قوله : ( باب إذا استووا في القراءة فليؤمهم أكبرهم ) هذه الترجمة مع ما سأبينه من زيادة في بعض طرق حديث الباب منتزعة من حديث أخرجه مسلم من رواية nindex.php?page=showalam&ids=91أبي مسعود الأنصاري مرفوعا nindex.php?page=hadith&LINKID=843852يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ، فإن كانت قراءتهم سواء فليؤمهم أقدمهم هجرة ، فإن كانوا في الهجرة سواء فليؤمهم أكبرهم سنا الحديث . ومداره على إسماعيل بن رجاء عن أوس بن ضمعج عنه ، وليسا جميعا من شرط nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، وقد نقل ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه أن شعبة كان يتوقف في صحة هذا الحديث ، ولكن هو في الجملة يصلح للاحتجاج به عند nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، وقد علق منه طرفا بصيغة الجزم كما سيأتي ، واستعمله هنا في الترجمة ، وأورد في الباب ما يؤدي معناه وهو حديث مالك بن الحويرث لكن ليس فيه التصريح باستواء المخاطبين في القراءة ، وأجاب الزين بن المنير وغيره بما حاصله أن تساوي هجرتهم وإقامتهم وغرضهم بها مع ما في الشباب غالبا من الفهم - ثم توجه الخطاب إليهم بأن يعلموا من وراءهم من غير تخصيص بعضهم دون بعض - دال على استوائهم في القراءة والتفقه في الدين .
قلت : وقد وقع التصريح بذلك فيما رواه أبو داود من طريق مسلمة بن محمد عن خالد الحذاء عن أبي قلابة في هذا الحديث قال " وكنا يومئذ متقاربين في العلم " انتهى . وأظن في هذه الرواية إدراجا ، فإن nindex.php?page=showalam&ids=13113ابن خزيمة رواه من طريق إسماعيل بن علية عن خالد قال " قلت لأبي قلابة فأين القراءة ؟ قال : إنهما كانا متقاربين " وأخرجه مسلم من طريق nindex.php?page=showalam&ids=15730حفص بن غياث عن خالد الحذاء وقال فيه " قال الحذاء : وكانا متقاربين في القراءة " . ويحتمل [ ص: 201 ] أن يكون مستند أبي قلابة في ذلك هو إخبار مالك بن الحويرث ، كما أن مستند الحذاء هو إخبار أبي قلابة له به فينبغي الإدراج عن الإسناد والله أعلم .
( تنبيه ) : ضمعج والد أوس بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم وفتح العين المهملة بعدها جيم معناه الغليظ ، وقوله في حديث أبي مسعود " أقرؤهم " قيل المراد به الأفقه وقيل هو على ظاهره ، وبحسب ذلك اختلف الفقهاء . قال النووي قال أصحابنا : الأفقه مقدم على الأقرأ ، فإن الذي يحتاج إليه من القراءة مضبوط والذي يحتاج إليه من الفقه غير مضبوط ، فقد يعرض في الصلاة أمر لا يقدر على مراعاة الصلاة فيه إلا كامل الفقه ، ولهذا قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر في الصلاة على الباقين مع أنه - صلى الله عليه وسلم - نص على أن غيره أقرأ منه ، كأنه عنى حديث أقرؤكم أبي . قال : وأجابوا عن الحديث بأن الأقرأ من الصحابة كان هو الأفقه .
قلت : وهذا الجواب يلزم منه أن من نص النبي - صلى الله عليه وسلم - على أنه أقرأ من أبي بكر كان أفقه من أبي بكر فيفسد الاحتجاج بأن تقديم أبي بكر كان لأنه الأفقه . ثم قال النووي بعد ذلك : إن قوله في حديث أبي مسعود nindex.php?page=hadith&LINKID=843853فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة ، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم في الهجرة يدل على تقديم الأقرأ مطلقا انتهى . وهو واضح للمغايرة . وهذه الرواية أخرجها مسلم أيضا من وجه آخر عن إسماعيل بن رجاء ، ولا يخفى أن محل تقديم الأقرأ إنما هو حيث يكون عارفا بما يتعين معرفته من أحوال الصلاة ، فأما إذا كان جاهلا بذلك فلا يقدم اتفاقا ، والسبب فيه أن أهل ذلك العصر كانوا يعرفون معاني القرآن لكونهم أهل اللسان ، فالأقرأ منهم بل القارئ كان أفقه في الدين من كثير من الفقهاء الذين جاءوا بعدهم .
