باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم وقول الله تعالى وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون وكان nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر يراهم شرار خلق الله وقال إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين
[ ص: 296 ] قوله : ( باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم وقول الله تعالى وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون . أما الخوارج فهم جمع خارجة أي طائفة ، وهم قوم مبتدعون سموا بذلك لخروجهم عن الدين وخروجهم على خيار المسلمين ، وأصل بدعتهم فيما حكاه الرافعي في الشرح الكبير أنهم خرجوا على علي - رضي الله عنه - حيث اعتقدوا أنه يعرف قتلة عثمان - رضي الله عنه - ويقدر عليهم ولا يقتص منهم لرضاه بقتله أو مواطأته إياهم ، كذا قال ، وهو خلاف ما أطبق عليه أهل الأخبار ؛ فإنه لا نزاع عندهم أن الخوارج لم يطلبوا بدم عثمان بل كانوا ينكرون عليه أشياء ويتبرءون منه .
وأصل ذلك أن بعض أهل العراق أنكروا سيرة بعض أقارب عثمان فطعنوا على عثمان بذلك ، وكان يقال لهم القراء لشدة اجتهادهم في التلاوة والعبادة ، إلا أنهم كانوا يتأولون القرآن على غير المراد منه ويستبدون برأيهم ويتنطعون في الزهد والخشوع وغير ذلك ، فلما قتل عثمان قاتلوا مع علي واعتقدوا كفر عثمان ومن تابعه واعتقدوا إمامة علي وكفر من قاتله من أهل الجمل الذين كان رئيسهم طلحة والزبير فإنهما خرجا إلى مكة بعد أن بايعا عليا فلقيا عائشة وكانت حجت تلك السنة فاتفقوا على طلب قتلة عثمان وخرجوا إلى البصرة يدعون الناس إلى ذلك ، فبلغ عليا فخرج إليهم ، فوقعت بينهم وقعة الجمل المشهورة وانتصر علي وقتل طلحة في المعركة وقتل الزبير بعد أن انصرف من الوقعة ، فهذه الطائفة هي التي كانت تطلب بدم عثمان بالاتفاق .
ثم قام معاوية بالشام في مثل ذلك وكان أمير الشام إذ ذاك وكان علي أرسل إليه لأن يبايع له أهل الشام فاعتل بأن عثمان قتل مظلوما وتجب المبادرة إلى الاقتصاص من قتلته وأنه أقوى الناس على الطلب بذلك ، ويلتمس من علي أن يمكنه منهم ، ثم يبايع له بعد ذلك ، وعلي يقول ادخل فيما دخل فيه الناس وحاكمهم إلي أحكم فيهم بالحق ، فلما طال الأمر خرج علي في أهل العراق طالبا قتال أهل الشام فخرج معاوية في أهل الشام قاصدا إلى قتاله ، فالتقيا بصفين فدامت الحرب بينهما أشهرا .
وكاد أهل الشام أن ينكسروا فرفعوا المصاحف على الرماح ونادوا ندعوكم إلى كتاب الله تعالى وكان ذلك بإشارة عمرو بن العاص وهو مع معاوية ، فترك جمع كثير ممن كان مع علي وخصوصا القراء القتال بسبب ذلك تدينا ، واحتجوا بقوله تعالى : ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم الآية ، فراسلوا أهل الشام في ذلك فقالوا ابعثوا حكما منكم وحكما منا ويحضر معهما من لم يباشر القتال فمن رأوا الحق معه أطاعوه ، فأجاب علي ومن معه إلى ذلك ، وأنكرت ذلك تلك الطائفة التي صاروا خوارج وكتب علي بينه وبين معاوية كتاب الحكومة بين أهل العراق والشام : هذا ما قضى عليه أمير المؤمنين على معاوية فامتنع أهل الشام من ذلك وقالوا اكتبوا اسمه واسم أبيه ، فأجاب علي إلى ذلك فأنكره عليه الخوارج أيضا .
