[ ص: 357 ] قوله ( بسم الله الرحمن الرحيم - كتاب التوحيد ) كذا للنسفي nindex.php?page=showalam&ids=15745وحماد بن شاكر ، وعليه اقتصر الأكثر عن الفربري ، وزاد المستملي : الرد على الجهمية وغيرهم ، وسقطت البسملة لغير أبي ذر ، ووقع nindex.php?page=showalam&ids=12997لابن بطال وابن التين " كتاب رد الجهمية " وغيرهم " التوحيد " وضبطوا التوحيد بالنصب على المفعولية ، وظاهره معترض ؛ لأن الجهمية وغيرهم من المبتدعة لم يردوا التوحيد وإنما اختلفوا في تفسيره ، وحجج الباب ظاهرة في ذلك ، والمراد بقوله في رواية المستملي وغيرهم : القدرية ، وأما الخوارج فتقدم ما يتعلق بهم في " كتاب الفتن " وكذا الرافضة تقدم ما يتعلق بهم في " كتاب الأحكام " وهؤلاء الفرق الأربع هم رءوس البدعة وقد سمى المعتزلة أنفسهم " أهل العدل والتوحيد " وعنوا بالتوحيد ما اعتقدوه من نفي الصفات الإلهية ، لاعتقادهم أن إثباتها يستلزم التشبيه ومن شبه الله بخلقه أشرك ، وهم في النفي موافقون للجهمية ، وأما أهل السنة ففسروا التوحيد بنفي التشبيه والتعطيل ، ومن ثم قال الجنيد فيما حكاه أبو القاسم القشيري : التوحيد إفراد القديم من المحدث " وقال أبو القاسم التميمي في " كتاب الحجة " : التوحيد مصدر وحد يوحد ، ومعنى وحدت الله اعتقدته منفردا بذاته وصفاته لا نظير له ولا شبيه ، وقيل معنى وحدته علمته واحدا ، وقيل : سلبت عنه الكيفية والكمية فهو واحد في ذاته لا انقسام له ، وفي صفاته لا شبيه له ، في إلهيته وملكه وتدبيره لا شريك له ولا رب سواه ولا خالق غيره . وقال ابن بطال : تضمنت ترجمة الباب أن الله ليس بجسم ؛ لأن الجسم مركب من أشياء مؤلفة وذلك يرد على الجهمية في زعمهم أنه جسم ، كذا وجدت فيه ولعله أراد أن يقول المشبهة ، وأما الجهمية فلم يختلف أحد ممن صنف في المقالات أنهم ينفون الصفات حتى نسبوا إلى التعطيل ، وثبت عن أبي حنيفة أنه قال : بالغ جهم في نفي التشبيه حتى قال : إن الله ليس بشيء ، وقال الكرماني الجهمية فرقة من المبتدعة ينتسبون إلى جهم بن صفوان مقدم الطائفة القائلة أن لا قدرة للعبد أصلا ، وهم الجبرية بفتح الجيم وسكون الموحدة ، ومات مقتولا في زمن هشام بن عبد الملك انتهى . وليس الذي أنكروه على الجهمية مذهب الجبر خاصة ، وإنما الذي أطبق السلف على ذمهم بسببه إنكار الصفات . حتى قالوا : إن القرآن ليس كلام الله وأنه مخلوق ، وقد ذكر الأستاذ أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي البغدادي في كتابه " الفرق بين الفرق " أن رءوس المبتدعة أربعة إلى أن قال : والجهمية أتباع جهم بن صفوان الذي قال : بالإجبار والاضطرار إلى الأعمال ، وقال لا فعل لأحد غير الله تعالى ، وإنما ينسب الفعل إلى العبد مجازا من غير أن يكون فاعلا أو مستطيعا لشيء ، وزعم أن علم الله حادث ، وامتنع من وصف الله تعالى بأنه شيء أو حي أو عالم أو مريد ، حتى قال لا أصفه بوصف يجوز إطلاقه على غيره ، قال وأصفه بأنه خالق ومحيي [ ص: 358 ] ومميت وموحد بفتح المهملة الثقيلة ؛ لأن هذه الأوصاف خاصة به ، وزعم أن كلام الله حادث ، ولم يسم الله متكلما به ، قال : وكان جهم يحمل السلاح ويقاتل ، وخرج مع الحارث بن سريج ، وهو بمهملة وجيم مصغر ، لما قام على نصر بن سيار عامل بني أمية بخراسان فآل أمره إلى أن قتله سلم بن أحوز وهو بفتح السين المهملة وسكون اللام ، وأبوه بمهملة وآخره زاي وزن أعور وكان صاحب شرطة نصر ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في " كتاب خلق أفعال العباد : بلغني أن جهما كان يأخذ عن الجعد بن درهم ، وكان خالد القسري وهو أمير العراق خطب فقال : إني مضح nindex.php?page=showalam&ids=14005بالجعد بن درهم ؛ لأنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ولم يكلم موسى تكليما . قلت : وكان ذلك في خلافة هشام بن عبد الملك ، فكأن الكرماني انتقل ذهنه من الجعد إلى الجهم فإن قتل جهم كان بعد ذلك بمدة ، ونقل nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن محمد بن مقاتل قال : قال nindex.php?page=showalam&ids=16418عبد الله بن المبارك :