قوله : ( ونحن شببة ) بفتح المعجمة والموحدتين جمع شاب ، زاد في الأدب من طريق nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية عن أيوب " شببة متقاربون " والمراد تقاربهم في السن ، لأن ذلك كان في حال قدومهم .
قوله : ( نحوا من عشرين ) في رواية nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية المذكورة الجزم به ولفظه " فأقمنا عنده عشرين ليلة " والمراد بأيامها ، ووقع التصريح بذلك في روايته في خبر الواحد من طريق عبد الوهاب عن أيوب .
قوله : ( رحيما فقال لو رجعتم ) في رواية nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية وعبد الوهاب nindex.php?page=hadith&LINKID=843854رحيما رقيقا فظن أنا اشتقنا إلى أهلنا ، وسألنا عمن تركنا بعدنا فأخبرناه فقال : ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم ، ويمكن الجمع بينهما بأن يكون عرض ذلك عليهم على طريق الإيناس بقوله " لو رجعتم " إذ لو بدأهم بالأمر بالرجوع لأمكن أن يكون فيه تنفير فيحتمل أن يكونوا أجابوه بنعم فأمرهم حينئذ بقوله " ارجعوا " ، واقتصار الصحابي على ذكر سبب الأمر برجوعهم بأنه الشوق إلى أهليهم دون قصد التعليم هو لما قام عنده من القرينة الدالة على ذلك ، ويمكن أن يكون عرف ذلك بتصريح القول منه - صلى الله عليه وسلم - وإن كان سبب تعليمهم قومهم أشرف في حقهم ، لكنه أخبر بالواقع ولم يتزين بما ليس فيهم ، ولما كانت نيتهم صادقة صادف شوقهم إلى أهلهم الحظ الكامل في الدين وهو أهلية التعليم كما قال الإمام أحمد في الحرص على طلب الحديث : حظ وافق حقا .
[ ص: 202 ] قوله : ( وليؤمكم أكبركم ) ظاهره تقديم الأكبر بكثير السن وقليله ، وأما من جوز أن يكون مراده بالكبر ما هو أعم من السن أو القدر كالتقدم في الفقه والقراءة والدين فبعيد لما تقدم من فهم راوي الخبر حيث قال للتابعي " فأين القراءة " فإنه دال على أنه أراد كبر السن ، وكذا دعوى من زعم أن قوله وليؤمكم أكبركم معارض بقوله nindex.php?page=hadith&LINKID=843855يؤم القوم أقرؤهم لأن الأول يقتضي تقديم الأكبر على الأقرأ والثاني عكسه ، ثم انفصل عنه بأن قصة مالك بن الحويرث واقعة عين قابلة للاحتمال بخلاف الحديث الآخر فإنه تقرير قاعدة تفيد التعميم ، قال : فيحتمل أن يكون الأكبر منهم كان يومئذ هو الأفقه . انتهى . والتنصيص على تقاربهم في العلم يرد عليه ، فالجمع الذي قدمناه أولى والله أعلم . وفي الحديث أيضا فضل الهجرة والرحلة في طلب العلم وفضل التعليم ، وما كان عليه - صلى الله عليه وسلم - من الشفقة والاهتمام بأحوال الصلاة وغيرها من أمور الدين ، وإجازة خبر الواحد وقيام الحجة به ، وتقدم الكلام على بقية فوائده في " باب من قال يؤذن في السفر مؤذن واحد " . ويأتي الكلام على قوله nindex.php?page=hadith&LINKID=840143صلوا كما رأيتموني أصلي في " باب إجازة خبر الواحد " إن شاء الله تعالى .