باب الشهادة على الخط المختوم وما يجوز من ذلك وما يضيق عليهم وكتاب الحاكم إلى عامله والقاضي إلى القاضي وقال بعض الناس كتاب الحاكم جائز إلا في الحدود ثم قال إن كان القتل خطأ فهو جائز لأن هذا مال بزعمه وإنما صار مالا بعد أن ثبت القتل فالخطأ والعمد واحد وقد كتب عمر إلى عامله في الجارود وكتب عمر بن عبد العزيز في سن كسرت وقال إبراهيم كتاب القاضي إلى القاضي جائز إذا عرف الكتاب والخاتم وكان الشعبي يجيز الكتاب المختوم بما فيه من القاضي ويروى عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر نحوه وقال معاوية بن عبد الكريم الثقفي شهدت عبد الملك بن يعلى قاضي البصرة وإياس بن معاوية والحسن وثمامة بن عبد الله بن أنس وبلال بن أبي بردة وعبد الله بن بريدة الأسلمي وعامر بن عبيدة وعباد بن منصور يجيزون كتب القضاة بغير محضر من الشهود فإن قال الذي جيء عليه بالكتاب إنه زور قيل له اذهب فالتمس المخرج من ذلك وأول من سأل على كتاب القاضي البينة nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى nindex.php?page=showalam&ids=16069وسوار بن عبد الله وقال لنا أبو نعيم حدثنا عبيد الله بن محرز جئت بكتاب من موسى بن أنس قاضي البصرة وأقمت عنده البينة أن لي عند فلان كذا وكذا وهو بالكوفة وجئت به القاسم بن عبد الرحمن فأجازه وكره الحسن وأبو قلابة أن يشهد على وصية حتى يعلم ما فيها لأنه لا يدري لعل فيها جورا وقد كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل خيبر إما أن تدوا صاحبكم وإما أن تؤذنوا بحرب وقال الزهري في الشهادة على المرأة من وراء الستر إن عرفتها فاشهد وإلا فلا تشهد
قوله : باب الشهادة على الخط المختوم ) كذا للأكثر بمعجمة ثم مثناة ، وفي رواية الكشميهني " المحكوم " بمهملة ثم كاف أي المحكوم به ، وسقطت هذه اللفظة nindex.php?page=showalam&ids=12997لابن بطال ، ومراده هل تصح الشهادة على الخط أي بأنه خط فلان ، وقيد بالمختوم لأنه أقرب إلى عدم التزوير على الخط .
قوله : وما يجوز من ذلك وما يضيق عليه ) يريد أن القول بذلك لا يكون على التعميم إثباتا ونفيا ، بل لا يمنع ذلك مطلقا فتضيع الحقوق ، ولا يعمل بذلك مطلقا فلا يؤمن فيه التزوير فيكون جائزا بشروط .
قوله : وكتاب الحاكم إلى عامله والقاضي إلى القاضي ) يشير إلى الرد على من أجاز الشهادة على الخط ولم يجزها في " كتاب القاضي " و " كتاب الحاكم " وسيأتي بيان من قاله والبحث معه فيه .
[ ص: 151 ] قوله ( وقال بعض الناس : كتاب الحاكم جائز إلا في الحدود ، ثم قال : إن كان القتل خطأ فهو جائز لأن هذا مال بزعمه ، وإنما صار مالا بعد أن ثبت القتل ) قال ابن بطال : حجة nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري على من قال ذلك من الحنفية واضحة لأنه إذا لم يجز الكتاب بالقتل فلا فرق بين الخطأ والعمد في أول الأمر ، وإنما يصير مالا بعد الثبوت عند الحاكم ، والعمد أيضا ربما آل إلى المال فاقتضى النظر التسوية .
