الحديث الثالث : قوله : حدثنا عمرو بن مرة ) هو الجملي بفتح الجيم وتخفيف الميم nindex.php?page=showalam&ids=17058و " مرة " شيخه هو ابن شراحيل ويقال له مرة الطيب بالتشديد وهو الهمداني بسكون الميم ، وليس هو والد عمرو الراوي عنه .
قوله : وأحسن الهدي هدي محمد ) بفتح الهاء وسكون الدال للأكثر ، nindex.php?page=showalam&ids=15086وللكشميهني بضم الهاء مقصور ومعنى الأول الهيئة والطريقة والثاني ضد الضلال .
قوله : وشر الأمور محدثاتها إلخ ) تقدم هذا الحديث بدون هذه الزيادة في " كتاب الأدب " وذكرت ما يدل على أن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري اختصره هناك ومما أنبه عليه هنا قبل شرح هذه الزيادة أن ظاهر سياق هذا الحديث أنه موقوف ، لكن القدر الذي له حكم الرفع منه قوله " nindex.php?page=hadith&LINKID=848511وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم " فإن فيه إخبارا عن صفة من صفاته صلى الله عليه وسلم وهو أحد أقسام المرفوع وقل من نبه على ذلك ، وهو كالمتفق عليه لتخريج المصنفين المقتصرين على الأحاديث المرفوعة الأحاديث الواردة في شمائله صلى الله عليه وسلم فإن أكثرها يتعلق بصفة خلقه وذاته كوجهه وشعره ، وكذا بصفة خلقه كحلمه وصفحه ، وهذا مندرج في ذلك مع أن الحديث المذكور جاء عن ابن مسعود مصرحا فيه بالرفع من وجه آخر ، أخرجه أصحاب السنن لكن ليس هو على شرط nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، وأخرجه مسلم من حديث جابر مرفوعا أيضا بزيادة فيه ، وليس هو على شرطه أيضا ، وقد بينت ذلك في " كتاب الأدب " في باب الهدي الصالح ، و " المحدثات " بفتح الدال جمع محدثة والمراد بها ما أحدث ، وليس له أصل في الشرع ويسمى في عرف الشرع " بدعة " وما كان له أصل يدل عليه الشرع فليس ببدعة ، فالبدعة في عرف الشرع مذمومة بخلاف اللغة فإن كل شيء أحدث على غير مثال يسمى بدعة [ ص: 267 ] سواء كان محمودا أو مذموما ، وكذا القول في المحدثة وفي الأمر المحدث الذي ورد في حديث عائشة nindex.php?page=hadith&LINKID=848512من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد كما تقدم شرحه ومضى بيان ذلك قريبا في " كتاب الأحكام " وقد وقع في حديث جابر المشار إليه nindex.php?page=hadith&LINKID=848513وكل بدعة ضلالة وفي حديث العرباض بن سارية nindex.php?page=hadith&LINKID=848514وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة وهو حديث أوله nindex.php?page=hadith&LINKID=848515وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة فذكره وفيه هذا أخرجه أحمد وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي وصححه ابن ماجه nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم ، وهذا الحديث في المعنى قريب من حديث عائشة المشار إليه وهو من جوامع الكلم قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي " البدعة بدعتان : محمودة ومذمومة ، فما وافق السنة فهو محمود وما خالفها فهو مذموم " أخرجه أبو نعيم بمعناه من طريق إبراهيم بن الجنيد عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وجاء عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أيضا ما أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في مناقبه قال " المحدثات ضربان ما أحدث يخالف كتابا أو سنة أو أثرا أو إجماعا فهذه بدعة الضلال ، وما أحدث من الخير لا يخالف شيئا من ذلك فهذه محدثة غير مذمومة " انتهى . وقسم بعض العلماء البدعة إلى الأحكام الخمسة وهو واضح ، وثبت عن ابن مسعود أنه قال : قد أصبحتم على الفطرة وإنكم ستحدثون ويحدث لكم فإذا رأيتم محدثة فعليكم بالهدي الأول ، فمما حدث تدوين الحديث ثم تفسير القرآن ثم تدوين المسائل الفقهية المولدة عن الرأي المحض ثم تدوين ما يتعلق بأعمال القلوب ، فأما الأول فأنكره عمر وأبو موسى وطائفة ورخص فيه الأكثرون وأما الثاني فأنكره جماعة من التابعين كالشعبي ، وأما الثالث