمه إلا أن يسلم ويؤيده أنه لو كان كل ما يعتقدونه لا يؤاخذون به لكانوا لو قتلوا مسلما لم يقتلوا لأن من معتقدهم حل دماء المسلمين ومع ذلك لو قتل منهم أحد مسلما قتل ، فإن قيل إنما يقتل بالمسلم قصاصا بدليل أنه يقتل به ولو أسلم ولو سب ثم أسلم لم يقتل .
قلنا : الفرق بينهما أن قتل المسلم يتعلق بحق آدمي فلا يهدر ، وأما السب فإن وجوب القتل به يرجع إلى حق الدين فيهدمه الإسلام ، والذي يظهر أن ترك قتل اليهود إنما كان لمصلحة التأليف أو لكونهم لم يعلنوا به أو لهما جميعا وهو أولى ، والله أعلم .