قوله : وقد كتب عمر إلى عامله في الحدود ) في رواية أبي ذر عن المستملي nindex.php?page=showalam&ids=15086والكشميهني " في الجارود " بجيم خفيفة وبعد الألف راء مضمومة وهو ابن المعلى ويقال ابن عمرو بن المعلى العبدي ، ويقال كان اسمه بشرا والجارود لقبه ، وكان الجارود المذكور قد أسلم وصحب ثم رجع إلى البحرين فكان بها ، وله قصة مع nindex.php?page=showalam&ids=121قدامة بن مظعون عامل عمر على البحرين أخرجها عبد الرزاق من طريق عبد الله بن عامر بن ربيعة قال استعمل عمر nindex.php?page=showalam&ids=121قدامة بن مظعون فقدم الجارود سيد عبد القيس على عمر فقال إن قدامة شرب فسكر فكتب عمر إلى قدامة في ذلك ، فذكر القصة بطولها في قدوم قدامة وشهادة الجارود nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة عليه ، وفي احتجاج قدامة بآية المائدة وفي رد عمر عليه وجلده الحد وسندها صحيح ، وقد تقدم في آخر الحدود ، ونزول الجارود البصرة بعد ذلك واستشهد في خلافة عمر سنة عشرين .
قوله ( وكتب عمر بن عبد العزيز في سن كسرت ) وصله أبو بكر الخلال في " كتاب القصاص والديات من طريق nindex.php?page=showalam&ids=16418عبد الله بن المبارك عن حكيم بن زريق عن أبيه قال " كتب إلي عمر بن عبد العزيز كتابا أجاز فيه شهادة رجل على سن كسرت " .
قوله : وقال إبراهيم : كتاب القاضي إلى القاضي جائز إذا عرف الكتاب والخاتم ) وصله ابن أبي شيبة عن عيسى بن يونس عن عبيدة عن إبراهيم .
قوله ( وكان الشعبي يجيز الكتاب المختوم بما فيه من القاضي ) وصله أبو بكر بن أبي شيبة من طريق عيسى بن أبي عزة قال " كان nindex.php?page=showalam&ids=14577عامر يعني الشعبي يجيز الكتاب المختوم يجيئه من القاضي " وأخرج عبد الرزاق من وجه آخر عن الشعبي قال : لا يشهد ولو عرف الكتاب والخاتم حتى يذكر " ويجمع بينهما بأن الأول إذا كان من القاضي إلى القاضي والثاني في حق الشاهد .
قوله ( ويروى عن ابن عمر نحوه ) قلت : لم يقع لي هذا الأثر عن ابن عمر إلى الآن .
قوله : وقال معاوية بن عبد الكريم الثقفي ) هو المعروف بالضال بضاد معجمة ولام ثقيلة ، سمي بذلك لأنه ضل في طريق مكة ؛ قاله nindex.php?page=showalam&ids=16390عبد الغني بن سعيد المصري ، ووثقه أحمد nindex.php?page=showalam&ids=17336وابن معين وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ، ومات سنة ثمانين ومائة ، وكان معمرا أدرك أبا رجاء العطاردي ، وقد وصل أثره هذا nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع في مصنفه عنه .
قوله ( شهدت ) أي حضرت ( عبد الملك بن يعلى قاضي البصرة ) هو الليثي تابعي ثقة ، وكان nindex.php?page=showalam&ids=13614يزيد بن هبيرة ولاه قضاء البصرة لما ولي إمارتها من قبل nindex.php?page=showalam&ids=17369يزيد بن عبد الملك بن مروان ، ذكر ذلك عمر بن شبة في أخبار البصرة وقال : إنه مات وهو على القضاء ، وأرخه nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في الثقات سنة مائة فوهم ، وذكر ابن سعد أنه كان قاضيا قبل الحسن ومات في خلافة عمر بن عبد العزيز ، والصواب بعد الحسن ، وقول عمر بن شبة هو المعتمد وأن ابن هبيرة هو الذي ولاه ومات على القضاء بعد ذلك بعد المائة بسنتين أو ثلاث ، ويقال بل عاش إلى [ ص: 152 ] خلافة هشام بن عبد الملك فعزله nindex.php?page=showalam&ids=14998خالد بن عبد الله القسري وولى ثمامة بن عبد الله بن أنس .