فأنكره الإمام أحمد وطائفة يسيرة ، وكذا اشتد إنكار أحمد للذي بعده ، ومما حدث أيضا تدوين القول في أصول الديانات فتصدى لها المثبتة والنفاة ، فبالغ الأول حتى شبه وبالغ الثاني حتى عطل ، واشتد إنكار السلف لذلك nindex.php?page=showalam&ids=11990كأبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبي يوسف nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، وكلامهم في ذم أهل الكلام مشهور ، وسببه أنهم تكلموا فيما سكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وثبت عن مالك أنه لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر شيء من الأهواء - يعني بدع الخوارج والروافض والقدرية - وقد توسع من تأخر عن القرون الثلاثة الفاضلة في غالب الأمور التي أنكرها أئمة التابعين وأتباعهم ، ولم يقتنعوا بذلك حتى مزجوا مسائل الديانة بكلام اليونان ، وجعلوا كلام الفلاسفة أصلا يردون إليه ما خالفه من الآثار بالتأويل ولو كان مستكرها ، ثم لم يكتفوا بذلك حتى زعموا أن الذي رتبوه هو أشرف العلوم وأولاها بالتحصيل ، وأن من لم يستعمل ما اصطلحوا عليه فهو عامي جاهل ، فالسعيد من تمسك بما كان عليه السلف واجتنب ما أحدثه الخلف ، وإن لم يكن له منه بد فليكتف منه بقدر الحاجة ، ويجعل الأول المقصود بالأصالة والله الموفق . وقد أخرج أحمد بسند جيد عن nindex.php?page=showalam&ids=7009غضيف بن الحارث قال بعث إلي nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان فقال : إنا قد جمعنا الناس على رفع الأيدي على المنبر يوم الجمعة ، وعلى القصص بعد الصبح والعصر ، فقال : أما إنهما أمثل بدعكم عندي ولست بمجيبكم إلى شيء منهما لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=848516ما أحدث قوم بدعة إلا رفع من السنة مثلها ; فتمسك بسنة خير من إحداث بدعة ، انتهى . وإذا كان هذا جواب هذا الصحابي في أمر له أصل في السنة فما ظنك بما لا أصل له فيها ، فكيف بما يشتمل على ما يخالفها . وقد مضى في " كتاب العلم " أن ابن مسعود كان يذكر الصحابة كل خميس لئلا يملوا ومضى في " كتاب الرقاق " أن ابن عباس قال : حدث الناس كل جمعة فإن أبيت فمرتين ، ونحوه وصية عائشة لعبيد بن عمير ، والمراد بالقصص التذكير والموعظة ، وقد كان ذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لكن لم يكن يجعله راتبا كخطبة الجمعة بل بحسب الحاجة ، وأما قوله في حديث العرباض nindex.php?page=hadith&LINKID=848513فإن كل بدعة ضلالة بعد قوله nindex.php?page=hadith&LINKID=848517وإياكم ومحدثات الأمور فإنه يدل على أن المحدث يسمى بدعة وقوله : nindex.php?page=hadith&LINKID=848513كل بدعة ضلالة قاعدة شرعية كلية بمنطوقها ومفهومها ، أما منطوقها فكأن يقال " حكم كذا بدعة وكل بدعة ضلالة " فلا تكون [ ص: 268 ] من الشرع لأن الشرع كله هدى ، فإن ثبت أن الحكم المذكور بدعة صحت المقدمتان ، وأنتجتا المطلوب ، والمراد بقوله nindex.php?page=hadith&LINKID=848513كل بدعة ضلالة ما أحدث ولا دليل له من الشرع بطريق خاص ولا عام . وقوله في آخر حديث ابن مسعود إن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين أراد ختم موعظته بشيء من القرآن يناسب الحال . وقال ابن عبد السلام في أواخر " القواعد : البدعة خمسة أقسام " فالواجبة " كالاشتغال بالنحو الذي يفهم به كلام الله ورسوله لأن حفظ الشريعة واجب ، ولا يتأتى إلا بذلك فيكون من مقدمة الواجب ، وكذا شرح الغريب وتدوين أصول الفقه والتوصل إلى تمييز الصحيح والسقيم " والمحرمة " ما رتبه من خالف السنة من القدرية والمرجئة والمشبهة " والمندوبة " كل إحسان لم يعهد عينه في العهد النبوي كالاجتماع على التراويح وبناء المدارس والربط والكلام في التصوف المحمود وعقد مجالس المناظرة إن أريد بذلك وجه الله " والمباحة " كالمصافحة عقب صلاة الصبح والعصر ، والتوسع في المستلذات من أكل وشرب وملبس ومسكن . وقد يكون بعض ذلك مكروها أو خلاف الأولى والله أعلم .