ثم انفصل الفريقان على أن يحضر الحكمان ومن معهما بعد مدة عينوها في مكان وسط بين الشام والعراق ، ويرجع العسكران إلى بلادهم إلى أن يقع الحكم ، فرجع معاوية إلى الشام ، ورجع علي إلى الكوفة ، ففارقه الخوارج وهم ثمانية آلاف وقيل : كانوا أكثر من عشرة آلاف وقيل ستة آلاف ، ونزلوا مكانا يقال له حروراء بفتح المهملة وراءين الأولى مضمومة ، ومن ثم قيل لهم الحرورية وكان كبيرهم عبد الله [ ص: 297 ] بن الكواء بفتح الكاف وتشديد الواو مع المد اليشكري ، وشبث بفتح المعجمة والموحدة بعدها مثلثة التميمي فأرسل إليهم علي ابن عباس فناظرهم فرجع كثير منهم معه .
ثم خرج إليهم علي ، فأطاعوه ودخلوا معه الكوفة معهم رئيساهم المذكوران ، ثم أشاعوا أن عليا تاب من الحكومة ولذلك رجعوا معه ، فبلغ ذلك عليا فخطب وأنكر ذلك ، فتنادوا من جوانب المسجد : لا حكم إلا لله ، فقال : كلمة حق يراد بها باطل ، فقال لهم : لكم علينا ثلاثة : أن لا نمنعكم من المساجد ، ولا من رزقكم من الفيء ، ولا نبدؤكم بقتال ما لم تحدثوا فسادا .
وخرجوا شيئا بعد شيء إلى أن اجتمعوا بالمدائن ، فراسلهم في الرجوع فأصروا على الامتناع حتى يشهد على نفسه بالكفر لرضاه بالتحكيم ويتوب ، ثم راسلهم أيضا فأرادوا قتل رسوله ، ثم اجتمعوا على أن من لا يعتقد معتقدهم يكفر ويباح دمه وماله وأهله ، وانتقلوا إلى الفعل فاستعرضوا الناس فقتلوا من اجتاز بهم من المسلمين ، ومر بهم عبد الله بن خباب بن الأرت وكان واليا لعلي على بعض تلك البلاد ومعه سرية وهي حامل فقتلوه وبقروا في سريته عن ولد ، فبلغ عليا فخرج إليهم في الجيش الذي كان هيأه للخروج إلى الشام .
فأوقع بهم بالنهروان ، ولم ينج منهم إلا دون العشرة ولا قتل ممن معه إلا نحو العشرة ، فهذا ملخص أول أمرهم ، ثم انضم إلى من بقي منهم من مال إلى رأيهم فكانوا مختفين في خلافة علي حتى كان منهم عبد الرحمن بن ملجم الذي قتل عليا بعد أن دخل علي في صلاة الصبح ، ثم لما وقع صلح الحسن ومعاوية ثارت منهم طائفة فأوقع بهم عسكر الشام بمكان يقال له النجيلة ثم كانوا منقمعين في إمارة زياد وابنه عبيد الله على العراق طول مدة معاوية وولده يزيد .
وظفر زياد وابنه منهم بجماعة فأبادهم بين قتل وحبس طويل ، فلما مات يزيد ووقع الافتراق وولي الخلافة عبد الله بن الزبير وأطاعه أهل الأمصار إلا بعض أهل الشام ثار مروان فادعى الخلافة وغلب على جميع الشام إلى مصر ، فظهر الخوارج حينئذ بالعراق مع نافع بن الأزرق ، وباليمامة مع نجدة بن عامر وزاد نجدة على معتقد الخوارج أن من لم يخرج ويحارب المسلمين فهو كافر ولو اعتقد معتقدهم ، وعظم البلاء بهم وتوسعوا في معتقدهم الفاسد فأبطلوا رجم المحصن وقطعوا يد السارق من الإبط وأوجبوا الصلاة على الحائض في حال حيضها وكفروا من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إن كان قادرا ، وإن لم يكن قادرا فقد ارتكب كبيرة ، وحكم مرتكب الكبيرة عندهم حكم الكافر ، وكفوا عن أموال أهل الذمة وعن التعرض لهم مطلقا وفتكوا فيمن ينسب إلى الإسلام بالقتل والسبي والنهب ، فمنهم من يفعل ذلك مطلقا بغير دعوة منهم ، ومنهم من يدعو أولا ثم يفتك ، ولم يزل البلاء بهم يزيد إلى أن أمر nindex.php?page=showalam&ids=15350المهلب بن أبي صفرة على قتالهم فطاولهم حتى ظفر بهم وتقلل جمعهم ، ثم لم يزل منهم بقايا في طول الدولة الأموية وصدر الدولة العباسية ، ودخلت طائفة منهم المغرب .