قوله ( nindex.php?page=showalam&ids=12444وإياس بن معاوية ) بكسر الهمزة وتخفيف التحتانية هو المزني المعروف بالذكاء وكان قد ولي قضاء البصرة في خلافة عمر بن عبد العزيز ولاه عدي بن أرطاة عامل عمر عليها بعد امتناعه منه ، وله في ذلك أخبار ، منها ما ذكره الكرابيسي في " أدب القضاء " قال : حدثنا عبيد الله بن عائشة حدثنا عبد الله بن عمر القيسي قال : قالوا لإياس لما امتنع من الولاية يا أبا واثلة اختر لنا ، قال : لا أتقلد ذلك ، قيل له لو وجدت رجلا ترضاه أكنت تشير به ؟ قال : نعم ، قيل وترضى له أن يلي إذا كان رضا ؟ قال : نعم ، قيل له فإنك خيار ، رضا ، فلم يزالوا به حتى ولي . قلت : ثم وقع بينهما فركب إياس إلى عمر بن عبد العزيز ، فبادر عدي فولى nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري القضاء ، فكتب عمر ينكر على عدي ما ذكره عنه إياس ويوفق صنعه في تولية الحسن القضاء ؛ ذكر ذلك عمر بن شبة ، ومات إياس سنة اثنتين وعشرين ومائة ، وهو ثقة عند الجميع .
قوله : nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن ) هو ابن أبي الحسن البصري الإمام المشهور ، وكان ولي قضاء البصرة مدة لطيفة ولاه عدي أميرها لما ذكرنا ، ومات الحسن سنة عشر ومائة .
قوله : nindex.php?page=showalam&ids=15612وثمامة بن عبد الله بن أنس ) هو الراوي المشهور ، وكان تابعيا ثقة ، ناب في القضاء بالبصرة عن أبي بردة ، ثم ولي قضاء البصرة أيضا في أوائل خلافة هشام بن عبد الملك ولاه خالد القسري سنة ست ومائة وعزله سنة عشر وقيل سنة تسع ، وولى بلال بن أبي بردة ، ومات ثمامة بعد ذلك .
قوله ( وبلال بن أبي بردة ) أي ابن أبي موسى الأشعري ، وكان صديق nindex.php?page=showalam&ids=14998خالد بن عبد الله القسري فولاه قضاء البصرة لما ولي إمرتها من قبل هشام بن عبد الملك ، وضم إليه الشرطة ، فكان أميرا قاضيا ، ولم يزل قاضيا إلى أن قتله nindex.php?page=showalam&ids=17407يوسف بن عمر الثقفي لما ولي الإمرة بعد خالد ، وعذب خالدا وعماله ومنهم بلال ، وذلك في سنة عشرين ومائة ، ويقال إنه مات في حبس يوسف ، وقد أخرج له الترمذي حديثا واحدا ، ولم يكن محمودا في أحكامه ، ويقال إنه كان يقول إن الرجلين ليختصمان إلي فأجد أحدهما أخف على قلبي فأقضي له ، ذكر ذلك أبو العباس المبرد في الكامل .
قوله ( nindex.php?page=showalam&ids=16423وعبد الله بن بريدة الأسلمي ) هو التابعي المشهور ، وكان ولي قضاء مرو بعد أخيه سليمان سنة خمس عشرة ومائة إلى أن مات وهو على قضائها سنة خمس عشرة ومائة ، وذلك في ولاية أسد بن عبد الله القسري على خراسان وهو أخو خالد القسري ، وحديث nindex.php?page=showalam&ids=16423عبد الله بن بريدة بن الخصيب هذا في الكتب الستة .
