[ ص: 430 ] قوله : ( باب نزع الماء من البئر حتى يروى الناس ) هو بفتح الواو من الري ، والنزع بفتح النون وسكون الزاي إخراج الماء للاستسقاء .
قوله : ( رواه nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم ) وصله المصنف من حديثه في الباب الذي بعده .
قوله : ( حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=14302يعقوب بن إبراهيم بن كثير ) هو الدورقي وشعيب بن حرب هو المدائني يكنى أبا صالح كان أصله من بغداد فسكن المدائن حتى نسب إليها ثم انتقل إلى مكة فنزلها إلى أن مات بها ، وكان صدوقا شديد الورع ، وقد وثقه nindex.php?page=showalam&ids=17336يحيى بن معين nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني وآخرون وما له في nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري سوى هذا الحديث الواحد ، وقد ذكره في الضعفاء شعيب بن حرب فقال : منكر الحديث مجهول ، وأظنه آخر وافق اسمه واسم أبيه والعلم عند الله تعالى .
قوله : ( بينا أنا على بئر أنزع منها ) أي أستخرج منها الماء بآلة كالدلو . وفي حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة في الباب الذي يليه " رأيتني على قليب وعليها دلو فنزعت منها ما شاء الله " ، وفي رواية همام " رأيت أني على حوض أسقي الناس " والجمع بينهما أن القليب هو البئر المقلوب ترابها قبل الطي ، والحوض هو الذي يجعل بجانب البئر لشرب الإبل فلا منافاة .
قوله : ( إذ جاءني أبو بكر وعمر ) في رواية أبي يونس عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة " فجاءني أبو بكر فأخذ أبو بكر الدلو " أي التي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يملأ بها الماء ، ووقع في رواية همام الآتية بعد هذا " فأخذ أبو بكر مني الدلو ليريحني " ، وفي رواية أبي يونس " ليروحني " وأول حديث سالم عن أبيه في الباب الذي يليه " رأيت الناس اجتمعوا " ، ولم يذكر قصة النزع ، ووقع في رواية أبي بكر بن سالم عن أبيه " أريت في النوم أني أنزع على قليب بدلو بكرة " فذكر الحديث نحوه أخرجه أبو عوانة .
قوله : ( فنزع ذنوبا أو ذنوبين ) كذا هنا ، ومثله لأكثر الرواة ، ووقع في رواية همام المذكورة " ذنوبين " ولم يشك ، ومثله في رواية أبي يونس ، والذنوب بفتح المعجمة الدلو الممتلئ .
قوله : ( وفي نزعه ضعف ) تقدم شرحه وبيان الاختلاف في تأويله في آخر علامات النبوة في مناقب عمر .
قوله : ( فغفر الله له ) وقع في الروايات المذكورة " والله يغفر له " .
قوله : ( ثم أخذها ابن الخطاب من يد أبي بكر ) كذا هنا ، ولم يذكر مثله في أخذ أبي بكر الدلو من النبي صلى الله عليه وسلم ، ففيه إشارة إلى أن عمر ولي الخلافة بعهد من أبي بكر إليه بخلاف أبي بكر فلم تكن خلافته بعهد صريح من النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكن وقعت عدة إشارات إلى ذلك فيها ما يقرب من الصريح .
قوله : ( فاستحالت في يده غربا ) أي تحولت الدلو غربا ، وهي بفتح الغين المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة بلفظ مقابل الشرق ، قال أهل اللغة : الغرب الدلو العظيمة المتخذة من جلود البقر ، فإذا فتحت الراء فهو الماء الذي يسيل بين البئر والحوض .
ونقل ابن التين عن أبي عبد الملك البوني أن الغرب كل شيء رفيع ، [ ص: 431 ] وعن الداودي قال : المراد أن الدلو أحالت باطن كفيه حتى صار أحمر من كثرة الاستسقاء ، قال ابن التين : وقد أنكر ذلك أهل العلم وردوه على قائله .
قوله : ( فلم أر عبقريا ) تقدم ضبطه وبيانه في مناقب عمر ، وكذلك قوله : " يفري فريه " ، ووقع عند nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي في رواية nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن nindex.php?page=showalam&ids=17177موسى بن عقبة عن سالم عن أبيه : قال حجاج قلت nindex.php?page=showalam&ids=13036لابن جريج : ما استحال؟ قال : رجع .
قلت : ما العبقري؟ قال : الأجير . وتفسير العبقري بالأجير غريب قال أبو عمرو الشيباني : عبقري القوم سيدهم وقويهم وكبيرهم .
وقال الفارابي : العبقري من الرجال الذي ليس فوقه شيء . وذكر الأزهري أن عبقر موضع بالبادية ، وقيل بلد كان ينسج فيه البسط الموشية فاستعمل في كل شيء جيد وفي كل شيء فائق . ونقل أبو عبيد أنها من أرض الجن ، وصار مثلا لكل ما ينسب إلى شيء نفيس .
وقال الفراء : العبقري السيد وكل فاخر من حيوان وجوهر وبساط وضعت عليه وأطلقوه في كل شيء عظيم في نفسه . وقد وقع في رواية عقيل المشار إليه " ينزع نزع ابن الخطاب " وفي رواية أبي يونس " فلم أر نزع رجل قط أقوى منه " .