وقد صنف في أخبارهم أبو مخنف بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح النون بعدها فاء واسمه لوط بن يحيى كتابا لخصه الطبري في تاريخه وصنف في أخبارهم أيضا الهيثم بن عدي كتابا ، ومحمد بن قدامة الجوهري أحد شيوخ nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري خارج الصحيح كتابا كبيرا ، وجمع أخبارهم أبو العباس المبرد في كتابه " الكامل " لكن بغير أسانيد بخلاف المذكورين قبله .
قال القاضي nindex.php?page=showalam&ids=12815أبو بكر بن العربي : الخوارج صنفان ؛ أحدهما يزعم أن عثمان وعليا وأصحاب الجمل وصفين وكل من رضي بالتحكيم كفار ، والآخر يزعم أن كل من أتى كبيرة فهو كافر مخلد في النار أبدا .
وقال غيره : بل الصنف الأول مفرع عن الصنف الثاني لأن الحامل لهم على تكفير أولئك كونهم أذنبوا فيما فعلوه بزعمهم .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم : ذهب نجدة بن عامر من الخوارج إلى أن من أتى صغيرة عذب بغير النار ، ومن أدمن على صغيرة فهو كمرتكب الكبيرة في التخليد في النار ، وذكر [ ص: 298 ] أن منهم من غلا في معتقدهم الفاسد فأنكر الصلوات الخمس وقال : الواجب صلاة بالغداة وصلاة بالعشي .
ومنهم من جوز نكاح بنت الابن وبنت الأخ والأخت ، ومنهم من أنكر أن تكون سورة يوسف من القرآن ، وأن من قال لا إله إلا الله فهو مؤمن عند الله ولو اعتقد الكفر بقلبه .
وقال أبو منصور البغدادي في المقالات : عدة فرق الخوارج عشرون فرقة ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم أسوؤهم حالا الغلاة المذكورون وأقربهم إلى قول أهل الحق الإباضية ، وقد بقيت منهم بقية بالمغرب ، وقد وردت بما ذكرته من أصل حال الخوارج أخبار جياد : منها ما أخرجه عبد الرزاق عن معمر وأخرجه الطبري من طريق يونس كلاهما عن الزهري قال : لما نشر أهل الشام المصاحف بمشورة عمرو بن العاص حين كاد أهل العراق أن يغلبوهم هاب أهل الشام ذلك إلى أن آل الأمر إلى التحكيم ، ورجع كل إلى بلده إلى أن اجتمع الحكمان في العام المقبل بدومة الجندل وافترقا عن غير شيء ، فلما رجعوا خالفت الحرورية عليا وقالوا لا حكم إلا لله ، وأخرج ابن أبي شيبة من طريق أبي رزين قال : لما وقع الرضا بالتحكيم ورجع علي إلى الكوفة اعتزلت الخوارج بحروراء فبعث لهم علي nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس فناظرهم ، فلما رجعوا جاء رجل إلى علي فقال : إنهم يتحدثون أنك أقررت لهم بالكفر لرضاك بالتحكيم ، فخطب وأنكر ذلك فتنادوا من جوانب المسجد : لا حكم إلا لله . ومن وجه آخر أن رءوسهم حينئذ الذين اجتمعوا بالنهروان عبد الله بن وهب الراسبي وزيد بن حصن الطائي وحرقوص بن زهير السعدي ، فاتفقوا على تأمير nindex.php?page=showalam&ids=16472عبد الله بن وهب ، وسيأتي كثير من أسانيد ما أشرت إليه بعد في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي في " الوسيط " تبعا لغيره في حكم الخوارج وجهان : أحدهما أنه كحكم أهل الردة ، والثاني أنه كحكم أهل البغي ، ورجح الرافعي الأول ، وليس الذي قاله مطردا في كل خارجي فإنهم على قسمين : أحدهما من تقدم ذكره ، والثاني من خرج في طلب الملك لا للدعاء إلى معتقده ، وهم على قسمين أيضا : قسم خرجوا غضبا للدين من أجل جور الولاة وترك عملهم بالسنة النبوية فهؤلاء أهل حق ، ومنهم الحسن بن علي وأهل المدينة في الحرة والقراء الذين خرجوا على الحجاج ، وقسم خرجوا لطلب الملك فقط سواء كانت فيهم شبهة أم لا وهم البغاة . وسيأتي بيان حكمهم في كتاب الفتن ، وبالله التوفيق .
