قوله : باب هل يقضي القاضي أو يفتي وهو غضبان ) في رواية الكشميهني " الحاكم " ذكر فيه ثلاثة أحاديث أحدها
قوله : كتب أبو بكرة ) يعني والد عبد الرحمن الراوي المذكور .
قوله ( إلى ابنه ) كذا وقع هنا غير مسمى ، ووقع في أطراف المزي " إلى ابنه عبيد الله " وقد سمي في رواية مسلم ولكن بغير هذا اللفظ أخرجه من طريق أبي عوانة عن nindex.php?page=showalam&ids=16490عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن قال " كتب أبي وكتبت له إلى عبيد الله بن أبي بكرة " ووقع في العمدة " كتب أبي وكتبت له إلى ابنه عبيد الله وقد سمي إلخ " وهو موافق لسياق مسلم إلا أنه زاد لفظ " ابنه " قيل معناه كتب أبو بكرة بنفسه مرة وأمر ولده [ ص: 147 ] عبد الرحمن أن يكتب لأخيه فكتب له مرة أخرى . قلت : ولا يتعين ذلك ، بل الذي يظهر أن قوله " كتب أبي " أي أمر بالكتابة ، وقوله " وكتبت له " أي باشرت الكتابة التي أمر بها ، والأصل عدم التعدد ، ويؤيده
قوله في المتن المكتوب : إني سمعت " فإن هذه العبارة لأبي بكرة لا لابنه عبد الرحمن ، فإنه لا صحبة له وهو أول مولود ولد بالبصرة كما تقدم في الكلام على قول أبي بكرة " لو دخلوا علي ما جهشت لهم بقصبة " .
قوله ( وكان بسجستان ) في رواية مسلم " وهو قاض بسجستان " وهي جملة حالية وسجستان بكسر المهملة والجيم على الصحيح بعدهما مثناة ساكنة وهي إلى جهة الهند بينها وبين كرمان مائة فرسخ منها أربعون فرسخا مفازة ليس فيها ماء وينسب إليها سجستاني وسجزتي بزاي بدل السين الثانية والتاء وهو على غير قياس ، وسجستان لا تصرف للعلمية والعجمة أو زيادة الألف والنون ، قال ابن سعد في الطبقات : كان زياد في ولايته على العراق قرب أولاد أخيه لأمه أبي بكرة وشرفهم وأقطعهم وولى عبيد الله بن أبي بكرة سجستان ، قال ومات أبو بكرة في ولاية زياد .
قوله : أن لا تقضي بين اثنين وأنت غضبان ) في رواية مسلم " أن لا تحكم " .
قوله ( لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان ) في رواية مسلم " لا يحكم أحد " والباقي سواء ، وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي عن سفيان بن عيينة عن nindex.php?page=showalam&ids=16490عبد الملك بن عمير بسنده " nindex.php?page=hadith&LINKID=848332لا يقضي القاضي أو لا يحكم الحاكم بين اثنين وهو غضبان " ولم يذكر القصة . والحكم بفتحتين هو الحاكم ، وقد يطلق على القيم بما يسند إليه . قال المهلب : سبب هذا النهي أن الحكم حالة الغضب قد يتجاوز بالحاكم إلى غير الحق فمنع ، وبذلك قال فقهاء الأمصار . وقال ابن دقيق العيد : فيه النهي عن الحكم حالة الغضب لما يحصل بسببه من التغير الذي يختل به النظر فلا يحصل استيفاء الحكم على الوجه قال : وعداه الفقهاء بهذا المعنى إلى كل ما يحصل به تغير الفكر كالجوع والعطش المفرطين وغلبة النعاس وسائر ما يتعلق به القلب تعلقا يشغله عن استيفاء النظر ، وهو قياس مظنة على مظنة ، وكأن الحكمة في الاقتصار على ذكر الغضب لاستيلائه على النفس وصعوبة مقاومته بخلاف غيره . وقد أخرج nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي بسند ضعيف عن أبي سعيد رفعه " nindex.php?page=hadith&LINKID=848333لا يقض القاضي إلا وهو شبعان ريان " وقول الشيخ " وهو قياس مظنة على مظنة " صحيح ، وهو استنباط معنى دل عليه النص فإنه لما نهى عن الحكم حالة الغضب فهم منه أن الحكم لا يكون إلا في حالة استقامة الفكر ، فكانت علة النهي المعنى المشترك وهو تغير الفكر ، والوصف بالغضب يسمى علة بمعنى أنه مشتمل عليه فألحق به ما في معناه كالجائع " قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في " الأم " : أكره للحاكم أن يحكم وهو جائع أو تعب أو مشغول القلب فإن ذلك يغير القلب " .
( فرع ) :
لو خالف فحكم في حال الغضب صح إن صادف الحق مع الكراهة ، هذا قول الجمهور ، وقد تقدم أنه صلى الله عليه وسلم قضى للزبير بشراج الحرة بعد أن أغضبه خصم الزبير ، لكن لا حجة فيه لرفع الكراهة عن غيره لعصمته صلى الله عليه وسلم فلا يقول في الغضب إلا كما يقول في الرضا . قال النووي في حديث اللقطة : " فيه جواز الفتوى في حال الغضب " وكذلك الحكم وينفذ ولكنه مع الكراهة في حقنا ولا يكره في حقه صلى الله عليه وسلم لأنه لا يخاف عليه في الغضب ما يخاف على غيره ، وأبعد من قال : يحمل على أنه تكلم في الحكم قبل وصوله في الغضب إلى تغير الفكر ، ويؤخذ من الإطلاق أنه لا فرق بين مراتب الغضب ولا أسبابه ، وكذا أطلقه الجمهور ، وفصل إمام الحرمين والبغوي فقيدا الكراهة بما إذا كان الغضب لغير الله ، واستغرب الروياني هذا التفصيل واستبعده غيره لمخالفته لظواهر الحديث وللمعنى الذي [ ص: 148 ] لأجله نهي عن الحكم حال الغضب ، وقال بعض الحنابلة لا ينفذ الحكم في حالة الغضب لثبوت النهي عنه والنهي يقتضي الفساد " وفصل بعضهم بين أن يكون الغضب طرأ عليه بعد أن استبان له الحكم فلا يؤثر وإلا فهو محل الخلاف ، وهو تفصيل معتبر " وقال ابن المنير : أدخل nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري حديث أبي بكرة الدال على المنع ثم حديث أبي مسعود الدال على الجواز تنبيها منه على طريق الجمع بأن يجعل الجواز خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم لوجود العصمة في حقه والأمن من التعدي ، أو أن غضبه إنما كان للحق فمن كان في مثل حاله جاز وإلا منع ، وهو كما قيل في شهادة العدو إن كانت دنيوية ردت وإن كانت دينية لم ترد قاله ابن دقيق العيد وغيره . وفي الحديث أن الكتابة بالحديث كالسماع من الشيخ في وجوب العمل ، وأما في الرواية فمنع منها قوم إذا تجردت عن الإجازة ، والمشهور الجواز . نعم الصحيح عند الأداء أن لا يطلق الإخبار بل يقول كتب إلي أو كاتبني أو أخبرني في كتابه ، وفيه ذكر الحكم مع دليله في التعليم ، ويجيء مثله في الفتوى . وفيه شفقة الأب على ولده وإعلامه بما ينفعه وتحذيره من الوقوع فيما ينكر . وفيه نشر العلم للعمل به والاقتداء وإن لم يسأل العالم عنه .