قوله : ( باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - رب مبلغ أوعى من سامع ) هذا الحديث المعلق ، أورد المصنف في الباب معناه ، وأما لفظه فهو موصول عنده في باب الخطبة بمنى من كتاب الحج ، أورد فيه هذا الحديث من طريق قرة بن خالد عن nindex.php?page=showalam&ids=16972محمد بن سيرين قال : أخبرني nindex.php?page=showalam&ids=16329عبد الرحمن بن أبي بكرة ورجل أفضل في نفسي من عبد الرحمن - حميد بن عبد الرحمن - كلاهما عن أبي بكرة قال : خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر قال : " أتدرون أي يوم هذا " وفي آخره هذا اللفظ . وغفل القطب الحلبي ومن تبعه من الشراح في عزوهم له إلى تخريج الترمذي من حديث ابن مسعود فأبعدوا النجعة ، وأوهموا عدم تخريج المصنف له . والله المستعان . و " رب " للتقليل ، وقد ترد للتكثير ، و " مبلغ " بفتح اللام و " أوعى " نعت له ، والذي يتعلق به رب محذوف وتقديره يوجد أو يكون ، ويجوز على مذهب الكوفيين في أن رب اسم أن تكون هي مبتدأ وأوعى الخبر فلا حذف ولا تقدير ، والمراد : رب مبلغ عني أوعى - أي : أفهم - لما أقول من سامع مني . وصرح بذلك nindex.php?page=showalam&ids=13564أبو القاسم بن منده في روايته من طريق هوذة عن ابن عون ولفظه : " فإنه عسى أن يكون بعض من لم يشهد أوعى لما أقول من بعض من شهد " .
قوله : ( nindex.php?page=showalam&ids=15535بشر ) هو ابن المفضل ، ورجال الإسناد كلهم بصريون .
[ ص: 191 ] قوله : ( ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - ) نصب النبي على المفعولية ، وفي " ذكر " ضمير يعود على الراوي ، يعني أن أبا بكرة كان يحدثهم فذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : قعد على بعيره . وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي ما يشعر بذلك ولفظه عن أبي بكرة قال . وذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - . فالواو إما حالية وإما عاطفة والمعطوف عليه محذوف . وقد وقع في رواية nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر عن أبي بكرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قعد ولا إشكال فيه .
قوله : ( وأمسك إنسان بخطامه أو بزمامه ) الشك من الراوي ، والزمام والخطام بمعنى ، وهو الخيط الذي تشد فيه الحلقة التي تسمى بالبرة - بضم الموحدة وتخفيف الراء المفتوحة - في أنف البعير . وهذا الممسك سماه بعض الشراح بلالا ، واستند إلى ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي من طريق أم الحصين قالت : حججت فرأيت بلالا يقود بخطام راحلة النبي - صلى الله عليه وسلم - انتهى . وقد وقع في السنن من حديث عمرو بن خارجة قال : كنت آخذا بزمام ناقة النبي - صلى الله عليه وسلم - انتهى . فذكر بعض الخطبة ، فهو أولى أن يفسر به المبهم من بلال ، لكن الصواب أنه هنا أبو بكرة ، فقد ثبت ذلك في رواية nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي من طريق ابن المبارك عن ابن عون ولفظه : nindex.php?page=hadith&LINKID=3502558خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على راحلته يوم النحر ، وأمسكت - إما قال بخطامها ، وإما قال بزمامها - واستفدنا من هذا أن الشك ممن دون أبي بكرة لا منه . وفائدة إمساك الخطام صون البعير عن الاضطراب حتى لا يشوش على راكبه .