قوله : ( وكان ابن عمر يراهم شرار خلق الله إلخ ) وصله الطبري في مسند علي من تهذيب الآثار من طريق بكير بن عبد الله بن الأشج أنه سأل nindex.php?page=showalam&ids=17191نافعا كيف كان رأي ابن عمر في الحرورية؟ قال : كان يراهم شرار خلق الله ، انطلقوا إلى آيات الكفار فجعلوها في المؤمنين .
وعند nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني من هذا الوجه مرفوعا هم شر الخلق والخليقة يقتلهم خير الخلق والخليقة وفي حديث أبي سعيد عند أحمد " هم شر البرية " ، وفي رواية عبيد الله بن أبي رافع عن علي عند مسلم : " nindex.php?page=hadith&LINKID=849722من أبغض خلق الله إليه " ، وفي حديث عبد الله بن خباب يعني عن أبيه عند nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني " nindex.php?page=hadith&LINKID=849723شر قتلى أظلتهم السماء وأقلتهم الأرض " ، وفي حديث أبي أمامة نحوه ، وعند أحمد nindex.php?page=showalam&ids=12508وابن أبي شيبة من حديث nindex.php?page=showalam&ids=88أبي برزة مرفوعا في ذكر الخوارج " nindex.php?page=hadith&LINKID=849724شر الخلق والخليقة يقولها ثلاثا " ، وعند ابن أبي شيبة من طريق عمير بن إسحاق عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة " هم شر الخلق " وهذا مما يؤيد قول من قال بكفرهم . ثم ذكر nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في الباب ثلاثة أحاديث :
[ ص: 299 ] الحديث الأول : قوله : ( حدثنا خيثمة ) بفتح الخاء المعجمة والمثلثة بينهما تحتانية ساكنة هو ابن عبد الرحمن بن أبي سبرة بفتح المهملة وسكون الموحدة الجعفي ، لأبيه ولجده صحبة ، ووقع في رواية سهل بن بجر عن عمر بن حفص بهذا السند : حدثني بالإفراد أخرجه أبو نعيم ولم يصرح بالتحديث فيه إلا nindex.php?page=showalam&ids=15730حفص بن غياث ؛ فقد أخرجه مسلم من رواية nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع nindex.php?page=showalam&ids=16753وعيسى بن يونس nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري وجرير nindex.php?page=showalam&ids=12156وأبي معاوية ، وتقدم في علامات النبوة وفضائل القرآن من رواية nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري ، وهو عند أبي داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي من رواية الثوري أيضا ، وعند أبي عوانة من رواية يعلى بن عبيد ، وعند الطبري أيضا من رواية nindex.php?page=showalam&ids=17329يحيى بن عيسى الرملي وعلي بن هشام كلهم عن الأعمش بالعنعنة ، وذكر nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي أن عيسى بن يونس زاد فيه رجلا فقال عن الأعمش : حدثني عمرو بن مرة عن nindex.php?page=showalam&ids=15848خيثمة .
قلت : لم أر في رواية عيسى عند مسلم ذكر عمرو بن مرة وهو من المزيد في متصل الأسانيد ، لأن أبا معاوية هو الميزان في حديث الأعمش .
قوله : ( nindex.php?page=showalam&ids=16072سويد بن غفلة ) بفتح المعجمة والفاء مخضرم من كبار التابعين ، وقد قيل إن له صحبة ، وتقدم بيان ذلك في أواخر فضائل القرآن .
قوله : ( قال علي ) هو على حذف " قال " وهو كثير في الخط والأولى أن ينطق به ، وقد مضى في آخر فضائل القرآن من رواية الثوري عن الأعمش بهذا السند قال : " قال علي " ، وعند nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي من هذا الوجه عن علي ، قال nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني : لم يصح لسويد بن غفلة عن علي مرفوع إلا هذا .
