الحديث الثالث حديث ابن عمر في البيعة على السمع والطاعة وفيه يقول لنا " فيما استطعتم " ووقع في رواية المستملي والسرخسي " فيما استطعت " بالإفراد ، والأول هو الذي في الموطأ وهو يقيد ما أطلق في الحديثين قبله وكذلك حديث جرير وهو الرابع ، وسيار في السند بفتح المهملة وتشديد التحتانية هو ابن وردان ، وأما حديث ابن عمر فذكر له طريقا قبل حديث جرير وآخر بعده وفيهما معا " أقر بالسمع والطاعة على سنة الله وسنة رسوله ما استطعت " وهو منتزع من حديثه الأول ، فالثلاثة في حكم حديث واحد ، وقوله في رواية مسدد عن nindex.php?page=showalam&ids=17293يحيى هو القطان ، أن ابن عمر قال : إني أقر " إلخ بين في رواية عمرو بن علي أنه كتب بذلك إلى عبد الملك ومن ثم قال في آخره " وإن بني قد أقروا بمثل ذلك " فهو إخبار من ابن عمر عن بنيه بأنه سبق منهم الإقرار المذكور بحضرته ; كتب به ابن عمر إلى عبد الملك وقوله : قد أقروا بمثل ذلك " زاد nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي من طريق بندار عن يحيى بن سعيد nindex.php?page=showalam&ids=16349وعبد الرحمن بن مهدي كلاهما عن سفيان في آخره " والسلام " وقوله في الرواية الثانية كتب إليه عبد الله بن عمر إلى عبد الله عبد الملك أمير المؤمنين " إني أقر بالسمع والطاعة " إلخ ، ووقع في رواية nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي من وجه آخر عن سفيان بلفظ " رأيت ابن عمر يكتب ، وكان إذا كتب يكتب : بسم الله الرحمن الرحيم . أما بعد ; فإني أقر بالسمع والطاعة لعبد الله عبد الملك " وقال في آخره أيضا " والسلام " قال الكرماني : قال أولا " إليه " وثانيا " إلى عبد الملك " ثم بالعكس وليس تكرارا ، والثاني هو المكتوب لا المكتوب إليه أي كتب هذا ، وهو إلى عبد الملك ، وتقديره " من ابن عمر إلى عبد الملك " وقوله " حيث اجتمع الناس على nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك " يريد ابن مروان بن الحكم ، والمراد بالاجتماع اجتماع الكلمة وكانت قبل ذلك مفرقة ، وكان في الأرض قبل ذلك اثنان كل منهما يدعى له بالخلافة ، وهما nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان nindex.php?page=showalam&ids=14171وعبد الله بن الزبير ، فأما ابن الزبير فكان أقام بمكة وعاذ بالبيت بعد موت معاوية ، وامتنع من المبايعة nindex.php?page=showalam&ids=17374ليزيد بن معاوية ، فجهز إليه يزيد الجيوش مرة بعد أخرى فمات يزيد وجيوشه محاصرون ابن الزبير ، ولم يكن ابن الزبير ادعى الخلافة حتى مات يزيد في ربيع الأول سنة أربع وستين ، فبايعه الناس بالخلافة بالحجاز ، وبايع أهل الآفاق nindex.php?page=showalam&ids=17113لمعاوية بن يزيد بن معاوية فلم يعش إلا نحو أربعين يوما ومات ، فبايع معظم الآفاق nindex.php?page=showalam&ids=16414لعبد الله بن الزبير وانتظم له ملك الحجاز واليمن ومصر والعراق والمشرق كله وجميع بلاد الشام حتى دمشق ، ولم يتخلف عن بيعته إلا جميع بني أمية ومن يهوى هواهم وكانوا بفلسطين ، فاجتمعوا على nindex.php?page=showalam&ids=17065مروان بن الحكم فبايعوه بالخلافة ، وخرج بمن أطاعه إلى جهة دمشق nindex.php?page=showalam&ids=190والضحاك بن قيس قد بايع فيها لابن الزبير ، فاقتتلوا " بمرج راهط " فقتل الضحاك وذلك في ذي الحجة منها وغلب مروان على الشام ، ثم لما انتظم له ملك الشام كله توجه إلى مصر [ ص: 207 ] فحاصر بها عبد الرحمن بن جحدر عامل ابن الزبير حتى غلب عليها في ربيع الآخر سنة خمس وستين ثم مات في سنته ، فكانت مدة ملكه ستة أشهر ; وعهد إلى ابنه nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان فقام مقامه وكمل له ملك الشام ومصر والمغرب ، ولابن الزبير ملك الحجاز والعراق والمشرق إلا أن المختار بن أبي عبيد غلب على الكوفة ، وكان يدعو إلى المهدي من أهل البيت فأقام على ذلك نحو السنتين ، ثم سار إليه مصعب بن الزبير أمير البصرة لأخيه فحاصره حتى قتل في شهر رمضان سنة سبع وستين ، وانتظم أمر العراق كله لابن الزبير فدام ذلك إلى سنة إحدى وسبعين ، فسار عبد الملك إلى مصعب فقاتله حتى قتله في جمادى الآخرة منها وملك العراق كله ، ولم يبق مع ابن الزبير إلا الحجاز واليمن فقط ، فجهز إليه عبد الملك الحجاج فحاصره في سنة اثنتين وسبعين إلى أن قتل عبد الله بن الزبير في جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين ، وكان عبد الله بن عمر في تلك المدة امتنع أن يبايع لابن الزبير أو لعبد الملك كما كان امتنع أن يبايع لعلي أو معاوية ، ثم بايع لمعاوية لما اصطلح مع الحسن بن علي واجتمع عليه الناس ، وبايع لابنه يزيد بعد موت معاوية لاجتماع الناس عليه ، ثم امتنع من المبايعة لأحد حال الاختلاف إلى أن قتل ابن الزبير وانتظم الملك كله لعبد الملك فبايع له حينئذ ، فهذا معنى قوله : لما اجتمع الناس على عبد الملك .
وأخرج يعقوب بن سفيان في تاريخه من طريق سعيد بن حرب العبدي قال : بعثوا إلى ابن عمر لما بويع ابن الزبير فمد يده وهي ترعد فقال : والله ما كنت لأعطي بيعتي في فرقة ، ولا أمنعها من جماعة " ثم لم يلبث ابن عمر أن توفي في تلك السنة بمكة ، وكان عبد الملك وصى الحجاج أن يقتدي به في مناسك الحج كما تقدم في " كتاب الحج " فدس الحجاج عليه الحربة المسمومة ، كما تقدم بيان ذلك في " كتاب العيدين " فكان ذلك سبب موته رضي الله عنه .