باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل مما لم ينزل عليه الوحي فيقول لا أدري أو لم يجب حتى ينزل عليه الوحي ولم يقل برأي ولا بقياس لقوله تعالى بما أراك الله وقال nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الروح فسكت حتى نزلت الآية
قوله : باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل مما لم ينزل عليه الوحي فيقول لا أدري ، أو لم يجب حتى ينزل عليه الوحي ) أي كان له إذا سئل عن الشيء الذي لم يوح إليه فيه حالان : إما أن يقول لا أدري وإما أن يسكت حتى يأتيه بيان ذلك بالوحي ، والمراد بالوحي أعم من المتعبد بتلاوته ومن غيره ، ولم يذكر لقوله : لا أدري " دليلا فإن كلا من الحديثين المعلق والموصول من أمثلة الشق الثاني ، وأجاب بعض المتأخرين بأنه استغنى بعدم جوابه به ، وقال الكرماني في قوله في الترجمة لا أدري حزازة إذ ليس في الحديث ما يدل عليه ، ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم ذلك كذا قال ، وهو تساهل شديد منه في الإقدام على نفي الثبوت كما سأبينه ، والذي يظهر أنه أشار في الترجمة إلى ما ورد في ذلك ولكنه لم يثبت عنده منه شيء على شرطه ، وإن كان يصلح للحجة كعادته في أمثال ذلك ، وأقرب ما ورد عنده في ذلك حديث ابن مسعود الماضي في تفسير سورة ص nindex.php?page=hadith&LINKID=848605من علم شيئا فليقل به ، ومن لم يعلم فليقل الله أعلم ، الحديث لكنه موقوف ، والمراد منه إنما هو ما جاء عن النبي صلى [ ص: 304 ] الله عليه وسلم أنه أجاب " بلا أعلم " أو " لا أدري " وقد وردت فيه عدة أحاديث منها حديث ابن عمر nindex.php?page=hadith&LINKID=3504297جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أي البقاع خير ، قال : لا أدري ، فأتاه جبريل فسأله فقال : لا أدري ، فقال : سل ربك فانتفض جبريل انتفاضة ، الحديث أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان ، nindex.php?page=showalam&ids=14070وللحاكم نحوه من حديث جبير بن مطعم ، وفي الباب عن أنس عند ابن مردويه ، وأما حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال nindex.php?page=hadith&LINKID=848606ما أدري الحدود كفارة لأهلها أم لا وهو عند nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم فقد تقدم في شرح حديث عبادة من " كتاب العلم " الكلام عليه وطريق الجمع بينه وبين حديث عبادة ، ووقع الإلمام بشيء من ذلك في " كتاب الحدود " أيضا ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب : في أوائل مختصره لثبوت لا أدري وقد أوردت من ذلك ما تيسر في الأمالي في تخريج أحاديث المختصر .
قوله : ولم يقل برأي ولا قياس ) قال الكرماني : هما مترادفان ، وقيل الرأي التفكر ، والقياس الإلحاق ، وقيل الرأي أعم ليدخل فيه الاستحسان ونحوه انتهى . والذي يظهر أن الأخير مراد nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وهو ما دل عليه اللفظ الذي أورده في الباب الذي قبله من حديث عبد الله بن عمرو ، وقال الأوزاعي : العلم ما جاء عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لم يجئ عنهم فليس بعلم " وأخرج أبو عبيد ويعقوب بن شيبة عن ابن مسعود قال " لا يزال الناس مشتملين بخير ما أتاهم العلم من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وأكابرهم ، فإذا أتاهم العلم من قبل أصاغرهم وتفرقت أهواؤهم هلكوا " وقال أبو عبيدة معناه أن كل ما جاء عن الصحابة وكبار التابعين لهم بإحسان هو العلم الموروث ، وما أحدثه من جاء بعدهم هو المذموم ، وكان السلف يفرقون بين العلم والرأي فيقولون للسنة علم ولما عداها رأي ، وعن أحمد يؤخذ العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم عن الصحابة ، فإن لم يكن فهو في التابعين مخير ، وعنه ما جاء عن الخلفاء الراشدين فهو من السنة وما جاء عن غيرهم من الصحابة ممن قال إنه سنة لم أدفعه ، وعن ابن المبارك ليكن المعتمد عليه الأثر وخذوا من الرأي ما يفسر لكم الخبر ، والحاصل أن الرأي إن كان مستندا للنقل من الكتاب أو السنة فهو محمود وإن تجرد عن علم فهو مذموم ، وعليه يدل حديث عبد الله بن عمرو المذكور ، فإنه ذكر بعد فقد العلم أن الجهال يفتون برأيهم .