قلت : وما له في الكتب الستة ولا عند أحمد غيره ، وله في المستدرك من طريق الشعبي عنه قال : " خطب علي بنت أبي جهل " أخرجه من طريق أحمد عن يحيى بن أبي زائدة عن زكريا عن الشعبي ، وسنده جيد ، لكنه مرسل لم يقل فيه " عن علي " .
قوله : ( إذا حدثتكم ) في رواية يحيى بن عيسى سبب لهذا الكلام ، فأول الحديث عنده عن nindex.php?page=showalam&ids=16072سويد بن غفلة قال : " كان علي يمر بالنهر وبالساقية فيقول : صدق الله ورسوله فقلنا يا أمير المؤمنين ما تزال تقول هذا قال إذا حدثتكم إلخ ، وكان علي في حال المحاربة يقول ذلك ، وإذا وقع له أمر يوهم أن عنده في ذلك أثرا ، فخشي في هذه الكائنة أن يظنوا أن قصة ذي الثدية من ذلك القبيل فأوضح أن عنده في أمره نصا صريحا ، وبين لهم أنه إذا حدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يكني ولا يعرض ولا يوري ، وإذا لم يحدث عنه فعل ذلك ليخدع بذلك من يحاربه ، ولذلك استدل بقوله : nindex.php?page=hadith&LINKID=849725الحرب خدعة .
قوله : ( فوالله لأن أخر ) بكسر الخاء المعجمة أي أسقط .
قوله : ( من السماء ) زاد أبو معاوية nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري في روايتهما " إلى الأرض " أخرجه أحمد عنهما ، وسقطت للمصنف في علامات النبوة ولم يسق مسلم لفظهما ، ووقع في رواية يحيى بن عيسى " أخر من السماء فتخطفني الطير أو تهوي بي الريح في مكان سحيق " .
قوله : ( فيما بيني وبينكم ) في رواية يحيى بن عيسى " عن نفسي " ، وفي رواية الأعمش عن nindex.php?page=showalam&ids=15950زيد بن وهب عن علي " قام فينا علي عند أصحاب النهر فقال : ما سمعتموني أحدثكم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحدثوا به ، وما سمعتموني أحدث في غير ذلك " . ويستفاد من هذه الرواية معرفة الوقت الذي حدث فيه علي بذلك والسبب أيضا .
قوله : ( سيخرج قوم في آخر الزمان ) كذا وقع في هذه الرواية وفي حديث nindex.php?page=showalam&ids=88أبي برزة عند nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي " يخرج في آخر الزمان قوم " ، وهذا قد يخالف حديث أبي سعيد المذكور في الباب بعده ، فإن مقتضاه أنهم خرجوا في خلافة علي ، وكذا أكثر الأحاديث الواردة في أمرهم ، وأجاب ابن التين بأن المراد زمان الصحابة وفيه نظر ، لأن آخر زمان الصحابة كان على رأس المائة وهم قد خرجوا قبل ذلك بأكثر من ستين سنة ، ويمكن الجمع بأن المراد بآخر الزمان زمان خلافة النبوة ، فإن في حديث سفينة المخرج في السنن وصحيح nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان وغيره مرفوعا : nindex.php?page=hadith&LINKID=849727الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تصير ملكا وكانت قصة الخوارج وقتلهم بالنهروان في أواخر خلافة علي سنة ثمان وعشرين بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - بدون الثلاثين بنحو سنتين .
قوله : ( أحداث ) بمهملة ثم مثلثة جمع حدث بفتحتين والحدث هو الصغير السن هكذا في أكثر الروايات ، ووقع هنا للمستملي والسرخسي حداث بضم أوله وتشديد الدال ، قال في " المطالع " معناه شباب جمع حديث السن أو جمع حدث .