قوله : وعامر بن عبدة ) هو بفتح الموحدة وقيل بسكونها ؛ ذكره ابن ماكولا بالوجهين ، وقيل فيه أيضا عبيدة بكسر الموحدة وزيادة ياء ، وجميع من في nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري بالسكون إلا بجالة بن عبدة المقدم ذكره في " كتاب الجزية " فإنه بالتحريك ، وعامر هو البجلي أبو إياس الكوفي ووثقه ابن معين وغيره ، وهو من قدماء التابعين له رواية عن ابن مسعود ، وروى عنه المسيب بن رافع وأبو إسحاق ، وحديثه عند nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي ، وكان ولي القضاء بالكوفة مرة وعمر .
قوله ( nindex.php?page=showalam&ids=16292وعباد بن منصور ) أي الناجي بالنون والجيم يكنى أبا سلمة بصري ، قال أبو داود : ولي قضاء البصرة خمس مرات " وذكر عمر بن شبة أنه أول ما ولي سنة سبع وعشرين ولاه يزيد بن عمر بن هبيرة " فلما [ ص: 153 ] عزل وولي مسلم بن قتيبة عزله وولى معاوية بن عمرو ، ثم استعفى فأعفاه مسلم ، وأعاد nindex.php?page=showalam&ids=16292عباد بن منصور ، وكان عباد يرمى بالقدر ويدلس فضعفوه بسبب ذلك ، ويقال إنه تغير ، وحديثه في السنن الأربعة ، وعلق له nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري شيئا ، ومات سنة اثنتين وخمسين ومائة .
قوله : يجيزون كتب القضاة بغير محضر من الشهود إلخ ) يعني قوله " فالتمس المخرج " وهو بفتح الميم وسكون المعجمة وآخره جيم أطلب الخروج من عهدة ذلك إما بالقدح في البينة بما يقبل فتبطل الشهادة ، وإما بما يدل على البراءة من المشهود به .
قوله ( وأول من سأل على " كتاب القاضي " البينة nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى ) هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى قاضي الكوفة وإمامها ، وليها في زمن nindex.php?page=showalam&ids=17407يوسف بن عمر الثقفي في خلافة الوليد بن يزيد ومات سنة ثمان وأربعين ومائة وهو صدوق ، اتفقوا على ضعف حديثه من قبل سوء حفظه . وقال الساجي : كان يمدح في قضائه ، فأما في الحديث فليس بحجة . وقال أحمد : فقه nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى أحب إلي من حديثه . وحديثه في السنن الأربعة ، وأغفل المزي أن يعلم له في " التهذيب " علامة تعليق nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، كما أغفل أن يترجم nindex.php?page=showalam&ids=16069لسوار بن عبد الله المذكور بعده أصلا مع أنه أعلم لكل من ذكره معاوية بن عبد الكريم هنا ممن لم يخرج له شيئا موصولا .
قوله : nindex.php?page=showalam&ids=16069وسوار بن عبد الله ) بفتح المهملة وتشديد الواو وهو العنبري نسبة إلى بني العنبر من بني تميم ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في الثقات : كان فقيها ولاه المنصور قضاء البصرة سنة ثمان وثلاثين ومائة فبقي على قضائها إلى أن مات في ذي القعدة سنة ست وخمسين ، وحفيده nindex.php?page=showalam&ids=16069سوار بن عبد الله بن سوار بن عبد الله ولي قضاء الرصافة ببغداد والجانب الشرقي ، وحديثه في السنن الثلاثة ، ومات سنة خمس وأربعين ومائتين .
قوله : وقال لنا nindex.php?page=showalam&ids=12180أبو نعيم ) هو الفضل بن دكين .
قوله : حدثنا عبيد الله ) بالتصغير ( ابن محرز ) بضم الميم وسكون المهملة وكسر الراء بعدها زاي هو كوفي ، ما رأيت له راويا غير أبي نعيم ، وما له في nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري سوى هذا الأثر ، ولم يزد المزي في ترجمته على ما تضمنه هذا الأثر .