قوله : ( حتى ضرب الناس بعطن ) بفتح المهملتين وآخره نون هو ما يعد للشرب حول البئر من مبارك الإبل ، والمراد بقوله : " ضرب " أي ضربت الإبل بعطن بركت ، والعطن للإبل كالوطن للناس لكن غلب على مبركها حول الحوض . ووقع في رواية أبي بكر بن سالم عن أبيه عند أبي بكر بن أبي شيبة " حتى روى الناس وضربوا بعطن " .
ووقع في رواية همام " فلم يزل ينزع حتى تولى الناس والحوض يتفجر " ، وفي رواية أبي يونس " ملآن ينفجر " قال القاضي عياض : ظاهر هذا الحديث أن المراد خلافة عمر ، وقيل هو لخلافتهما معا لأن أبا بكر جمع شمل المسلمين أولا بدفع أهل الردة وابتدأت الفتوح في زمانه ، ثم عهد إلى عمر فكثرت في خلافته الفتوح واتسع أمر الإسلام واستقرت قواعده .
وقال غيره : معنى عظم الدلو في يد عمر كون الفتوح كثرت في زمانه ومعنى " استحالت " انقلبت عن الصغر إلى الكبر .
وقال النووي : قالوا هذا المنام مثال لما جرى للخليفتين من ظهور آثارهما الصالحة وانتفاع الناس بهما ، وكل ذلك مأخوذ من النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه صاحب الأمر فقام به أكمل قيام وقرر قواعد الدين ، ثم خلفه أبو بكر فقاتل أهل الردة وقطع دابرهم ، ثم خلفه عمر فاتسع الإسلام في زمنه ، فشبه أمر المسلمين بقليب فيه الماء الذي فيه حياتهم وصلاحهم وشبه بالمستقي لهم منها وسقيه هو قيامه بمصالحهم ، وفي قوله : " ليريحني " إشارة إلى خلافة أبي بكر بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأن في الموت راحة من كدر الدنيا وتعبها ، فقام أبو بكر بتدبير أمر الأمة ومعاناة أحوالهم .
وأما قوله : " وفي نزعه ضعف " فليس فيه حط من فضيلته ، وإنما هو إخبار عن حاله في قصر مدة ولايته ، وأما ولاية عمر فإنها لما طالت كثر انتفاع الناس بها واتسعت دائرة الإسلام بكثرة الفتوح وتمصير الأمصار وتدوين الدواوين ، وأما قوله : " والله يغفر له " فليس فيه نقص له ولا إشارة إلى أنه وقع منه ذنب ، وإنما هي كلمة كانوا يقولونها يدعمون بها الكلام . وفي الحديث إعلام بخلافتهما وصحة ولايتهما وكثرة الانتفاع بهما ، فكان كما قال .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : ليس المراد بالدلو التقدير الدال على قصر الحظ ، بل المراد التمكن من البئر ، وقوله في الرواية المذكورة : بدلو بكرة فيه إشارة إلى صغر الدلو قبل أن يصير غربا .
وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=12002أبو ذر الهروي في كتاب الرؤيا من حديث ابن مسعود نحو حديث الباب ، لكن قال في آخره " فعبرها يا أبا بكر ، قال : ألي الأمر بعدك ويليه بعدي عمر . قال : كذلك عبرها الملك " وفي سنده أيوب بن جابر وهو ضعيف [ ص: 432 ] وهذه الزيادة منكرة .
قال nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : حديث سمرة يعارض حديث ابن عمر وهما خبران .
قلت : الثاني هو المعتمد ، فحديث ابن عمر مصرح بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الرائي ، وحديث سمرة فيه أن رجلا أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه رأى ، وقد أخرج أحمد من حديث nindex.php?page=showalam&ids=11871أبي الطفيل شاهدا لحديث ابن عمر وزاد فيه " فوردت علي غنم سود وغنم عفر " وقال فيه " فأولت السود العرب والعفر العجم " ، وفي قصة عمر " فملأ الحوض وأروى الواردة " ، ومن المغايرة بينهما أيضا أن في حديث ابن عمر " نزع الماء من البئر " وحديث سمرة فيه نزول الماء من السماء ، فهما قصتان تشد إحداهما الأخرى ، وكأن قصة حديث سمرة سابقة فنزل الماء من السماء وهي خزانته فأسكن في الأرض كما يقتضيه حديث سمرة ثم أخرج منها بالدلو كما دل عليه حديث ابن عمر .
وفي حديث سمرة إشارة إلى نزول النصر من السماء على الخلفاء ، وفي حديث ابن عمر إشارة إلى استيلائهم على كنوز الأرض بأيديهم ، وكلاهما ظاهر من الفتوح التي فتحوها . وفي حديث سمرة زيادة إشارة إلى ما وقع لعلي من الفتن والاختلاف عليه ؛ فإن الناس أجمعوا على خلافته ثم لم يلبث أهل الجمل أن خرجوا عليه وامتنعمعاوية في أهل الشام ثم حاربه بصفين ثم غلب بعد قليل على مصر ، وخرجت الحرورية على علي فلم يحصل له في أيام خلافته راحة ، فضرب المنام المذكور مثلا لأحوالهم ، رضوان الله عليهم أجمعين .