قوله ( باب قول الله تعالى إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ) كذا لأبي ذر والأصيلي والحفصوي على وفق [ ص: 373 ] القراءة المشهورة ، وكذا هو عند النسفي ، وعليه جرى nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي ، ووقع في رواية القابسي " إني أنا الرزاق " إلخ وعليه جرى ابن بطال وتبعه ابن المنير والكرماني وجزم به الصغاني ، وزعم أن الذي وقع عند أبي ذر وغيره من تغييرهم لظنهم أنه خلاف القراءة ، قال : وقد ثبت ذلك قراءة عن ابن مسعود . قلت : وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه كذلك كما أخرجه أحمد وأصحاب السنن وصححه nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم من طريق عبد الرحمن بن يزيد النخعي ، عن ابن مسعود قال : أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره قال أهل التفسير : المعنى في وصفه بالقوة أنه القادر البليغ الاقتدار على كل شيء .
قوله : عن أبي حمزة ) بالمهملة والزاي هو السكري وفي السند ثلاثة من التابعين في نسق كلهم كوفيون .
قوله : ما أحد أصبر على أذى سمعه من الله ) الحديث ، وقد تقدم شرحه في " كتاب الأدب " والغرض منه قوله هنا " ويرزقهم " وقوله " يدعون " بسكون الدال وجاء تشديدها ، قال ابن بطال : تضمن هذا الباب صفتين لله تعالى : صفة ذات ، وصفة فعل ، فالرزق فعل من أفعاله تعالى فهو من صفات فعله ؛ لأن رازقا يقتضي مرزوقا ، والله سبحانه وتعالى كان ولا مرزوق وكل ما لم يكن ثم كان فهو محدث والله سبحانه موصوف بأنه الرزاق ووصف نفسه بذلك قبل خلق الخلق ، بمعنى أنه سيرزق إذا خلق المرزوقين ، والقوة من صفات الذات وهي بمعنى القدرة ، ولم يزل سبحانه وتعالى ذا قوة وقدرة ، ولم تزل قدرته موجودة قائمة به موجبة له حكم القادرين . والمتين بمعنى القوي وهو في اللغة الثابت الصحيح وقال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي : القوي التام القدرة لا ينسب إليه عجز في حالة من الأحوال ، ويرجع معناه إلى القدرة ، والقادر هو الذي له القدرة الشاملة والقدرة صفة له قائمة بذاته ، والمقتدر هو التام القدرة الذي لا يمتنع عليه شيء . وفي الحديث رد على من قال إنه قادر بنفسه لا بقدرة ؛ لأن القوة بمعنى القدرة ، وقد قال تعالى ذو القوة وزعم المعتزلي أن المراد بقوله ذو القوة : الشديد القوة والمعنى في وصفه بالقوة والمتانة أنه القادر البليغ الاقتدار ، فجرى على طريقهم في أن القدرة نفسية ، خلافا لقول أهل السنة إنها صفة قائمة به متعلقة بكل مقدور وقال غيره : كون القدرة قديمة وإفاضة الرزق حادثة لا يتنافيان ؛ لأن الحادث هو التعلق وكونه رزق المخلوق بعد وجوده لا يستلزم التغير فيه ؛ لأن التغير في التعلق فإن قدرته لم تكن متعلقة بإعطاء الرزق بل بكونه سيقع ، ثم لما وقع تعلقت به من غير أن تتغير الصفة في نفس الأمر ، ومن ثم نشأ الاختلاف : هل القدرة من صفات الذات أو من صفات الأفعال ؟ فمن نظر في القدرة إلى الاقتدار على إيجاد الرزق قال هي صفة ذات قديمة ، ومن نظر إلى تعلق القدرة قال هي صفة فعل حادثة ، ولا استحالة في ذلك في الصفات الفعلية والإضافية بخلاف الذاتية ، وقوله في الحديث " أصبر " أفعل تفضيل من الصبر ومن أسمائه الحسنى سبحانه وتعالى : الصبور ومعناه الذي لا يعاجل العصاة بالعقوبة ، وهو قريب من معنى الحليم ، والحليم أبلغ في السلامة من العقوبة ، والمراد بالأذى أذى رسله وصالحي عباده لاستحالة تعلق أذى المخلوقين به لكونه صفة نقص وهو منزه عن كل نقص ، ولا يؤخر النقمة قهرا بل تفضلا ، وتكذيب الرسل في نفي الصاحبة والولد عن الله أذى لهم ، فأضيف الأذى لله تعالى للمبالغة في الإنكار عليهم والاستعظام لمقالتهم ، ومنه قوله تعالى إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة فإن معناه يؤذون أولياء الله وأولياء رسوله ، فأقيم المضاف مقام المضاف إليه ، قال ابن المنير وجه مطابقة الآية للحديث اشتماله على صفتي الرزق والقوة الدالة على القدرة ، أما الرزق فواضح من قوله ويرزقهم وأما القوة فمن قوله " أصبر ؛ فإن فيه إشارة إلى القدرة على الإحسان إليهم مع إساءتهم ، بخلاف طبع البشر فإنه لا يقدر على الإحسان إلى المسيء إلا من جهة تكلفه ذلك شرعا ، وسبب ذلك أن خوف الفوت يحمله على المسارعة [ ص: 374 ] إلى المكافأة بالعقوبة ، والله سبحانه وتعالى قادر على ذلك حالا ومآلا لا يعجزه شيء ولا يفوته .