قوله : ( أي يوم هذا ) سقط من رواية المستملي والحموي السؤال عن الشهر والجواب الذي قبله فصار هكذا : أي يوم هذا ، فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه قال : أليس بذي الحجة ؟ وكذا في رواية الأصيلي وتوجيهه ظاهر ، وهو من إطلاق الكل على البعض ; ولكن الثابت في الروايات عند مسلم وغيره ما ثبت عند الكشميهني وكريمة ، وكذلك وقع في رواية مسلم وغيره السؤال عن البلد ، وهذا كله في رواية ابن عون ، وثبت السؤال عن الثلاثة عند المصنف في الأضاحي من رواية أيوب ، وفي الحج من رواية قرة كلاهما عن ابن سيرين ، قال القرطبي : سؤاله - صلى الله عليه وسلم - عن الثلاثة وسكوته بعد كل سؤال منها كان لاستحضار فهومهم وليقبلوا عليه بكليتهم ، وليستشعروا عظمة ما يخبرهم عنه ، ولذلك قال بعد هذا : فإن دماءكم إلخ ، مبالغة في بيان تحريم هذه الأشياء ، انتهى . ومناط التشبيه في قوله : " كحرمة يومكم " وما بعده ظهوره عند السامعين ; لأن تحريم البلد والشهر واليوم كان ثابتا في نفوسهم ، مقررا عندهم ، بخلاف الأنفس والأموال والأعراض فكانوا في الجاهلية يستبيحونها ، فطرأ الشرع عليهم بأن تحريم دم المسلم وماله وعرضه أعظم من تحريم البلد والشهر واليوم ، فلا يرد كون المشبه به أخفض رتبة من المشبه ; لأن الخطاب إنما وقع بالنسبة لما اعتاده المخاطبون قبل تقرير الشرع . ووقع في الروايات التي أشرنا إليها عند المصنف وغيره أنهم أجابوه عن كل سؤال بقولهم : الله ورسوله أعلم . وذلك من حسن أدبهم ; لأنهم علموا أنه لا يخفى عليه ما يعرفونه من الجواب ، وأنه ليس مراده مطلق الإخبار بما يعرفونه ، ولهذا قال في رواية الباب : حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه . ففيه إشارة إلى تفويض الأمور الكلية إلى الشارع ، ويستفاد منه الحجة لمثبتي الحقائق الشرعية .
[ ص: 192 ] قوله : ( فإن دماءكم إلخ ) هو على حذف مضاف ، أي : سفك دمائكم وأخذ أموالكم وثلب أعراضكم . والعرض بكسر العين موضع المدح والذم من الإنسان ، سواء كان في نفسه أو سلفه .
قوله : ( ليبلغ الشاهد ) أي : الحاضر في المجلس ( الغائب ) أي : الغائب عنه ، والمراد إما تبليغ القول المذكور أو تبليغ جميع الأحكام . وقوله : " منه " صلة لأفعل التفضيل ، وجاز الفصل بينهما لأن في الظرف سعة ، وليس الفاصل أيضا أجنبيا .
( فائدة ) : وقع في حديث الباب : " فسكتنا بعد السؤال " . وعند المصنف في الحج من حديث ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس يوم النحر فقال : أي يوم هذا ؟ قالوا : يوم حرام . وظاهرهما التعارض ، والجمع بينهما أن الطائفة الذين كان فيهم ابن عباس أجابوا ، والطائفة الذين كان فيهم أبو بكرة لم يجيبوا بل قالوا : الله ورسوله أعلم كما أشرنا إليه . أو تكون رواية ابن عباس بالمعنى ; لأن في حديث أبي بكرة عند المصنف في الحج وفي الفتن أنه لما قال : " أليس يوم النحر ؟ قالوا بلى " بمعنى قولهم يوم حرام بالاستلزام ، وغايته أن أبا بكرة نقل السياق بتمامه ، واختصره ابن عباس . وكأن ذلك كان بسبب قرب أبي بكرة منه لكونه كان آخذا بخطام الناقة . وقال بعضهم : يحتمل تعدد الخطبة ، فإن أراد أنه كررها في يوم النحر فيحتاج لدليل ، فإن في حديث ابن عمر عند المصنف في الحج أن ذلك كان يوم النحر بين الجمرات في حجته . وفي هذا الحديث من الفوائد - غير ما تقدم - الحث على تبليغ العلم ، وجواز التحمل قبل كمال الأهلية ، وأن الفهم ليس شرطا في الأداء ، وأنه قد يأتي في الآخر من يكون أفهم ممن تقدمه لكن بقلة ، واستنبط ابن المنير من تعليل كون المتأخر أرجح نظرا من المتقدم أن تفسير الراوي أرجح من تفسير غيره . وفيه جواز القعود على ظهر الدواب وهي واقفة إذا احتيج إلى ذلك ، وحمل النهي الوارد في ذلك على ما إذا كان لغير ضرورة >[1] . وفيه الخطبة على موضع عال ليكون أبلغ في إسماعه للناس ورؤيتهم إياه .