ولا أقل بقول الجهم إن له قولا يضارع قول الشرك أحيانا
وعن ابن المبارك إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى ونستعظم أن نحكي قول جهم ، وعن عبد الله بن شوذب قال : ترك جهم الصلاة أربعين يوما على وجه الشك ، وأخرج ابن أبي حاتم في " كتاب الرد على الجهمية " من طريق خلف بن سليمان البلخي قال : كان جهم من أهل الكوفة وكان فصيحا ، ولم يكن له نفاذ في العلم ، فلقيه قوم من الزنادقة فقالوا له : صف لنا ربك الذي تعبده ، فدخل البيت لا يخرج مدة ثم خرج فقال هو هذا الهواء مع كل شيء . وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=13113ابن خزيمة في التوحيد ، ومن طريقه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في الأسماء قال : سمعت أبا قدامة يقول : سمعت أبا معاذ البلخي يقول : كان جهم على معبر ترمذ ، وكان كوفي الأصل فصيحا ولم يكن له علم ولا مجالسة أهل العلم ، فقيل له صف لنا ربك فدخل البيت لا يخرج كذا ، ثم خرج بعد أيام فقال : هو هذا الهواء مع كل شيء وفي كل شيء ولا يخلو منه شيء . وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري من طريق عبد العزيز بن أبي سلمة قال : كلام جهم صفة بلا معنى ، وبناء بلا أساس ولم يعد قط في أهل العلم ، وقد سئل عن رجل طلق قبل الدخول فقال تعتد امرأته ، وأورد آثارا كثيرة عن السلف في تكفير جهم . وذكر الطبري في تاريخه في حوادث سنة سبع وعشرين أن الحارث بن سريج خرج على نصر بن سيار عامل خراسان لبني أمية وحاربه ، والحارث حينئذ يدعو إلى العمل بالكتاب والسنة وكان جهم حينئذ كاتبه ثم تراسلا في الصلح وتراضيا بحكم مقاتل بن حيان والجهم ، فاتفقا على أن الأمر يكون شورى حتى يتراضى أهل خراسان على أمير يحكم بينهم بالعدل ، فلم يقبل نصر ذلك واستمر على محاربة الحارث إلى أن قتل الحارث في سنة ثمان وعشرين في خلافة مروان الحمار ، فيقال : إن الجهم قتل في المعركة ويقال بل أسر ، فأمر نصر بن سيار سلم بن أحوز بقتله فادعى جهم الأمان ، فقال له سلم : لو كنت في بطني لشققته حتى أقتلك فقتله ، وأخرج ابن أبي حاتم من طريق محمد بن صالح مولى بني هاشم قال : قال سلم حين أخذه : يا جهم إني لست أقتلك ؛ لأنك قاتلتني ، أنت عندي أحقر من ذلك ؛ ولكني سمعتك تتكلم بكلام أعطيت الله عهدا أن لا أملكك إلا قتلتك فقتله ، ومن طريق معتمر بن سليمان عن خلاد الطفاوي بلغ سلم بن أحوز وكان على شرطة خراسان أن جهم بن صفوان ينكر أن الله كلم موسى تكليما فقتله ، ومن طريق بكير بن معروف قال رأيت سلم بن أحوز حين ضرب عنق جهم فاسود وجه جهم ، وأسند أبو القاسم اللالكائي في " كتاب السنة " له أن قتل جهم كان في سنة اثنتين وثلاثين ومائة والمعتمد ما ذكره الطبري أنه كان في سنة ثمان وعشرين ، وذكر ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن رحمة صاحب nindex.php?page=showalam&ids=11816أبي إسحاق الفزاري أن قصة جهم كانت سنة ثلاثين ومائة ، وهذا يمكن حمله على جبر الكسر ، أو على أن قتل جهم تراخى عن قتل الحارث بن سريج ، وأما قول الكرماني : إن قتل جهم كان في خلافة هشام بن عبد الملك فوهم ؛ لأن خروج الحارث بن سريج الذي كان جهم كاتبه كان بعد [ ص: 359 ] ذلك ، ولعل مستند الكرماني ما أخرجه ابن أبي حاتم من طريق صالح بن أحمد بن حنبل قال : قرأت في دواوين هشام بن عبد الملك إلى نصر بن سيار عامل خراسان : أما بعد فقد نجم قبلك رجل يقال له جهم من الدهرية فإن ظفرت به فاقتله ، ولكن لا يلزم من ذلك أن يكون قتله وقع في زمن هشام ، وإن كان ظهور مقالته وقع قبل ذلك حتى كاتب فيه هشام والله أعلم . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم في " كتاب الملل والنحل " : فرق المقرين بملة الإسلام خمس : أهل السنة ، ثم المعتزلة ومنهم القدرية ، ثم المرجئة ومنهم الجهمية والكرامية ثم الرافضة ومنهم الشيعة ، ثم الخوارج ومنهم الأزارقة والإباضية ، ثم افترقوا فرقا كثيرة ، فأكثر افتراق أهل السنة في الفروع ، وأما في الاعتقاد ففي نبذ يسيرة ، وأما الباقون ففي مقالاتهم ما يخالف أهل السنة الخلاف البعيد والقريب ، فأقرب فرق المرجئة من قال : الإيمان التصديق بالقلب واللسان فقط وليست العبادة من الإيمان . وأبعدهم الجهمية القائلون بأن الإيمان عقد بالقلب فقط وإن أظهر الكفر والتثليث بلسانه ، وعبد الوثن من غير تقية ، والكرامية : القائلون بأن الإيمان قول باللسان فقط وإن اعتقد الكفر بقلبه ، وساق الكلام على بقية الفرق ثم قال : فأما المرجئة فعمدتهم الكلام في الإيمان والكفر ، فمن قال إن العبادة من الإيمان ، وإنه يزيد وينقص ولا يكفر مؤمنا بذنب ، ولا يقول إنه يخلد في النار فليس مرجئا ، ولو وافقهم في بقية مقالاتهم . وأما المعتزلة فعمدتهم الكلام في الوعد والوعيد والقدر ، فمن قال القرآن ليس بمخلوق وأثبت القدر ورؤية الله تعالى في القيامة ، وأثبت صفاته الواردة في الكتاب والسنة وأن صاحب الكبائر لا يخرج بذلك عن الإيمان فليس بمعتزلي وإن وافقهم في سائر مقالاتهم وساق بقية ذلك إلى أن قال : وأما الكلام فيما يوصف الله به فمشترك بين الفرق الخمسة ، من مثبت لها وناف ، فرأس النفاة المعتزلة والجهمية فقد بالغوا في ذلك حتى كادوا يعطلون ، ورأس المثبتة مقاتل بن سليمان ومن تبعه من الرافضة والكرامية ، فإنهم بالغوا في ذلك حتى شبهوا الله تعالى بخلقه ، تعالى الله سبحانه عن أقوالهم علوا كبيرا ، ونظير هذا التباين قول الجهمية : إن العبد لا قدرة له أصلا ، وقول القدرية إنه يخلق فعل نفسه . قلت : وقد أفرد nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري خلق أفعال العباد في تصنيف ، وذكر منه هنا أشياء بعد فراغه مما يتعلق بالجهمية
[ ص: 360 ] قوله ( باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله تعالى ) المراد بتوحيد الله تعالى الشهادة بأنه إله واحد وهذا الذي يسميه بعض غلاة الصوفية توحيد العامة ، وقد ادعى طائفتان في تفسير التوحيد أمرين اخترعوهما ، أحدهما : تفسير المعتزلة كما تقدم ، ثانيهما : غلاة الصوفية فإن أكابرهم لما تكلموا في مسألة المحو والفناء وكان مرادهم بذلك المبالغة في الرضا والتسليم وتفويض الأمر ، بالغ بعضهم حتى ضاهى المرجئة في نفي نسبة الفعل إلى العبد ، وجر ذلك بعضهم إلى معذرة العصاة ، ثم غلا بعضهم فعذر الكفار ، ثم غلا بعضهم فزعم أن المراد بالتوحيد اعتقاد وحدة الوجود ، وعظم الخطب حتى ساء ظن كثير من أهل العلم بمتقدميهم وحاشاهم من ذلك ، وقد قدمت كلام شيخ الطائفة الجنيد وهو في غاية الحسن والإيجاز ، وقد رد عليه بعض من قال بالوحدة المطلقة فقال : وهل من غير ، ولهم في ذلك كلام طويل ينبو عنه سمع كل من كان على فطرة الإسلام والله المستعان . وذكر في الباب أربعة أحاديث :
الحديث الأول : حديث معاذ بن جبل في بعثه إلى اليمن ، أورده من طريقين الأولى أعلى من الثانية ، وقد أورد الطريق العالية في ( كتاب الزكاة ) وساقها هناك على لفظ أبي عاصم راويها ، وذكره هناك من وجه آخر بنزول ، nindex.php?page=showalam&ids=12448وعبد الله بن أبي الأسود شيخه في هذا الباب هو ابن محمد بن أبي الأسود ينسب إلى جده واسمه حميد بن الأسود ، و " الفضل بن العلاء " يكنى أبا العلاء ويقال أبو العباس وهو كوفي نزل البصرة وثقه علي ابن المديني ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=11970أبو حاتم الرازي شيخ يكتب حديثه ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي ليس به بأس ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني : كثير الوهم . قلت : وما له في nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري سوى هذا الموضع وقد قرنه بغيره ولكنه ساق المتن هنا على لفظه .
قوله ( عن أبي معبد ) كذا للجميع بفتح الميم وسكون المهملة ثم موحدة ، وفي بعض النسخ عن أبي سعيد وهو تصحيف ، وكأن الميم انفتحت فصارت تشبه السين .