قال ابن التين حداث جمع حديث مثل كرام جمع كريم وكبار جمع كبير ، والحديث الجديد من كل شيء ويطلق على الصغير بهذا الاعتبار ، وتقدم في التفسير حداث مثل هذا اللفظ لكنه هناك جمع على غير قياس ، والمراد سمار يتحدثون ؛ قاله في النهاية ، وتقدم في علامات النبوة بلفظ : حدثاء بوزن سفهاء وهو جمع حديث كما تقدم تقريره ، والأسنان جمع سن والمراد به العمر ، والمراد أنهم شباب .
قوله : ( سفهاء الأحلام ) جمع حلم بكسر أوله والمراد به العقل ، والمعنى أن عقولهم رديئة .
وقال النووي : يستفاد منه أن التثبت وقوة البصيرة تكون عند كمال السن وكثرة التجارب وقوة العقل .
قلت : ولم يظهر لي وجه الأخذ منه فإن هذا معلوم بالعادة لا من خصوص كون هؤلاء كانوا بهذه الصفة .
قوله : ( يقولون من خير قول البرية ) تقدم في علامات النبوة وفي آخر فضائل القرآن قول من قال إنه مقلوب وأن المراد من قول خير البرية وهو القرآن .
قوله : ( لا يجاوز إيمانهم حناجرهم ) في رواية الكشميهني " لا يجوز " والحناجر بالحاء المهملة والنون ثم الجيم جمع حنجرة بوزن قسورة وهي الحلقوم والبلعوم وكله يطلق على مجرى النفس وهو طرف المريء مما يلي الفم ، ووقع في رواية مسلم من رواية nindex.php?page=showalam&ids=15950زيد بن وهب عن علي " nindex.php?page=hadith&LINKID=849730لا تجاوز صلاتهم تراقيهم " فكأنه أطلق الإيمان على الصلاة وله في حديث أبي ذر " لا يجاوز إيمانهم حلاقيمهم " والمراد أنهم يؤمنون بالنطق لا بالقلب ، وفي رواية عبيد الله بن أبي رافع عن علي عند مسلم " يقولون الحق بألسنتهم لا يجاوز هذا منهم وأشار إلى حلقه " وهذه المجاوزة غير المجاوزة الآتية في حديث أبي سعيد .
[ ص: 301 ] قوله : ( nindex.php?page=hadith&LINKID=849731يمرقون من الدين ) في رواية أبي إسحاق عن nindex.php?page=showalam&ids=16072سويد بن غفلة عند nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي nindex.php?page=showalam&ids=16935والطبري nindex.php?page=hadith&LINKID=849732يمرقون من الإسلام وكذا في حديث ابن عمر في الباب ، وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=15950زيد بن وهب المشار إليها ، وحديث أبي بكرة في الطبري وعند nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي من رواية طارق بن زياد عن علي " يمرقون من الحق " ، وفيه تعقب على من فسر الدين هنا بالطاعة كما تقدمت الإشارة إليه في علامات النبوة .
قلت : وليطمئن قلب المستحلف لإزالة توهم ما أشار إليه علي أن الحرب خدعة فخشي أن يكون لم يسمع في ذلك شيئا منصوصا ، وإلى ذلك يشير قول عائشة nindex.php?page=showalam&ids=16439لعبد الله بن شداد في روايته المشار إليها حيث قالت له : " ما قال علي حينئذ؟ قال سمعته يقول : صدق الله ورسوله ، قالت : رحم الله عليا إنه كان لا يرى شيئا يعجبه إلا قال صدق الله ورسوله ، فيذهب أهل العراق فيكذبون عليه ويزيدونه " ، فمن هذا أراد عبيدة بن عمرو التثبت في هذه القصة بخصوصها وأن فيها نقلا منصوصا مرفوعا .
وأخرج أحمد نحو هذا الحديث عن علي وزاد في آخره : " قتالهم حق على كل مسلم " ، ووقع سبب تحديث علي بهذا الحديث في رواية عبيد الله بن أبي رافع فيما أخرجه مسلم من رواية بشر بن سعيد عنه قال : " إن الحرورية لما خرجت وهو مع علي قالوا : لا حكم إلا لله تعالى ، فقال علي : كلمة حق أريد بها باطل ، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصف ناسا إني لأعرف صفتهم في هؤلاء يقولون الحق بألسنتهم ولا يجاوز هذا منهم - وأشار بحلقه - من أبغض خلق الله إليه " الحديث .