قوله ( جئت بكتاب من موسى بن أنس قاضي البصرة ) أي ابن مالك التابعي المشهور ، وكان ولي قضاء البصرة في ولاية الحكم بن أيوب الثقفي ، وهو ثقة حديثه في الكتب الستة ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في الثقات : مات بعد أخيه النضر بالبصرة ، وكانت وفاة النضر قبل وفاة nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري سنة ثمان أو تسع ومائة .
قوله : فجئت به القاسم بن عبد الرحمن ) أي ابن عبد الله بن مسعود المسعودي يكنى أبا عبد الرحمن ، وقال العجلي : ثقة وكان على قضاء الكوفة زمن عمر بن عبد العزيز ، " وكان لا يأخذ على القضاء أجرا ، وكان ثقة صالحا " وهو تابعي . قال ابن المديني : لم يلق من الصحابة إلا nindex.php?page=showalam&ids=98جابر بن سمرة ، ويقال إنه مات سنة ست عشرة ومائة .
قوله ( فأجازه ) بجيم وزاي أي أمضاه وعمل به .
( تنبيه ) :
وقع في المغني لابن قدامة : يشترط في قول أئمة الفتوى أن يشهد " بكتاب القاضي إلى القاضي " شاهدان عدلان ولا تكفي معرفة خط القاضي وختمه ، وحكى عن الحسن وسوار والحسن العنبري أنهم قالوا : إذا [ ص: 154 ] كان يعرف خطه وختمه قبله ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=11956أبي ثور . قلت : وهو خلاف ما نقله nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن سوار أنه أول من سأل البينة ، وينضم إلى من ذكرهم ابن قدامة سائر من ذكرهم nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري من قضاة الأمصار من التابعين فمن بعدهم .
قوله : وكره nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن ) هو البصري ، وأبو قلابة هو الجرمي بفتح الجيم وسكون الراء .
قوله : أن يشهد ) بفتح أوله والفاعل محذوف أي الشاهد .
قوله ( على وصية حتى يعلم ما فيها ) أما أثر الحسن فوصله الدارمي من رواية nindex.php?page=showalam&ids=17240هشام بن حسان عنه قال : لا تشهد على وصية حتى تقرأ عليك ، ولا تشهد على من لا تعرف ، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور من طريق يونس بن عبيد عن الحسن نحوه . وأما أثر أبي قلابة فوصله ابن أبي شيبة nindex.php?page=showalam&ids=14909ويعقوب بن سفيان جميعا من طريق حماد بن زيد عن أيوب قال : قال أبو قلابة في الرجل يقول اشهدوا على ما في هذه الصحيفة ، قال : لا حتى يعلم ما فيها زاد يعقوب وقال : لعل فيها جورا . وفي هذه الزيادة بيان السبب في المنع المذكور . وقد وافق الداودي من المالكية هذا القول فقال : هذا هو الصواب أنه لا يشهد على وصية حتى يعرف ما فيها . وتعقبه ابن التين بأنها إذا كان فيها جور لم يمنع التحمل ، لأن الحاكم قادر على رده إذا أوجب حكم الشرع رده ، وما عداه يعمل به فليس خشية الجور فيها مانعا من التحمل ، وإنما المانع الجهل بما يشهد به . قال : ووجه الجور أن كثيرا من الناس يرغب في إخفاء أمره لاحتمال أن لا يموت فيحتاط بالإشهاد ويكون حاله مستمرا على الإخفاء .
قوله : وقد كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل خيبر إلخ ) هذا طرف من حديث سهل بن أبي حثمة في قصة حويصة ومحيصة وقتل عبد الله بن سهل بخيبر ; وقد تقدم شرحه مستوفى في الديات في " باب القسامة " ويأتي بهذا اللفظ في " باب كتابة الحاكم إلى عماله " بعد أحد وعشرين بابا .
قوله : وقال الزهري في الشهادة على المرأة من الستر ) أي من ورائه .