قوله ( لقوله ) في رواية المستملي لقول الله تعالى بما أراك الله وقد نقل ابن بطال عن المهلب ما معناه إنما سكت النبي صلى الله عليه وسلم في أشياء معضلة ليست لها أصول في الشريعة ، فلا بد فيها من اطلاع الوحي وإلا فقد شرع صلى الله عليه وسلم لأمته القياس ، وأعلمهم كيفية الاستنباط فيما لا نص فيه ، حيث nindex.php?page=hadith&LINKID=848607قال : للتي سألته : هل تحج عن أمها فالله أحق بالقضاء ، وهذا هو القياس في لغة العرب ، وأما عند العلماء فهو تشبيه ما لا حكم فيه بما فيه حكم في المعنى ، وقد شبه الحمر بالخيل فأجاب من سأله عن الحمر بالآية الجامعة فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره إلى آخرها . كذا قال : ونقل ابن التين عن الداودي ما حاصله أن الذي احتج به nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري لما ادعاه من النفي حجة في الإثبات ، لأن المراد بقوله بما أراك الله ليس محصورا في المنصوص ، بل فيه إذن في القول بالرأي ، ثم ذكر قصة الذي قال nindex.php?page=hadith&LINKID=848608إن امرأتي ولدت غلاما أسود هل لك من إبل ؟ إلى أن قال ; فلعله نزعه عرق . وقال : لما رأى شبها بزمعة ، احتجبي منه يا سودة . ثم ذكر آثارا تدل على الإذن في القياس ، وتعقبها ابن التين بأن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري لم يرد النفي المطلق ، وإنما أراد أنه صلى الله عليه وسلم ترك الكلام في أشياء وأجاب بالرأي في أشياء ، وقد بوب لكل ذلك بما ورد فيه ، وأشار إلى قوله بعد بابين : باب من شبه أصلا معلوما بأصل مبين ، وذكر فيه حديث لعله نزعه عرق ، وحديث nindex.php?page=hadith&LINKID=848609فدين الله أحق أن يقضى وبهذا يندفع ما فهمه المهلب والداودي ، ثم نقل ابن بطال الخلاف هل يجوز للنبي أن يجتهد فيما لم ينزل عليه . ثالثها : فيما يجري مجرى [ ص: 305 ] الوحي من منام وشبهه . ونقل أن لا نص لمالك فيه . قال : والأشبه جوازه ، وقد ذكر nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي المسألة في الأم وذكر أن حجة من قال : أنه لم يسن شيئا إلا بأمر ، وهو على وجهين إما بوحي يتلى على الناس ، وإما برسالة عن الله أن افعل كذا ، قول الله تعالى وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة الآية ، فالكتاب ما يتلى والحكمة السنة ، وهو ما جاء به عن الله بغير تلاوة ، ويؤيد ذلك قوله " في قصة العسيف " لأقضين بينكما بكتاب الله أي بوحيه ، ومثله حديث nindex.php?page=showalam&ids=120يعلى بن أمية في قصة الذي سأل عن العمرة وهو لابس الجبة ، فسكت حتى جاءه الوحي فلما سري عنه أجابه وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي من طريق طاوس أن عنده كتابا في العقول نزل به الوحي وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي بسند صحيح عن حسان بن عطية أحد التابعين من ثقات الشاميين " nindex.php?page=hadith&LINKID=848610كان جبريل ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن " ويجمع ذلك كله وما ينطق عن الهوى الآية . ثم ذكر nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أن من وجوه الوحي ما يراه في المنام . وما يلقيه روح القدس في روعه . ثم قال : ولا تعدو السنن كلها واحدا من هذه المعاني التي وصفت انتهى . واحتج من ذهب إلى أنه كان يجتهد بقول الله تعالى فاعتبروا يا أولي الأبصار والأنبياء أفضل أولي الأبصار . ولما ثبت من أجر المجتهد ومضاعفته . والأنبياء أحق بما فيه جزيل الثواب ثم ذكر ابن بطال أمثلة مما عمل فيه صلى الله عليه وسلم بالرأي من أمر الحرب وتنفيذ الجيوش وإعطاء المؤلفة وأخذ الفداء من أسارى بدر ، واستدل بقوله تعالى وشاورهم في الأمر قال ولا تكون المشورة إلا فيما لا نص فيه ، واحتج الداودي بقول عمر أن الرأي كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم مصيبا ، وإنما هو منا الظن والتكلف . وقال الكرماني : قال المجوزون كأن التوقف فيما لم يجد له أصلا يقيس عليه ، وإلا فهو مأمور به لعموم قوله تعالى فاعتبروا ياأولي الأبصار انتهى . وهو ملخص مما تقدم . واحتج nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر لعدم القول بالرأي بما أخرجه من طريق ابن شهاب " أن عمر خطب فقال : يا أيها الناس إن الرأي إنما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم مصيبا ، لأن الله عز وجل يريه ، وإنما هو منا الظن والتكلف " وبهذا يمكن التمسك به لمن يقول كان يجتهد ، لكن لا يقع فيما يجتهد فيه خطأ أصلا ، وهذا في حقه صلى الله عليه وسلم فأما من بعده فإن الوقائع كثرت والأقاويل انتشرت ، فكان السلف يتحرزون من المحدثات . ثم انقسموا ثلاث فرق : الأولى تمسكت بالأمر ، وعملوا بقوله صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=848611عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين فلم يخرجوا في فتاويهم عن ذلك ، وإذا سئلوا عن شيء لا نقل عندهم فيه أمسكوا عن الجواب وتوقفوا . والثانية : قاسوا ما لم يقع على ما وقع وتوسعوا في ذلك ، حتى أنكرت عليهم الفرقة الأولى كما تقدم ويجيء . والثالثة : توسطت فقدمت الأثر ما دام موجودا فإذا فقد قاسوا .
قوله : وقال ابن مسعود سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الروح فسكت حتى نزلت الآية ) هو طرف من الحديث الذي مضى قريبا في آخر باب " ما يكره من كثرة السؤال " موصولا إلى ابن مسعود . لكنه ذكره فيه بلفظ " فقام ساعة ينظر " وأورده بلفظ " فسكت " في " كتاب العلم " وأورده في تفسير سبحان بلفظ " فأمسك " وفي رواية مسلم " فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليه شيئا " ثم ذكر حديث جابر في مرضه ، وسؤاله كيف أصنع في مالي ؟ قال : فما أجابني بشيء حتى نزلت آية الميراث ، وهو ظاهر فيما ترجم له وقد مضى شرحه مستوفى في تفسير سورة النساء .