قوله ( إن عرفتها فاشهد ) وصله أبو بكر بن أبي شيبة من طريق جعفر بن برقان عن الزهري بنحوه ، ومقتضاه أنه لا يشترط أن يراها حالة الإشهاد بل يكفي أن يعرفها بأي طريق فرض ، وفي ذلك خلاف أشير إليه في " كتاب الشهادات " .
قوله : لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب إلى الروم ) كان ذلك في سنة ست كما تقدم بيانه في شرح حديث أبي سفيان الطويل المذكور في بدء الوحي .
قوله : ( قالوا إنهم لا يقرءون كتابا إلا مختوما ) لم أعرف اسم القائل بعينه .
قوله : فاتخذ خاتما إلخ ) تقدم شرحه مستوفى في أواخر اللباس ، وجملة ما تضمنته هذه الترجمة بآثارها ثلاثة أحكام : الشهادة على الخط ، وكتاب القاضي إلى القاضي ، والشهادة على الإقرار بما في الكتاب .
وظاهر صنيع nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري جواز جميع ذلك ، فأما الحكم الأول فقال ابن بطال : اتفق العلماء على أن الشهادة لا تجوز للشاهد إذا رأى خطه إلا إذا تذكر تلك الشهادة ، فإن كان لا يحفظها فلا يشهد ، فإنه من شاء انتقش خاتما ومن شاء كتب كتابا ، وقد فعل مثله في أيام عثمان في قصة مذكورة في سبب قتله ، وقد قال الله تعالى [ ص: 155 ] إلا من شهد بالحق وهم يعلمون وأجاز مالك الشهادة على الخط ، ونقل ابن شعبان عن ابن وهب أنه قال : لا آخذ بقول مالك في ذلك . وقال nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي : خالف nindex.php?page=showalam&ids=16867مالكا جميع الفقهاء في ذلك وعدوا قوله في ذلك شذوذا ، لأن الخط قد يشبه الخط ، وليست شهادة على قول منه ولا معاينة .
وقال محمد بن الحارث : الشهادة على الخط خطأ ، فقد قال مالك في رجل قال : سمعت فلانا يقول رأيت فلانا قتل فلانا أو طلق امرأته أو قذف : لا يشهد على شهادته إلا إن أشهده . قال : فالخط أبعد من هذا وأضعف ، قال : والشهادة على الخط في الحقيقة استشهاد الموتى ، وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم : لا يقضى في دهرنا بالشهادة على الخط ; لأن الناس قد أحدثوا ضروبا من الفجور . وقد قال مالك : يحدث للناس أقضية على نحو ما أحدثوا من الفجور . وقد كان الناس فيما مضى يجيزون الشهادة على خاتم القاضي ثم رأى مالك أن ذلك لا يجوز فهذه أقوال الجماعة من أئمة المالكية توافق الجمهور . وقال nindex.php?page=showalam&ids=15063أبو علي الكرابيسي في " كتاب أدب القضاء " له أجاز الشهادة على الخط قوم لا نظر لهم ، فإن الكتاب يشبهون الخط بالخط حتى يشكل ذلك على أعلمهم انتهى . وإذا كان هذا في ذلك العصر فكيف بمن جاء بعدهم وهم أكثر مسارعة إلى الشر ممن مضى وأدق نظرا فيه وأكثر هجوما عليه ، وأما الحكم الثاني فقال ابن بطال : اختلفوا في " كتب القضاة " فذهب الجمهور إلى الجواز ، واستثنى الحنفية الحدود ، وهو قول الشافعي ، والذي احتج به nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري على الحنفية قوي لأنه لم يصر مالا إلا بعد ثبوت القتل قال : وما ذكره عن القضاة من التابعين من إجازة ذلك حجتهم فيه ظاهرة من الحديث ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى الملوك ولم ينقل أنه أشهد أحدا على كتابه . قال : ثم أجمع فقهاء الأمصار على ما ذهب إليه سوار nindex.php?page=showalam&ids=12526وابن أبي ليلى من اشتراط الشهود لما دخل الناس من الفساد فاحتيط للدماء والأموال .
وقد روى عبد الله بن نافع عن مالك قال : كان من أمر الناس القديم إجازة الخواتيم حتى أن القاضي ليكتب للرجل الكتاب ، فما يزيد على ختمه فيعمل به ، حتى اتهموا فصار لا يقبل إلا بشاهدين .
وأما الحكم الثالث فقال ابن بطال : اختلفوا إذا أشهد القاضي شاهدين على ما كتبه ولم يقرأه عليهما ولا عرفهما بما فيه ، فقال مالك : يجوز ذلك ، وقال أبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي : لا يجوز لقوله تعالى : وما شهدنا إلا بما علمنا قال : وحجة مالك أن الحاكم إذا أقر أنه كتابه فالغرض من الشهادة عليه أن يعلم القاضي المكتوب إليه أن هذا " كتاب القاضي " إليه ، وقد يثبت عند القاضي من أمور الناس ما لا يجب أن يعلمه كل أحد كالوصية إذا ذكر الموصي ما فرط فيه مثلا . قال : وقد أجاز مالك أيضا أن يشهدا على الوصية المختومة وعلى الكتاب المطوي ، ويقولان للحاكم نشهد على إقراره بما في هذا الكتاب ، والحجة في ذلك كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى عماله من غير أن يقرأها على من حملها ; وهي مشتملة على الأحكام والسنن .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي : يستفاد من حديث أنس أن الكتاب إذا لم يكن مختوما فالحجة بما فيه قائمة لكونه صلى الله عليه وسلم أراد أن يكتب إليهم ، وإنما اتخذ الخاتم لقولهم إنهم لا يقبلون الكتاب إلا إذا كان مختوما ، فدل على أن " كتاب القاضي " حجة مختوما كان أو غير مختوم . واختلف في الحكم بالخط المجرد كأن يرى القاضي خطه بالحكم فيطلب منه المحكوم له العمل به ، فالأكثر ليس له أن يحكم حتى يتذكر الواقعة كما في الشاهد وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ; وقيل : إن كان المكتوب في حرز الحاكم أو الشاهد منذ حكم فيه أو تحمل إلى أن طلب منه الحكم أو الشهادة جاز ولو لم يتذكر وإلا فلا ، وقيل : إذا تيقن أنه خطه ساغ له الحكم والشهادة وإن لم يتذكر ، والأوسط أعدل المذاهب وهو قول أبي يوسف ومحمد ورواية عن أحمد رجحها كثير من أتباعه ، والأول قول [ ص: 156 ] مالك ورواية عن أحمد .
قال ابن المنير : لم يتعرض الشارح لمقصود الباب لأن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري استدل على الخط بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الروم ولقائل أن يقول : إن مضمون " الكتاب " دعاؤهم إلى الإسلام وذلك أمر قد اشتهر لثبوت المعجزة والقطع بصدقه فيما دعا إليه ، فلم يلزمهم بمجرد الخط فإنه عند القائل به إنما يفيد ظنا ، والإسلام لا يكتفى فيه بالظن إجماعا فدل على أن العلم حصل بمضمون الخط مقرونا بالتواتر السابق على الكتاب ، فكان الكتاب كالتذكرة والتوكيد في الإنذار ، مع أن حامل الكتاب قد يحتمل أن يكون اطلع على ما فيه وأمر بتبليغه .
والحق أن العمدة على أمره المعلوم مع قرائن الحال المصاحبة لحامل الكتاب ، ومسألة الشهادة على الخط مفروضة في الاكتفاء بمجرد الخط ، قال : والفرق بين الشهادة على الخط وبين " كتاب القاضي إلى القاضي " في أن القائل بالأول أقل من القائل بالثاني تطرق الاحتمال في الأول وندوره في الثاني لبعد احتمال التزوير على القاضي ولا سيما حيث تمكن المراجعة ، ولذلك شاع العمل به فيما بين القضاة ونوابهم والله أعلم .